احترام المعتقد جزء من احترام كرامة الإنسان
فطوم قدامةاحترام المعتقد جزء من احترام كرامة الإنسان اجتاحت العالم العربي والإسلامي موجة سخط عارم عكست حجم الإهانة التي أصابت عمق الشعور الديني للمسلمين في جميع بقاع المعمور من خلال الإساءة إلي الرسول الكريم، عبر نشر صحيفة يمينية تلك الصور المشينة السنة الماضية، والتي أعادت بعض الصحف الأوروبية نشرها مؤججة بذلك سورة الغضب التي تعالت أمواجه كأمواج سونامي هائجة، كاسحة، خارقة حدود القارات من شمال آسيا إلي جنوب افريقيا ممتدة إلي بعض دول أمريكا الجنوبية، وهو ما يؤكد تجذر منظومة القيم الأخلاقية والروحية والدينية لدي المسلمين علي اختلاف مذاهبهم بصرف النظر عن فهمهم لها أو تعاملهم معها.لقد ولد هذا الحادث المشؤوم ردود فعل مختلفة ما زالت تتوالد وتتناسل، وتأخذ أبعادا اقتصادية واجتماعية وسياسية متعددة. ومن تابع ما كانت تطالب به تلك السيول البشرية من الجماهير المحتجة والمستنكرة لا يمكنه إلا أن يدرك خطورة الحال في وضع متفجر، وما وقع من حرق وإضرام النار في بعض السفارات لخير دليل علي ذلك علما بأن الجمهرة لا عقل لها كما يؤكد علماء النفس الاجتماعي، فباستطاعة أي محرض أن يندس داخلها ليشعل فتيل الفتنة لأجل تحقيق الغرض الذي يرغب فيه.ومما يجب التأكيد عليه أن هذا الحادث الذي طغي في الأسبوعين الأخيرين علي كل الأحداث، يستوجب الشجب والاستنكار ويستلزم اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة برد الاعتبار لديننا وقيمنا الحضارية والثقافية، سواء علي مستوي هيئات المجتمع أو حكومات الدول العربية والاسلامية وكل وسائل الاحتجاج المشروع والمقبول آخذا بعين الاعتبار أن أي تجاوز في القول أو الفعل قد يحولنا من أصحاب حق إلي معتدين، ويعمل علي تشويه صورتنا ولعل هذا ما يرغب فيه البعض ويهدف إليه.ويمكن القول بهذا الخصوص انه يجب علينا ألا ننساق مع موجة الغضب العارم التي تحجب الرؤية الواضحة البعيدة المدي، وأن نعطي للفكر فسحة تأمل لندرك أبعاد تلك الصور المشينة المشحونة بالإيحاءات المعبرة عن خلفية أصحابها حتي نعاملهم بنقيض أغراضهم ومقاصدهم.ومن المفيد قبل الاطلاع علي بعض المعطيات، التأكيد بداهة أن بني البشر ينتمون لحضارات وثقافات متعددة ومتنوعة ويعتنقون ديانات وعقائد مختلفة، ومن ثم فإنهم يختلفون باختلاف موروثهم الثقافي والحضاري والديني، وعلي الجميع أن يقبل بهذا الاختلاف ويحترمه ويتعامل معه علي هذا الأساس باعتبار أن احترام المعتقد هو جزء مـــــن هوية الانسان وكينونته وكرامته من حيث أنه إنســـــان أولا وقبل كل شيء، وأن التخفــي والتستر والاحتماء وراء الحق في حرية التعبير كحق من حقوق الانسان التي نتشبث بقيمها ونعمل علي نشر ثقافتها لا يمكن أن يتسع مداها لدرجة المس بمعتقد الانسان.وعلاقة بهذا الموضوع لا بـــــد من الإشارة إلي حـــــادث ممـــــاثل وقــــــــع في فرنـــــسا سابقا، حيث تم سحب الاعــــلان الاشهاري لفــــيلم larry flint لاري فلانت، يمثل السيد المسيح في صورة لا يمكن لي وصفها، وأكتفي بالقول انها لاأخلاقية وذلك علي اثر الاحتجاج الذي قام به بعض الرهبان، كما سحب كذلك الاعلان الاشهاري لفيلم ave maria أفي مريا الذي كان يمـــــثل فتاة مكــــــتوفة اليــــــدين بحبل علي شكل صليب ومنع إشهار مستوحي من la c‚ne لاسن أي من العشاء الذي تناوله السيد المسيح قبل صلبه كما يعتقد المسيحيون واعتبرت جريدة الفيغارو الفرنسية في مقال نشر يوم 7 شباط (فبراير) 2006 الذي تضمن البيانات المشار إليها والمعنون (بحسن استعمال حرية التعبير) أن العدالة يجب أن تنصف المسلمين بنفس القوة والحكمة التي تتعامل بها مع الأديان الأخري.وتجدر الإشارة بهذا الخصوص أيضا إلي أن نفس الجريدة التي نشرت الصور المشؤومة المسيئة للرسول الكريم صلي الله عليه وسلم امتنعت عن نشر صورة لا تليق بمنزلة سيدنا عيسي عليه السلام، وهذا يعني أن الجريدة المعنية تكيل بمكيالين وأن تذرعها بالحق في حرية التعبير ما هو إلا ستار تتخفي وراءه لحجب تطرفها اليميني وهو ما يجب الانتباه إليه.وعلاقة بهذا الموضوع من المفيد التذكير بأن وزارة التعليم الدنماركية اتخذت قرارا بتدريس مادة القرآن الكريم في مدارسها خلال المرحلة الثانوية، وذلك ابتداء من الموسم الدراسي لسنة 2005 ـ 2006 أسوة بباقي الدول الاسكندنافية، حيث أن دولة السويد أدخلت في برامجها التعليمية تدريس الاسلام ابتداء من الثانوي من خلال المنهج المعتمد في كتاب الدين لمؤلفه ستين رودي، وبونيلوند وهي بصدد التأسيس لإحداث كلية خاصة بالدراسات الاسلامية، ونفس النهج تسير عليه كل من دولتي فنلندا والنرويج.ومن المفيد في هذا الإطار لفت الانتباه أيضا إلي الحديث الصحافي الذي أدلت به يوم الأحد 19/9/2004 وزيرة التعليم العالي بالدنمارك أولي تورناس بخصوص تدريس الاسلام في المرحلة الثانوية أيضا، واعتبار أن ذلك سيحقق فائدتين، والقول هنا للسيدة الوزيرة ـ أولاهما معرفة الدنماركيين بالاسلام وخصوصا في ظل الإقبال المتزايد علي دراسته، وثانيتهما تعرف الدنماركيين علي ديانة أصدقائهم الذين يعيشون معهم.وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلي أن دولة الدنمارك الصغيرة والمنغلقة، تتواجد بها جالية اسلامية تبلغ مائتي ألف نسمة أغلبهم من الدول العربية والاسلامية والافريقية، وأن مجموع عدد سكان هذه الدولة لا يزيد عن خمسة ملايين ونصف وأن الدين الاسلامي أصبح يحتل المرتبة الثانية بعد المسيحية.وقد خلف قرار تدريس القرآن استحسانا في الأوساط الاسلامية التي اعتبرته خطوة في بناء مجتمع متعدد الثقـــــافات والديانات، ولم يكن موضوع أية معارضـــة من طرف الشعب الدنماركي ولا من الأحزاب المعتدلة في حين أنه ترك استياء كبيرا لدي أحزاب اليمين واليمين المتطرف الذي تنتمي إليه الجريدة الناشرة للصور المشينة.وتؤكد لنا الوقائع المذكورة أن حادث نشر الصور وإعادة نشرها في دول أوربية أخري قد يكون أمرا مقصودا ومبيتا له من القوي المتطرفة أو من يقف وراءها، وهو ما يجب التنبه إليه حتي لا نسقط في مخالب الصراع السياسي لهذه الدول.إن العالم العربي والاسلامي يشكل بؤرة صراع تتجاذبه المصالح ويحكمه منطق القوة المولد للعنف والعنف المضاد المغذي لإرهاب الجماعات والدول، ولقد أدي نشر تلك الصور إلي تفجير وضع يعاني من احتقان كبير في جميع المجالات وهو عالم ليس في حاجة إلي المزيد من التأزم والاحتقان إلا إذا تم ذلك عن قصد بغاية تشويه صورة المسلمين في أعين الغربيين لتبرير ما تشهده منطقة الشرق الأوسط، صغيرا كان أو كبيرا، من تجاوزات وخروقات وعنف أصاب الجميع ولم يبق علي يابس أو أخضر.ولقد بدأت تلوح في الأفق بادرة أمل يجب أن نلتقطها ونغذيها بأن ننضم إلي دعاة السلم والتحاور بين الحضارات والأديان، إذ بالإضافة إلي موقف البابا بروما وإن جاء متأخرا، كان تصريح السيد كوفي عنان وعلت أصوات أخري تطالب باحترام الأديان عن طريق إصدار قانون يحمي الانسان في معتقده كما دعا المجلس الأعلي للديانات الاسلامية بفرنسا إلي عرض الأمر علي أنظار المحاكم لإصدار أحكام تدين ما حصل، كما أن التظاهرة التي نظمت في لندن والتي شارك فيها اليهود والرهبان من الديانة المسيحية كما شارك فيها بوذيون وهندوس وسيخ إلي جانب الجالية الاسلامية شكلت مبادرة رائعة وردا مناسبا علي دعاة العنصرية والتعصب.إن عالما تمزقه الحروب وتهدده المجاعة والأوبئة والأمراض في حاجة ماسة لمثل هذه المبادرات، فليتعبأ دعاة السلام ومناضلو حقوق الانسان أينما وجدوا لإرساء ثقافة الحوار بين الحضارات والأديان ونشر قيم العدل والإنصاف، سعيا لضمان السلم والأمن الدولي المنشود. ہ محامية وبرلمانية من المغرب 8