أفّ مجموعة شعرية لموسي أبو كرش: تقدم الحواس الي ذراها!
نصر جميل شعث أفّ مجموعة شعرية لموسي أبو كرش: تقدم الحواس الي ذراها!الاهتمام الأوّل في مجموعة أُفٍّ للشاعر والصُّحافي موسي أبو كرش – بعد تَعمّدنا، من باب الأهمية أيضاً، إرجاء الاهتمام بعنوان المجموعة- الاهتمام الأول، ينصبّ علي: علاقة الماء بالمرأة، وعلاقة الأخيرين بجملة المعني التي تتمتّع بهاتين النعمتين، فضلاً عن النمو الصوفي علي هاته وتلك. وأما الاهتمام بالعنوان أفٍّ (اسم فعل المضارع، بمعني أتضجّر) فينْصَبُّ علي: تجلّي المفارقة بين أُفِّ التضجّرِ، و أُووف الموّالِ المائيّ الممتِّع الحارّ المتغزّل والمتحرّش بالمرأة لفظاً ووصفاً. لكنْ، يحضرُ الشاعر للقارئ الواسع بـ أفٍّ الوجودية، بوصفها تلفّظاً مشتركاً بين العامي والفصيح، بين الشعبي والنخبوي في آن. من هنا، فزعُ الحواسّ هذا السواد يفزعني يا غزة (ص 55)، إذ في واقعة الإحساسِ هذه تبذل القصائدُ مهارتها في تلفّظِ وكتابة أفٍّ ؛ بوصف الأخيرة واقعة وجودية تتضمن جملةً تصرّح بها قصائد مُعبّرة تتمتع بقدرٍ من عافية الفنّ، يقترب صاحبها حيناً من الكاريكاتورية، وينفعلُ إذ ما يفتعل، بتخيّلِه، صيغةً لجسد المرأة، أو يستعيد ذلك من الذاكرة. وبمقاربة القصائد بحركة الأجساد والألفاظ، نجدها مشاءةً مُهرولةً سيّالةً ولعانةً وأواهةً وأفّافةً من علٍ لِسانيٍّ، لها طعم السرعة، وفيها ملابسات التبدد، وعجز التحقق، وفيها أسئلةٌ حول وقائع الليل: لماذا يهربُ السادةُ من أسِرّة زوجاتهم؟ (ص76)، وفيها فواصل يقع أوّل معانيها في خِلْسةِ الليل :بؤرة للضوءحمّام أشباح مساحة للمضاجعة متخيل للآتي مسرح للجنون! (ص 39)وثاني معانيها في جارةٍ تعبر مخدعها:حين تعبر جارتي مخدعهاتصبح نافذتي مئذنةلقذف اللعناتعلي العالموالملائكةوالناس الطيبين! (ص 40)حيث في الليل مسربٌ خفيّ للرغبات، وأداءٌ إعلامي للسخرية في المساحة، والمتخيل والمسرح؛ بشعريةٍ شبيهةٍ بوخزات صُحفية لـ إست الوطن، إذ تُقامُ العلاقةُ، غيرَ مرّةٍ، بين المكان، الزمن، والمرأة – مؤخرّتها بالأحري؛ فمرّةً يَظهر المكانُ مُوضَّحَاً بالـ إست بوصف الأخيرة مجازاً مرسلاً، يضيء، بالعلاقة الجزئية المتخمة بالتهكم، الموقفَ المتعلّق بجزئية الوطن. في ناحية ماعلي الضفة الأخريفيما تبقي من إست الوطنتطرق عينيك يافطة:للكلاب فقطهذي الطريق! (ص65)ثمة ما يشغلني أيتها السيدةمشيتكِ الإيقاعيةمعارضة ردفيك لمعاهدات السلام.(ص16)ومرّة، تقامُ العلاقةُ بين الأرداف والزمن، بوصف الأردافِ امتلاء للإثارة والإشباع. ومن ناحية مخيّبةٍ بوصف الأردافِ مُؤخرّاتٍ منتجةٍ للأوساخ البشرية، بعد أن كانت في التو قوةً وامتلاء للإشباع ومثيرةً لشبق الحياة. كان من شأن هذا التبدّل، إذن، أن يثير، بدوره، ردّة الفعل إفّ ! وهنا، تتسلّل الإشارة بمكْرٍ يكشف عن فنّ المطابقة الساخرة بين طرفيّ العلاقة: أواخر الزمن، المستريح، بدوره، علي أردافِ النساء الممتلئة التي انقلبت في التو لتصبحَ مُؤخرِّات!تمرّ بي النساءُحبقُ الرحيل في عيونهنّوعلي أردافهنّاستراحَ الزمن (ص 34)كذلك، فإنّ من ردّات الفعل المَنْوِي لفظها أو قذفها، بعد أن تَطْرق عينيكَ يافطةُ: للكلاب فقط هذي الطريق! ، قذفَ ماء النقمة(البصاق) علي حياة كثيرة تعزّز الفواصل بين الرغبة والنوال(بالإشارة إلي شاهد الجارة السابق (من يعيد للحكاية بدايتها؟ في عينيها نبض قلب/وعلي أطرافها يسيل حزني/ كنبع ماء/ ملعونة تلك المسافة/ بين العشب وأول سنبلة/ تمسدها يداي/ من الوريد إلي الوريد/ تقشّرها/يصحو الزغب النائم/ في اللوحة/ يفتح أفواهه / منتظراً قطرات الماء/ أصحو من حلمي/ لا مزنة في الجو العاصف/لا ديمة بددها الريح (ص7). إنّ من رغبات الأفعال الهامّة لمدْحِ الحياة قذف ماء النعمة في اللوحة المعشوشبة، المرأة التي يرسمها بفنّ يفي، علي نحو فضّاحٍ، بدلالة العطش، لا علي اليافطة. ذلك أنّ اللوحة(الفنّ) فيها امتداح للحياة، وأما اليافطة (الإعلام) فمَثار امتعاضٍ وتأففٍ وطفش! ومن هنا تَوَزّعُ الشاعرِ بين الفنّ والمهنة. كذلك، كثرة الماء في القصائدِ تأتي في مصلحة كشف الرغبة في التعري والتطهر من قيظ منتصف الليل: من أين يأتي الكرز لقبلات منتصف الليل في زمنالأباتشي والتوماهوك؟ …………………للقيظ طقوس أخري في هذا الليل وأنا أخلع عني إهابي أتعري. (ص 76، 77)ومن هنا، صوفية الماء، حيث الامتزاج درجة في طريق تحقيق الاندماج بغايته المعنوية؛ صورة الأنثي: الجسد الحياة الكاملة، في صورة الوطن: الجسد الفتيّ العفيّ الكامل، وهو المماثل لتمنّي الشاعر الصورة ذاتها. المرأة، التي استراحت في عينيهكزنبقة تائهةكانت مثله تماماًتبحث عن وطن. (ص38)ومن هنا، أيضاً، الاهتمام بالصُّورِ المتداخلة المرسومة بلغةٍ مكشوفةٍ حادّةٍ ولاذعة، وبلغةٍ شبقة، كما تقدّمَ كشفه. لنقف لاحقاً علي عمل الإشارة بنحو انعكاسي يبدّل المرأة في وقتها المتأخّر، بالآخر، وهو يقفُ ويمرّ، في القِدَم، علي عتبة نصف قرن (ص22) فبين قوسين هو ذا يَحرسُ عبارة (ثمة ما يستحق الحياة علي عتبة الخمسين! رغم اغتراب المكان)المرأة التي تمرّ في العاشرةقطارٌ قديميجرّ خلفهعجيزةً من عجوة البلحدون موادّ حافظة! (ص 37)في خلال ذلك كلّه، تبلغ، وعلي الدوام، ثورة الماء، بظهوراته المتنوعة، وانفضاح الحواسّ ذراها، مشتبكةً، ومتّقدة بالأنثي، والجدل الأرضي؛ حيث التهكّم وعملُ العلاقات الساخرة وافتضاح الرغبة وخلطها بامتعاضاتٍ وتأففاتٍ ساخنة: أُفٍّ لي أفٍّ لك أفّ مني أفّ منك، من هذا العالم، من تاء التأنيث المفتوحة صحنا للريح، أفٍّ من صحوي، من نومي، من موتي، من بعثي، أفٍّ من أفّي، أفٍّ أفٍّ أفّ! (ص60) صدرت عن: منشورات مركز أوغاريت الثقافي، رام الله ـ فلسطين، أيار (مايو) 005. لوحة الغلاف للفنان التشكيلي الفلسطيني: إبراهيم المزيّن.ناقد من فلسطين0