أعياد حزينة
رشاد أبوشاورأعياد حزينةفي بلاد العرب اعياد، إسلاميّة ومسيحيّة، وفي أنحاء مختلفة من العالم أعياد تقليديّة طقوسيّة مختلفة عن أعيادنا، أعياد في الفلبين وتايلاند، وأماكن لاتخطر علي البال، تخّص متدينين يؤمنون بآلهة توارثوا عبادتها عن أسلافهم، وبمناسباتها يتزينون، ويبتهجون، ويخرجون إلي الشوارع، والغابات، ورؤوس الجبال. لكّل صاحب دين أعياده، ولكّل أعياد طقوسها، وكّل من له دين حر في التعبير عن الفرح في أعياده، وللجميع نتمنّي الخير ما داموا يحبّون الخير لغيرهم، لا يعتدون، ولا يحتّلون بلاد الآخرين.أنا في هذا العيد حزين جداً، والسبب ما يحدث في العراق، مع إنني أتباهي بأفعال المقاومة، وآخر وقائعها إسقاط طائرة (بلاك هوك) بدزينة مارينز، غير الذين حصدتهم المقاومة في يومين فقط.سبب حزني وألمي ما شاهدته في (كربلاء)، فليس هذا من صنع المقاومة، لأن المقاومة وجدت لتحرّر وتغيّر لا لتقتل الناس البسطاء، وتعاقبهم علي أسلوب تديّنهم. الموت الذي أزهق أرواح العشرات لا يمكن المرور عليه دون رفع الصوت.مقاومة الاحتلال عمل مشروع، مقدّس، مبرر بكّل المقاييس، ولكن قتل الأبرياء في مواقع العبادة، هو تفجير للمجتمع، جّر لأهل العراق للفتنة الطائفيّة، مروق وخروج علي أهداف وقيم المقاومة، يصّب في خدمة الاحتلال…المقاومة وجدت لطرد الاحتلال لا لتصفية خلافات طائفيّة أعاد الاحتلال الأمريكي إنتاجها، ويحرص التابعون له علي تكريسها ليضللوا بها عّامة الناس، لتكون مبرر تسيّدهم، وتحبيذهم للاحتلال.في العراق نسمع أعجب خطاب سياسي، فهناك من يطالب ببقاء الاحتلال، وفي نفس الوقت ينمّي الخطاب الطائفي.وفي العراق ثمّة من يعمل علي شّق المجتمع، ويروّج لخطاب تقسيمي، يحيل أبناء الوطن إلي مخلوقات تتقاتل غريزيّاً، متناسية أن الوطن محتّل، وأنها تنتحر وتنحره!أشجب، واستنكر، وأدين، قتل المدنيين في العراق، وأحمّل الاحتلال أولاً وقبل أي طرف مسؤولية هدم دولة كانت تحول دون هذا الفلتان الغريزي الجاهلي، وهذا لا يقلل من إدانتي لمن ينحرفون بخطاب مقاومة الاحتلال الأمريكي إلي الصراع السنّي الشيعي، فأصحاب هذا الخطاب علي اختلافهم ينحرون الأمة، اقصد الأمّة العربيّة التي لا يؤمنون بها!نوبة رجوع:السماء صافية، زرقاء، مرقّشة بغيوم رشيقة بيضاء ثلجية اللون والنصاعة…نسمات رقيقة، منعشة…صمت تام، ينبئ بأمر ما نجهله.نوقف السيّارة، وندخل مبني حدود (جابر) الأردني. الموظفون يعملون بصمت، لا يحكون مع المسافرين كالعادة ليقطعوا الوقت بالاستفسارات، أو تبادل التحايا.نخرج بجوازات سفرنا، فيلفت انتباهنا طابور من رجال الأمن الأردنيين، بملابسهم الزرقاء، وهم يصطّفون متهيئين.رتل من السيارات المتلاحقة كأنما في مشهد من فيلم صامت.إنه موكب (الشهيد ) ـ أليس شهيداً ؟ ألم يسقط وهو يبّشر بعودة صلاح الدين، وعظمة العرب في الأندلس، وكبرياء جمال عبد الناصر ؟ ـ الكبير، المخرج العالمي السوري الحلبي، ليرحم الله سليمان الحلبي، مصطفي العقّاد.الحدود مفتوحة، كل السيارات المسافرة تقف علي جانبي الطريق، والناس يقفون بخشوع، بحزن ثقيل، وأنا ارتعش في هذا الصباح حزناً، وخجلاً _ أنا خجل منك يا مصطفي العقّاد ـ وغضباً.الرتل الصامت ينساب انسياباً علي الإسفلت الممتد بين الحدود الأردنيّة السوريّة.اقترب منّي صديقاي وعانقاني، وربتا علي كتفي، وسمعت صوتيهما المبللين بالدموع :ـ البركة فيكم! من الذين البركة فيهم ؟ بالتأكيد هما يقصدان المثقفين، والمبدعين العرب.نعم، نحن في بلاد العرب، بلادنا، تفتح لمبدعينا الكبار الحدود عندما نموت، بعد أن نموت حزناً في المنافي، أو صدفةً برصاص طائش، لا يعتذر من يغرّبوننا، ويقتلوننا، عن جريمتهم! رصاص في صدور المصريين!قبل أسابيع، في هذا الموقع، كتبت عن الرصاص (المصري) الرسمي الذي وجّه إلي صدور الفلسطينيين، من بنادق حرس الحدود المصريين!بعض الفلسطينيين الطائشين سدّدوا بنادقهم إلي صدور أخوتنا الجنود المصريين.اقل ما أقوله في هذه الجريمة: هذا كفر.من يقفون وراء الفلتان الأمني، والفوضي، معروفون تماماً، وهم سبب هذا المشهد المخزي في (غزة)، ففي الفوضي يعيشون، وبالفوضي تكبر أدوارهم و(أرصدتهم)!.لا، ليس هذا هو شعبنا، بل هذه هي البثور في وجه شعبنا الجميل، العربي، الفدائي، شعبنا الذي يميّز بين العدو والصديق، بين الأخ والمحتّل.دائماً شعرنا بالخجل نيابة عمّن لا يخجلون، عن نفاق المنافقين، عن سرقات السارقين، والآن ونحن نحتفل بيوم عيد الفداء (الأضحي)، نقول: خجلنا شديد من كّل هذا الذي يقترف عمداً في قطاع غزّة!صلاة من أجل قاتل من وزن ثقيل!وأنا أسمع تصريحات بوش وجوقته عن صلاتهم من أجل رجل السلام (شارون) لا أستغرب، فالقتلة يتعاطفون مع بعضهم، ولهم صلوات، وهم يعبدون ربّاً يخّصهم وحدهم، ربّاً يحّض علي البطش بالأعداء، أي بكّل من يخالفهم ، ولا يخضع لرغباتهم، من يعصي أوامرهم، من يخرج شاهراً سيفه حبّاً بالحريّة.لكنني أستغرب صلوات (قريع) وبعض السلطويين، لا لعواطفهم، وقلقهم علي زميلهم الرافض حتّي لسلام (أوسلو) ولخارطة الطريق، ولكن لأنني أتساءل عن نوع الصلوات التي يصلّونها.أيصلون في قلوبهم، دون وضوء، دون ركعات؟بأية لغة يصّلون؟!يبدو أن هناك صلاة خّاصة بالنفاق، وهي الصلاة السائدة هذه الأيّام في بلاد العرب والمسلمين، وهي غير الصلاة علي (عرفات)!قال رسول الله (ص) : آيات المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإن وعد أخلف. صلاة شعبنا تقام في المساجد، والكنائس، وتحت أشجار الزيتون، وعلي الطرقات تحت فوهات المدافع، ورشاشات جنود الاحتلال. صلوات لله العلي القدير الذي لن يرحم شارون القاتل من الوزن الثقيل، بكّل أوزاره!كاديما و..عليهم!من قاتلوا عصابات الصهاينة عام 48 عرفوا بالخبرة الميدانيّة أن (كاديما) كانت صيحة الهجوم علي القري، والمدن، وكان المستبسلون الفلسطينيّون يردّون بصيحة : عليهم يا رجال…حتي يومنا هذا ما زال القتلة يصيحون (كاديما) ناشرين الموت والدمار. (كاديما) لا تعني (إلي الأمام) اللينينيّة، بل تعني : اقتلوا الفلسطينيين وشرّدوهم!0