إزالة المساحيق لكشف التجاعيد

حجم الخط
0

إزالة المساحيق لكشف التجاعيد

د. علي محمد فخروإزالة المساحيق لكشف التجاعيد للفيلسوف الفرنسي ديكارت مقولة بليغة: أُحكم علي الأمور جيداً حتي تتصرف جيداً .. ولكي يحكم الإنسان علي الأمور جيداً يحتاج أن يكون حكيماً، ولايكون حكيماً الا إذا غاص في أعماق الأمور وفي أصول الظواهر والأحداث، وهذا يتطلب العلم والصبر والمجالدة. ولعل أكثر الحقول حاجة لممارسة كل ذلك هو حقل السياسة، خصوصاً بعد أن تشابكت السياسة مع الإعلام غير الصادق والثقافة الرمزية. من هنا أهمية الملاحظات التالية فيما يراه الإنسان ويسمعه في ساحات السياسة العربية والإسلامية. المثال الأول يتمثل في تصريحات الرئيس الإيراني حول الصراع الإسلامي ـ العربي مع الصهيونية. إن الرئيس يتعامل مع أعمق أعماق الموضوع حين يذكٍّر العالم بالظلم الذي ألحقته أوروبا باليهود وبالظلم الذي ألحقه اليهود بشعب فلسطين. إنه لايتيه في تفاصيل السّّطح: فليست القضية، كما يريدها الغرب، هي الجدار أو المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية أو تبدلات الفكر السياسي عند شارون وغيره أو خارطة الطريق أو التبدلات الطفيفة في سياسات واشنطن المتعجرفة. إنها قضية تكوُّن وترسُّخ الوجود الاستيطاني الاستعماري الصهيوني غير الشرعي في فلسطين. أما الساسة العرب الذين لايستطيعون بذل الجهد لرؤية الأعماق فانهم مشغولون بالعنف في غزة وبتصريحات شارون المتلونة وبالطلب من حماس أن تمدًّ فترة المهادنة وأن تكون عاقلة إلخ… وينطبق الأمر علي المعالجة الرسمية العربية لملف بناء القدرات الذرية في إيران. فلا أحد يريد أن يدرك أن القضية الأساسية هي توازن القوي بين الرعب الذري الصهيوني وبين الرٌّدع العربي والإسلامي. وبدلاً من أن يقول العرب للعالم بأننا سنضطر نحن أيضاً في مباشرة بناء قدراتنا العلمية والتكنولوجية الذرية كما تفعل الجارة المسلمة وكردٍّ علي ما تملكه إسرائيل من قدرات تدميرية هائلة فإنهم يكتفون بترديد حلمهم الطوباوي الببغاوي المثير للشفقة بضرورة أن تكون منطقتنا خالية من أسلحة الدمار الشامل متناسين أن الصهيونية قد استمعت لذلك النداء عبر خمسين سنة دون أن تعبئ حتي بالرد عليه.مثال ثان هو مايجري من سجال في الساحة اللبنانية ـ السورية. لقد اختصِر الموضوع في سجل أسود لمخابرات البلدين. لكن أحداً لايريد أن يغوص في الأسس السوسيولوجية ـ السياسية اللبنانية التي ارتكزت منذ الإستقلال علي استعداد بعض القوي السياسية أو المذهبية أو العشائرية اللبنانية للإستزلام للقوي الخارجية العربية والأجنبية والصهيونية. وبالتالي فان وجود هذا الجيش أو ذاك وتمركز هذا النفوذ أو ذاك لايزيد عن أن يكون تبديلا في الديكور لنفس المسرح ولنفس الممثلين. ولن تستطيع أنهر الدموع التي يذرفها الألوف في ساحات مدن لبنان أن تغسل تلك الحقيقة المأساوية السوداء.مثال ثالث هو إطلالة ذلك الوجه القبيح وهو يعلن صحوة الضمير والتوبة بعد أن عاث في الأرض فساداً فساهم في ضياع قمم شامخة من بلاده وأشرف علي ملف العهر السياسي والفساد المالي في لبنان الجريح ونهب خيرات بلاده وبلاد الآخرين. ومرة أخري سينشغل الساسة والإعلاميون العرب بما يقوله ويكتبه ذاك الممثل الجديد دون أن يتذكروا بأن المنطق والغوص في أعماق الظواهر يقضيان بأن من كان قابلاً للإستزلام والنُّزق الداخلي لن يكون بعيداً عن الاستزلام الخارجي المطلوب الآن بقوة في أسواق النخاسة الدولية. وفي العراق، وآه من العراق، ينسي الناس أصل البلاء الحالي المتمثل في الإحتلال الأمريكي ـ الصهيوني ويتسامرون كل يوم حول كل شيء إلاُ ذاك البلاء.كما هو الحال مع وجه العاهرة المتعب الملطُّخ بمكياج كثيف يراد لوجه الحياة السياسية العربية أن يكون. لقد أصبحت مهمة الكشف عن التجاعيد المغطًّاة بالمساحيق في كل وجوه القضايا العربية السياسية المتداولة يومياً أمراً ملحاً وبالغ الأهمية. في كل المنابر الإعلامية والسياسية مطلوب أن تكون المواجهة مع الأصل، مع جذور المشاكل، وليس مع الفروع والتفاصيل. الولايات المتحدة الأمريكية وحملات التضليل الصهيونية والقوي الداخلية الفاسدة تخلط الأوراق حتي نضيع في التفاصيل فنحكم علي الأمور بصورة سيئة ونتصرف بصورة خاطئة وندوس في الوحل.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية