أمرّ وحيدًا ببيتِ الغزال

حجم الخط
0

‘مِن الذاتِ التي لا يُمكن اختراقها إلى اللاذاتِ التي لا يُمكنُ اختراقها أيضا…عبرَ طريق لا يمرُّ بأيّ منهُما’.
يتركني صموئيل بيكيت في حيرةٍ.
خيط من النثر أراني حاجة الأشياء للنقصان.
مَن يَرى لا يُرى ( تلكَ حقيقة).
مَن يُرى لا يَرى (تلك حقيقة أخرى).
تـُرى أيّ الطريق أسلـُك؟ أيّ سُلـّمٍ أرتقيهِ؟ أين الممرُّ؟
أمرًّ وحيدًا ببيتِ الغزال. أدقّ ثلاثا فينفتحُ البابُ.

أدخلُ خلف المضيفِ.

……………………

سأحتاجُ وصفَ المكان.
البيتُ شِبهُ صفصافةٍ. مناخهُ رطبٌ كقبو النبيذِ. هواؤه لازورديّ نقيّ يصيبُ الحقيقة بالانفصام وعدوى الخيال. بيتُ الغزال كبيتي تمامًا: نفسُ النوافذِ، نفسُ الأثاثِ القديمِ، الملابسُ مطويّة في كراتينَ تحت السّرير، اسطوانة الغاز، علبة البُنّ، غلاّية الماءِ، قرصُ الدّواءِ هو نفسُهُ. نفسُ مجموعتي المنتقاةِ من اسطواناتِ فاغنر وأعمال شوبرت.
الرّفوفُ وما تحتويهِ هي نفسُها: كتاباتُ أمبرتو إيكو، رواياتُ رامُون غوميث دي لا سيرنا، دواوينُ لوركا، معاجمُ في أصُول اللغاتِ، وبعضُ التصانيفِ في عِلم الكلام وفلسفةِ الفنّ الحديثِ، رسائلُ الشيخ الرّئيس ابن سينا، شروحُ بن رُشدٍ لفنّ أرسطو، أحاديثُ غيرُ مرويّةٍ في صحيح البُخاري ( غير الصّحيح)، قراطيسُ مفقودةٌ منذ غزو المغول، رقيمٌ بخطّ المسيح بن مريم.
كلّ شيءٍ أليفٌ هنا، كأني أنا ضيفُ نفسي!

…………………….

مساءَ 15 حزيران 1848 سيكون لي بيتٌ في رأسي. بيت به مكتبة واسطوانة غاز.
الأهمّ من كل هذا، سيكون لي اسم ينقشه الرجال الطيبون على أبوابهم. الرجالُ الذين لِفرط ما علِقوا في منامي رتبوا سريري وأوقدوا ناري منتظرين على سلّم البيت أوّل عابر يقرؤون عليه قصائدي ويبسطون بين يديه تمائمي املين أن يسقط مغشيا عليه فينضاف إلى العالقين في رأسي حالمٌ اخرٌ.

( أنا الرجالُ الطيبون. الرجالُ الذين ما عاد لهم طريق يمرّون به أو يمرّ بهم ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية