اسباب تمنع حصول ثورة في الاردن

تواصل موجات خفة الدم والسخرية السياسية المرة وملامح النقد الذاتي التكاثر في الأردن رغم الظروف القاسية التي تواجهها المنطقة والبلاد.
في بدايات الربيع العربي وعندما كانت الأنظمة تسقط خلال أيام بفعل بركات غامضة لومضات الربيع العربي أبلغني أحد الأصدقاء وهو بالمناسبة وزير سابق بأن الثورة لن تصل للأردن بكل الأحوال {في ذلك الوقت}.
إستفسرت: لماذا؟..قال الصديق : لان ياسر أبو هلاله مدير مكتب الجزيرة مشغول بتونس.
..طبعا كانت تلك مزحة لكنها خفيفة الظل فالجزيرة لا زالت تشكل مصدر الأخبار الرئيسي بالنسبة للأردنيين {37 ‘ منهم يعتمدون عليها}.
رغم ذلك إستعصت الحدود والأجواء الأردنية عن بضاعة ومنتجات الثورة بأي من مظاهرها.
وإكتفى الأردنيون في قمة إحتجاجهم بإسم مستنسخ بذكاء هو {الحراك الشعبي} وعندما تصل إحتجاجات الأردنيين لذروتها كانت تطال الهتافات مديرا سابقا لجهاز المخابرات سرعان ما تم إقصاؤه بعد أسابيع فقط من ترديد إسمه بالشارع نكاية بالنظام.
في أسوأ الإعتصامات إبتكر الحراكيون عبارة كوميدية عندما هتفوا { إص ..إص .. إصلح ولا بنكملها} وهي عبارة تخترق الحاجز بين حرفين السين والصاد لإنتاج رسالة إكتملت في الواقع في بعض الإعتصامات التي تجاوزت الأسقف المعتادة لان الشارع لم يقتنع بالإصلاحات التي أنجزت على أهميتها.
صديق آخر نقل لي رواية مثيرة وساخرة عن أسباب موضوعية تعيق حصول أي ثورة من أي نوع في الأردن حتى لو كانت {ممولة}.
فكرة صاحبنا بسيطة فقد تاتي جهة ما وتدفع مالا لبعض العناصر بهدف تثويرهم وتحريضهم.
هذه الأموال المدفوعة سيتم تسييلها فورا وإنفاقها بسرعة في ثلاثة مسارات حصرية وبعيدا عن أي نشاطات سياسية وهي : الإستثمار فورا في البورصة الوهمية وشراء سيارة من طراز هونداي آفانتي أو كيا سيفيا أما الدرب الثالث لإنفاق المال فسيكون المبادرة وفورا لرفع {شمعات}.
وقصة رفع الشمعات من القوانين الضمنية في حياة الأردنيين فالأردني ومن شتى الأصول والمنابت شغوف ومهووس ببناء بيت أو توسيع بيت أو تأجير بيت ..لذلك ترفع الشمعات {وهي إعمدة إسمنتية} بهدف البناء أوالتوسع بالبناء. يعني ذلك ان خيارات الإنفاق عند الغالبية تتمثل في هذه المسارات الثلاثة وبالتالي سيمر الوقت دون توظيف أي مال في نشاط حقيقي بقصد الثورة.
..هذه طبعا نكتة إجتماعية سياسية متفوقة بإمتياز وتتميز بأنها تعكس الحقيقة والواقع فالسلطات تلمح لان بسطاء الأردنيين وفقراءهم من الموظفين وصغار المهنيين والكسبة أهدروا ما لايقل عن خمسة مليارات دولار في البورصة الوهمية التي تبخرت فجأة ولم تقو السلطات على تفكيك أسرارها بعد.
وحول أي مرفق أردني وفي محيط القرى والمخيمات يمكنك ببساطة رصد سيارة هونداي أو كيا بين كل سيارة وأخرى فالأردنيون يقضون مصالحهم ويتنقلون بأسطول من هذه السيارات الكورية رخيصة الثمن التي تتحول إلى عجينة وبسكويت مطحون بمجرد التلامس معها مما يبرر إرتفاع نسبة الوفيات وحوادث السير.
أما رفع العمدان أو الشمعات فهو حلم وديدن كل أردني يخطط للزواج او يتزوج أو يسعى لتنويع محفظته الإستثمارية البائسة فالغرفة الواحدة هذه الأيام وتحديدا في القرى التي هجرها أهلها لعمان العاصمة تدر دخلا قوميا قياسا بمستويات الدخل المحلي على صاحبها عندما يؤجرها لهارب سوري أو للاجىء عراقي وأعرف شخصيا موظفين أجلوا زواجهم لتأجير بيوتهم في حالة إستثمار هوسية لألم الشعب السوري.
يطرح نفس الصديق الساخر على مسامعي سؤاله القنبلة: هل سمعت في الدنيا معارضة تأخذ {إجازة} او تعطل في يوم عطلة رسمية؟.
دلالة السؤال دقيقة فعلا فالمعارضة الشعبية والحزبية الأردنية هي وحدها التي {تعطل} في المواسم والأعياد في قاسم مشترك نادر مع اجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية.
لو كنت رمزا من رموز الدولة لفرحت بهذا النمط من المعارضة سواء تلك التي تتوقف نشاطاتها في العطلات الرسمية أو التي تختار حصريا يوم العطلة الأسبوعي {الجمعة} لإختيار نشاطات شعبية جمهورها من العابرين والفضوليين والمتسوقين والمصلين ..بمعنى أنهم ليسوا معارضين في الواقع بقدر ما هم مارة وعابرون.
وهذا ما يحصل فعلا في إعتصامات قاع العاصمة عمان فعدد العابرين والمارة والسكان والمتسوقين بالعادة أكبر من عدد المعتصمين المنظمين وفي الأعياد الرسمية تتوقف حالة الحراك والإعتراض.
وزير الداخلية أثبت ذلك رقميا عندما إستدعى الشيخ حمزة منصور القيادي في حركة الأخوان المسلمين وأبلغه بالرقم بأن عدد الذين شاركوا في إحدى المسيرات هو حصريا 845 شخصا بينهم 265 لاجئا سوريا.
الهدف من إستدعاء الشيخ كان تحذيره في مسألة إشراك اللاجئين السوريين في مسيرة تطرح شعارا أو هتافا أردنيا.
لكن قدرة الحكومة العجيبة على تعداد البشر المعارضين في مسيرة حاشدة مدهشة وتظهر لي كمواطن بان حكومتي الرشيدة ليست غارقة في العسل حتى أنها تستطيع تمييز عشرات الضيوف من بين مئات أهل الدار خلال مسيرة معارضة.
أليست تلك قدرة مدهشة عند وزارة الداخلية التي أنفقت بالتأكيد مالا وفيرا لإجراء هذا الإحصاء الأمني الهادف؟.
سؤالي بسيط وغير بريء : سبحان ألله أين تذهب هذه القدرات الأمنية الخارقة عندما يتعلق الأمر بإحصاء الفاسدين واللصوص والحرامية والنمامين والذين دمروا مكسب الشعب في مؤسسته البيروقراطية وأحالوها إلى حطام إداري بعدما كانت مثالا يحتذى في المستوى العربي؟.
لماذا تعطل {عداد الحكومة} المتخصص بالأنفار عندما تعلق الأمر بظهور ميليشيات مسلحة على الطريق الصحراوي الدولي بين عمان والعقبة توقف سيارات المواطنين وحافالاتهم وتدقق بالهويات جهارا نهارا على مرأى من رجال الأمن.
من حقي كمواطن أردني اليوم أن اطالب الصديق وزير الداخلية حسين المجالي بإحصاء أمني دقيق لكل الذين تسببوا بوصول المديونية إلى مبلغ الثلاثين مليارا من الدولارات.
ومن حقي الحصول على رقم إحصائي دقيق يحدد بنفس المستوى الأمني أعداد وأسماء المحظيين الذين لا يدفعون بدل فواتير الماء والكهرباء بعدما تحدث عنهم وزيرا المياه والطاقة علنا.
أعلم بان العين تغفل هنا تحديدا والأذن تحتجب والسلطات تطنش وانا على يقين أن الحكومة قوية جدا لكن قوة القانون أصبحت إختيارية ومزاجية مؤخرا للأسف.
وعلى سيرة المؤسسة البيروقراطية وحبل النكات الموصول يشتكي لي أحد المدراء في مؤسسة رسمية قائلا: لي من الخدمة اليوم 18 عاما ولا حظوظ لي بالترقية العادلة لإن نخبة من الحيتان والفيلة يحتلون مواقع الإدارة منذ 40 عاما ولا يغادرون وظيفتهم رغم ان الدنيا تغيرت ومؤهلاتي الجامعية والإدارية أعمق منهم.
صاحبنا يقترح إحالة جيش الموظفين القدماء الذين توقفوا عن النمو الإداري ويستحيل تنمية مهاراتهم على التقاعد وتعيين المزيد من الشباب العاطلين عن العمل مكانهم بدلا من الإسترسال في العرس البيروقراطي المتآكل.

‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صادق:

    صدقت في كل ما قلت وسمعت . نعم هذا الشعب لن ولم اجزم بانة لن ولم يقدر ان يغير مجرى قناة امام منزلة او لف بوري صوبة ديزل بعكس الرياح ليتجنب الدخان وانطفاء المدفاءه لذلك لا تستغرب ان يتاكل هذا المجتمع بالتدريج وياتي زمن علية بان يبحش ارض المطبخ ليزرع بها جرزة بصل او يرش سطح منزلة بالتراب ليزرعة فجل وبقدونس للاسف ان كل فرد من ابناء الشعب الاردني هو دولة بحد ذاتة يفتي بالسياسة والطب والهندسة وينظر بعلوم الارض والقمر ولكنة لا يترك مقدار شبر من الفرص الا ويستغلة لصالحة ولو خسر ما عندة واقرب مثل ملايين البورصات الوهمية ولليوم كم فرد انضحك عليهم وسرقت وسلبت اموالهم لطمعهم وجشعهم نحن شعب ساذج وسطحي بنظرتة لامور الحياة البعيدة فياحسرة على الاجيال القادمة ستكون خدما عند المتنفذين واغنياء الفساد وسيعملوا 12 ساعة عند طغمة الفتنة ليحصلوا على رغيف الخبز وانتظر ان غدا لناظرة لقريب.

  2. يقول صلاح:

    اللهم اكشف الفاسدين اينما كانوا واينما حلوا ولا حول ولا قوة الا باالله

  3. يقول عمار:

    لا بد لي مجبرا وانا اقلب صفحات صحيفة القدس العربي على التوقف فورا على اي مقال تخطه يداك اخ بسام لتسرق مني الوقت عنوتا ، حتى اقرأ مقالك من اول حرف الى اخر نقطة وحتى وان كان صفحات ، بالرغم من هناك الكثير من الكتاب في بلدي الذين يكتبون الا انني لا اقوى على الوقوف عند مقالتهم اكثر من دقائق ، وذلك لاننا نلمس من مقالاتك او تقريرك على الاقل الصدق والشفافية والحرص الحقيقي على الوطن ، بوركت سواعدك وما اسوء ان نقول لحكومتنا الرشيدة ان كنت تدري فتلك مصيبة وان لم تكن تدري فالمصيبة اعظم …………… ظم ….ظم

  4. يقول سهم الحق وهاج:

    دولة نصف مواطنيها موظفين مدنيين وعسكريين وتنفق أكثر من 80 % من موازنتها كرواتب ومعاشات تقاعد ، والنصف الآخر يحصل على الماء والكهرباء مجانا ، تلكمو الدولة تعيش مأساة حقيقية يا سادة

  5. يقول السالمي:

    المعارضه في الاردن استاذ بسام هي معارضه حكوميه بامتياز لذلك تراها متراخيه ولا تضغط إلا بنسبه معينه لأجل تلبية مطالب فئويه او حزبيه مما يجعل الدوله تشعر بالراحه ولا ننخدع كثيراً بوجود شبيحة الحكومه وزعرانها (وهم بكل تأكيد من اصحاب السوابق ورجال أمن بلباس مدني) لأنهم جزء من المشهد الذي يُرضي المعارضه ويُظهرها بمظهر معارضه حقيقية . أما الحراكات فهي ربما تجتمع باهداف متباعده لكنها تبقى أيضاً بلا تأثير لأنها تقف صامته أمام كذب الحكومه بالحفاظ على مقدرات الدوله ومرافقها (هذا ان هناك مقدرات ومرافق تركها اللصوص والفاسدين). فاعتقد انه لا يوجد في الاردن معارضه جادة خارجه عن عباءة النظام. أما ما يمنع ثورة في الاردن فهو الشعب الاردني الذي اعطاه الله قدرة وتحمل وصبر بشكل معجز وخارج عن نطاق استيعاب العقل البشري، فبالرغ من ان الحكومه تدفعه دفعاً بسياساتها المتوحشه لينتفض بوجهها ووجه النظام إلا انه يتحمل عمليات رفع الاسعار المتكرره بشكل جنوني ويتحمل تغوّل الدولة على جيبه بشكل لا يصدقه العقل البشري هذا بالاضافه لاستشراء الفساد والسرقات والاختلاسات في كل مؤسسات الدوله من رأسها لإخمص قدميها والفقر المدقع والجوع، لكن الشعب لا يتحرك بل يترقب بخوف مغموس بالقهر ان تُحسب انتفاضته بوجه النظام على جهة ما كبدعة شتى الاصول والمنابت او تُظهرها عصابة النظام بهذا الشكل مع ان الكل يعاني من جنون الاسعار والفقر والجوع ونتائج النهب والسلب والسرقات. هذا هو السبب الحقيقي لعدم اندلاع ثورة في الاردن، نعرفه جيداً لكننا نخشى ان نذكره. لو كان الشعب على قلب رجل واحد لاندلعت ثورة الاردن قبل كل الثورات.

  6. يقول اردني:

    في المحصلة الوضع الاردني احسن من غيره

  7. يقول احمد العربي المسلم:

    المؤامرة الكبرى “برنلد لويس”
    أخ بسام انا أقراء جميع ما تكتب في القدس العربي التي أعتمد عليها لمتابعة أخبار الأمة العربية الأسلامية و اتفق معك في كثير من الأحيان و اقراء بين سطور كتاباتك ما يتكلم عن مؤامرة تقسيم الوطن العربي ” مخطط برنلد لويس” و لكني لا اجد أي كاتب عربي يتناول هذا المخطط القديم الحديث بالتحليل سوأً بالتأكيد أو النفي و كثيراً ما أتشوق لمعرفة رأيك في تلك المؤامرة التي ما زلت مقتنع بها و التي تفسر كل الاحداث الجارية حالياً.
    حفظ الله جميع البلاد العربية و الأسلامية.

  8. يقول عمر:

    لا تهزأ من بساطه الأردنيين وسياراتهم وارتباطها بأرضهم ،،،،،،،هذا شرف لهم وليس عار عليهم ،،،،،،خليها مستوره يا صحفيي الأردن ،،،،،

  9. يقول sultan:

    ومن لا يحب صعود الجبال يعش ابد الدهر بين الحفر

    يبدو ان بعض القراء الكرام لم يفهمو ما قد كتبته يا اخي بسام لان الشعب الاردني بسيط نجده يقبل بسيارة الكيا ويسامح الفاسدين و المرتزقة و سارقي قوت الشعب و هو يسامح رغما عنه فانت تجد يا اخي بسام ملفات فساد بالمليارات وهي التي اوصلت الميزانية لهذا المستوى قد يكون بعض الاخوة القراء من المستفيدين من هذا الفساد الا اننا لا ننكر ان شريحة عريضة و كبيرة من الشعب لا تجد قوت يومها
    فما رأيك ببساطة هذا الشعب (تفصيل كما يرغب الفاسدون)

    مواطن بسيط

إشترك في قائمتنا البريدية