أطوار بهجت تعتني بأطفال هذا العالم المُهذّب

حجم الخط
0

أطوار بهجت تعتني بأطفال هذا العالم المُهذّب

عناية جابرأطوار بهجت تعتني بأطفال هذا العالم المُهذّبكنت واثقة كل الثقة من ان انتفاخ وجهي، ما حول عينيّ تحديداً، نوعم من الحساسية يعاودني، سيما وان ضبابا خانقا لف بيروت في اليومين الماضيين. ممزقة العينين الآن، وتلوح خيوط بيضاء تطرز جروحها.الدكتور الذي قصدته، لأجل قطرة تجلي تضبب عيني، نصح بعملية سريعة: نص ساعة وبتكوني بالبيت . شو السيرة دكتور؟ ـ سألته ـ مجري الدمع سكّر فجأة بعيونك. هيدا فيروس، أو شي إلو علاقة بالطقس .هذا امر سهل الحدوث في جسدي المتأثر بسرعة بالتغيرات المناخية، الهواء الساخن اقسي عقاب لي. ثم انه لن يفيد أخدي احتياطات مسبقة، فعملت العملية كأفضل ما يمكنني للالتفاف علي النتائج. لا معني ان اسأل الطبيب في انسداد مجري الدمع، ما دام قد اوصي جازما، بعملية زغيرة واجدني الان ممنوعة من البكاء، وأشك اصلا ان كان ما زال في جعبتي دموع. احرصي علي الا تكون غرفتك شديدة الاضاءة، ولا تنزعي النظارة السوداء الا حين النوم، وخصوصا لا تبكي، هاليومين بس ، قال لي. اجبار عيني علي عدم التدميع في وقت احتاج الي مزيد منه، امر غير انساني بالمرة، ويفشل معي. ان اهدم نمطي القديم بالاشياء، علاقتي الساخنة بها، واقيم استقطابات جديدة لفرح مفترض، اخلق توترات، وشفاءات للكون، لهو امر لا اقدر عليه.انسد مجري الدمع في عيني المدرارتين واطوار بهجت تلحّ علي قلبي، ماذا افعل؟ موتها مسمار صدئ في عينيي وين بدي هج كل مقدسات العالم لا تعادل نظرة من عيني اطوار شوبعمل ؟ مجري الدمع مسكّر فكيف ادبر حزنا لائقا؟ زياد كتب لي حادسا بحزني علي اطوار. مسكّر مجري الدمع يا زياد فلا فائدة من تجسسك علي توتري وجمالي. ثم هــــنالك موت اطوار، المسمار الاستثنائي في محمل خساراتي، وهو مغـــروز جيدا، مترع بالوخز.احدهم دق ذلك المسمار في عينيي تحديدا. ثمة سبب لفعلته هذه. كان يصنع موتا سريعا لا شبيه له.صنع الموت كان عمل حياته. كل شيء في العراق جنون وعبث. سلالة جديدة من الناس تعيث موتا في الارض (علي ارضنا نفسها) لا تحمل معها الماضي ولا تفهمه. أين انت الان اطوار. تريدين ان تفتحي عينيك، أليس كذلك؟ عيناك اللتان هما قبب خضراء وزرقاء وذهبية.معاقبة بألا ابكي لا يتراءي لي، وانا مترعة بطاقة دموع هائلة، غير عينيها تلتهبان مثل فحم حجري، تتوهجان كجمرتين، ثم ترقان كزهرتين. ثقيلة كالقمر، هوت، ماذا املك حيال مجريي دمع اقفلا الان للتو.هاي اطوار. ثلاثة ملايين بني آدم كيني يهددهم الموت جوعا. صوماليون لا ادري عددهم. افارقة، اجساد هشة في نوم طويل الامد. ارواح بطولية، العالم ينكمش اطوار، والانسانية تتهاوي كالجدران العتيقة. يتمددون من دون حراك، عيون جاهظة وبطون منتفخة وينتظرون الله ليظهر لهم. عراة ومن دون احلام. اطوار بهجت احب ان اعتقد بأنك مت مسمومة، وترعين الآن بؤس حياتنا ونقائصها. أسلوبك الطيع، واستجابتك الي اشارة غامضة من افريقيا التي تتضور، تموت.يمكن لك اطوار، ان تزدهري مع الاطفال السود، ان تستحوذك مداعبة جلودهم المنتفخة، وبلمسة من يدك تعـــــيدينهم من الاعماق المظلمة، كان هناك اللمس اطوار، وكان اللمس هو الرحمة كلها.لن انجح في البكاء. ارتعش واضرب رأسي بالجدار. رأسي الذي يعرف الاخطاء كلها. انها حالتي العظيمة مع ذلك.اعني الحياة من دون دموع. من يريد ان يغير العالم؟ يكفيني ان ادمر هذه اللغة، انسف انسجام الحروف، لكي اثأر لأطوار. هل انت هنا يا صديقتي الصغيرة؟ هل يناسبك ان تفرشي مساكب زهر لاولئك السود المحتضرين؟ ان تعتني بأطفال هذا العالم المهذب. اطوار ماتت، ومجاري الدمع عندي مسكّرة، ولم يعد الانسان هو مركز الحياة، لم يعد زهرة العالم التي تشكله وتنضجه. هل هو خطأي اني ابقي خارج الدائرة.مبتورة هكذا. معاقبة بهذا النوع من الكتابة الاغريقية المولودة من عيوني نفسها. لا شيء يستحق الانحناء له. لا شيء يستحق التبجيل، لعلكِ انتحرت، ايها الضوء الطيب، ايتها الدموع، بوسعك ان تنتظري.0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية