إنييستا «الخجول» حارب شياطين الفراق و«قاتل» دفاعات الخصوم!

حجم الخط
0

برشلونة ـ «القدس العربي»: بعمر الأربعين، أسدل صانع اللعب «الخجول» أندريس إنييستا الستارة الأسبوع الماضي على مسيرة رائعة، معظمها ضمن التشكيلة التاريخية لفريق برشلونة. وسجل أهم هدف في تاريخ منتخب إسبانيا، ليمنحه لقبه الوحيد في كأس العالم عام 2010، ومع اعتزاله الثلاثاء عن أربعين عاما تُطوى صفحة مجيدة في تاريخ كرة القدم.

يحظى بالإعجاب والتقدير في إسبانيا، حتى من الخصوم اللدودين لبرشلونة، وبالنسبة لكثيرين، يُعد إنييستا أعظم لاعب في تاريخ البلاد. ولعب دورا أساسيا في جيل إسباني أحرز كأس أوروبا مرتين في 2008 و2012 وبينهما كأس العالم الوحيدة في خزانة الدولة الأيبيرية. وتخرّج من أكاديمية «لاماسيا» الشهيرة، بعدما انضم إلى يرشلونة بعمر الثانية عشرة، ثم ترك أسوار بلوغرانا بعدها بـ22 سنة، متألقا لمدة 16 موسما مع الفريق الأول. وكان أحد أضلاع ثلاثي الوسط إلى جانب تشافي وسيرجيو بوسكيتس، وقدّم كرات مقشرة للأسطورة الأرجنتينية ليونيل ميسي، ما سمح لبرشلونة بإحراز دوري أبطال أوروبا أربع مرات، والدوري الإسباني تسع مرات والكأس المحلية ست مرات، من بين 32 لقبا مع الفريق الكتالوني.
وبطبيعة الحال، بسبب تألق ميسي، لم ينل إنييستا أبدا جائزة الكرة الذهبية التي يستحقها بالنظر إلى مسيرته الكروية، وكانت أفضل نتيجة له المركز الثاني عام 2010. ويقول ميسي عنه: «في الملعب أحب أن يكون إلى جانبي، خصوصا عندما تسوء الأمور وتصعب المباراة. أقول له عندها اقترب أكثر». وبعد انهاء مشواره في ملعب «كامب نو» بثنائية الدوري والكأس، انضم إلى فيسيل كوبي الياباني. وأحرز صانع اللعب لقب الدوري الياباني عام 2023، بالإضافة إلى لقبين آخرين، قبل ختام مسيرته مع نادي الإمارات.

أناقة وإبداع

اشتهر بتواضعه وأناقة لعبه، بالإضافة إلى إبداعه و«سحره» على المستطيل الأخضر. كتوم وخجول بطبعه ولم يبحث أبدا عن الأضواء ولفت الانتباه، ويُعد رمزا للرزانة. وصفه زميله السابق في المنتخب الحارس بيبي رينا على سبيل المزاح: «الشخص الذي ليست له علاقة جيدة مع الشمس». ورغم أنه لم يكن هدافا من الطراز النادر، فإن بعض أهدافه كانت بالغة الأهمية، على غرار نهائي المونديال أمام هولندا في الوقت القاتل. وقبل أربع دقائق من الاحتكام إلى ركلات الترجيح في جوهانسبرغ، سيطر على تمريرة سيسك فابريغاس، ثم زرعها في شباك الحارس مارتن ستيكلنبيرغ «ستظل تلك اللحظة ماثلة في التاريخ وأنا أسعد شخص في العالم بعد أن ساهمت في تحقيق هذا الحلم».
ومزّق قميصه احتفالا، كاشفا عن تكريم مكتوب بخط اليد لصديقه الراحل داني خاركي، قائد إسبانيول الذي توفي إثر نوبة قلبية بعمر السادسة والعشرين في آب/أغسطس 2009. الهدف والرسالة المؤثرة التي بعث بها انييستا جعلته يدخل قلوب الشعب الإسباني بأسره، حتى أطلق عليه لقب «دون أندريس». هدف آخر بقي عالقا لسنوات طويلة في أذهان عشاق برشلونة، عندما أطلق تسديدة من خارج المنطقة أطاحت تشلسي الإنكليزي من نصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2009، فيما كانت تشكيلة المدرب بيب غوارديولا في طريقها إلى توديع المسابقة القارية الأولى. أحرز بعدها الكتالوني لقب المسابقة محققا ثلاثية تاريخية… قبل أن تصبح سداسية.

إرث كرة القدم

ساهم هدف اللاعب القصير القامة نسبيا (170 سنتم و65 كلغ) في اعتبار البعض تشكيلة برشلونة آنذاك بين الأفضل في التاريخ. وقال غوارديولا للشاب تشافي عندما شاهد إنييستا وهو بعمر الخامسة عشرة: «أنت ستدفعني إلى الاعتزال، وهو سيدفعنا جميعا للاعتزال». ويضيف مدرب مانشستر سيتي الحالي: «لا أحد يقرأ المباراة في الوقت والمساحة أفضل منه. لكن أكثر من ذلك، لديه القدرة على ضرب توازن الخصم. بمقدوره قتلك في الهجوم، وهو حاضر دوما في المناسبات الكبرى».
وخاض لاعب الوسط نحو 700 مباراة مع برشلونة، وفي فتراته الأخيرة في إسبانيا، حصل على تكريم حتى من جماهير الخصوم. وساهم إنييستا بإحراز برشلونة ثلاثية أخرى، تحت إشراف لويس إنريكي في 2015، عندما شبّهه مدربه بشخصية هاري بوتر الخيالية. وقال مدرب باريس سان جيرمان راهنا: «واحد، إثنان، ثلاثة… ويتخطى اللاعب، كما لو أنه يملك عصا سحرية». يُطلق على انييستا لقب «إل إيلوسيونيستا» (الساحر) أو «سيريبرو» (الدماغ)، ويدين بوجوده في المنتخب إلى مدرب إسبانيا السابق لويس أراغونيس الذي فاجأ الجميع عندما استدعاه إلى مونديال ألمانيا 2006، في مسيرة امتدت 131 مباراة دولية سجل فيها 14 هدفا.

الفراق

لم يكن مشوار إنييستا نحو القمة مفروشا بالورود. تخطى ابن مقاطعة ألباسيتي الفراق عن عائلته بعد انضمامه إلى «لاماسيا» التي تبعد 500 كيلومتر. كان يبكي كل يوم وكتب في كتابه «الفنان» عن شعوره بأنه «متروك». وحارب شياطين الفراق مجددا، بمساعدة معالجين نفسيين، عندما توفي صديقه خاركي وتعرضه لبعض الإصابات، مقرا أنه فقد آنذاك «الرغبة بالحياة». ورغم ذلك، عاد من حافة الهاوية وتابع مشوارا ألهم متابعي الليغا الإسبانية، حتى رحيله إلى مغامرته اليابانية في 2018. وكتب تشافي رسالة مفتوحة إلى صديقه بعد تركه برشلونة «بالنسبة لي أندريس هو اللاعب الأكثر موهبة في تاريخ إسبانيا، لديه قدر هائل من الموهبة». وتابع: «إذا تحدثنا عن الإنسان، لا أعرف من أين أبدأ. هو رائع من كل النواحي، قدوة للآخرين وتجسيد للاعب الذي يقدم كل شيء من أجل الفريق».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية