أسئلة شائكة في ملف الأزمة السورية اللبنانية

حجم الخط
0

أسئلة شائكة في ملف الأزمة السورية اللبنانية

د. عبد الله الأشعلأسئلة شائكة في ملف الأزمة السورية اللبنانيةرغم شيوع اصطلاح الأزمة السورية اللبنانية في الدبلوماسية والاعلام العربي والدولي، الا أن هذا المصطلح يختلف اختلافاً بيناً في الاستخدامات المختلفة، ذلك أن مضمون الأزمة السورية اللبنانية هو ما يعانيه لبنان من انقسام، وما تعانيه سورية من محاصرة دبلوماسية وضغوط دولية. ولذلك يجب أن نحدد الطبيعة السياسية والقانونية للأزمة في سورية ولبنان وحولهما. النظرية الأولي، تذهب الي أن الجذر الحقيقي للأزمة والموجة العاتية التي تجتاح المنطقة هو ما تعانيه المنطقة العربية من اضطراب وبلبلة بعد غزو العراق، والأزمة الطاحنة التي أصابت النظام الاقليمي العربي، فترك ذلك فراغاً سياسياً مخيفاً تتقدم اليه الدول الأجنبية في اطار مشروعها في المنطقة العربية، وهو مشروع تقوده الولايات المتحدة، ويعمل لصالح اسرائيل، كما التحقت به فرنسا كل لأغراض مختلفة. وفقا لهذه النظرية ما يحدث في سورية ولبنان وحولهما هي مؤامرة تستهدف حزب الله والمقاومة الفلسطينية، كما تستهدف سورية وتحالفها مع ايران ومع حزب الله. ومعني ذلك أن المنطقة العربية مطالبة بمواجهة هذه المؤامرة وهذه الهجمة التي تسبب فيها ضعف النظام الاقليمي العربي. ويذكر في هذا الصدد أن الوجود العسكري السوري في لبنان قد بدأ خلال الحرب الأهلية، وفي فترة كان النظام العربي لايزال متماسكاً نسبياً، وان كان الاختراق الأمريكي الاسرائيلي قد بدأ ينهش قوائمه بعد اتفاقيات فك الاشتباك بين اسرائيل من ناحية، وبين كل من مصر وسورية من ناحية أخري. أما النظرية الثانية، فتري أن الصراع والتكالب علي لبنان هو جوهر الأزمة السورية اللبنانية ، وقد بدأ هذا التكالب منذ مدة طويلة، ولكن تضامنت القوي المشتركة في التكالب لاخراج سورية أولاً، ولتهيئة الساحة اللبنانية ثانياً، وقد نجحت في ذلك نجاحاً باهراً. ذلك أن الانسحاب السوري من لبنان لم يكن مجرد انسحاب عسكري أو سياسي أو أمني، وانما كان الانسحاب في الواقع جزءاً من مؤامرة أوسع تستهدف سورية حتي تنشغل عن لبنان. ولذلك كانت اسرائيل هي أول المستفيدين بعد أن تمكنت من الفصل بين سورية ولبنان، وأثارت العداء بينهما، واشعلت الساحة اللبنانية، بما يؤدي الي التفاعل السلبي بين عناصر الساحة اللبنانية، وبين العلاقات اللبنانية السورية. أما النظرية الثالثة، فتري أن القضية ببساطة هي ان اغتيال الحريري، وتوجيه الاتهام الي سورية ربط عناصر الوضع اللبناني الداخلي ربطاً مباشراً بكل تطورات التحقيق في هذه القضية، ولذلك فان جوهر الأزمة وفقاً لهذه النظرية هي اغتيال الحريري، وأن الأزمة في العلاقات بين البلدين وفي داخل لبنان لن تحل الا بانتهاء اعمال التحقيق. أما النظرية الرابعة، فتري أن سلبيات الوجود العسكري السوري في لبنان، بالاضافة الي تمديد ولاية الرئيس ايميل لحود وتعديل الدستور، وعدم تنفيذ أحكام اتفاقية الطائف، وتصدي حزب الله بشكل مستمر لاسرائيل، فضلاً عن مساندة الحزب وسورية للمقاومة الفلسطينية قد وفرت ظروفاً موضوعية انتهزتها اسرائيل والولايات المتحدة لخلق هذه الأزمة، التي يري البعض كما رأينا فيها آراء متباينة.ولستُ ممن يرون أن هناك صراعاً علي لبنان، سواء كان الصراع بين طوائف لبنانية أو كان بين هذه الطوائف وحلفائهم في الخارج. ولكنني أري أنه اذا كان لابد من التسليم أو القبول بجزء من نظرية الصراع علي لبنان، فانني اعتقد أن هذا الصراع هو في الواقع محاولة من جانب بعض الدول العربية علي استحياء لانقاذ سورية ولبنان من هجمة دولية تكالب فيها المهاجمون، كما يتكالب الأكلة علي قصعتها. فقد رأينا كيف أن محاولة مصر والسعودية والمقترحات السعودية لمواجهة هذه الأزمة قد ووجهت بهجوم أمريكي كاسح توجه مباشرة الي الساحة اللبنانية، كما توجه الي الضغط علي سورية وتحذيرها من عدم التعاون المطلق مع لجنة التحقيق الدولية. وقد اهتم نائب الرئيس الأمريكي تشيني خلال جولته في المنطقة بهذه المسألة، وهو يعلم أن الحريري وقضيته ولجنة التحقيق ليست سوي أدوات في المخطط الأمريكي، الذي أصبح يتجاوز الضغط علي سورية، وهذا هو ما دفع مصر والسعودية الي التحرك استشعاراً للخطر.فاذا اتفقنا علي تحديد الطبيعة القانونية والسياسية ومضمون الأزمة السورية اللبنانية، وأن الأزمة ليست بين سورية ولبنان فقط، وانما هي في سورية ولبنان، وبين سورية ولبنان، وحول سورية ولبنان، فهي أزمة متعددة الأبعاد. ولذلك فان هذه المقدمة ضرورية في طرح الأسئلة الشائكة التي تلقي اجاباتها الضوء علي تحديد طبيعة هذه الأزمة. السؤال الأول، لماذا صدر قرار مجلس الأمن رقم 1559 دون أن يطلبه لبنان؟ ولماذا افترض أن الوجود السوري في لبنان، وكذلك وجود حزب الله فيه يعتبر تهديداً للسلم والأمــــن الدوليين، بينما تجاهل الاحتلال الاسرائيلي، كما وجد لنفسه مبرراً للاعتــــقاد بأن الوصاية الدولية علي لبنان هي ثمن تفريط لبنان في استقلاله، وأنه اذا كانت الوصاية لسورية، فالأفضل والأولي أن تكون الوصاية للولايات المتحدة مــن خلال مجلس الأمن؟السؤال الثاني، من قتل الحريري؟ وما مستقبل التحقيق والبحث في هذا الاتجاه، ولماذا حظي الحريري بالذات بهذا الاهتمام الدولي الهائل دون غيره؟السؤال الثالث، لماذا لم يتطرق التحقيق الي اسرائيل والولايات المتحدة أو فرنسا باعتبارها الأطراف المستفيدة من هذا الاغتيال، ولماذا ركز التحقيق منذ اللحظة الأولي، بل ومنذ انعقاد مجلس الأمن يوم اغتيال الحريري علي سورية؟ لعل الاجابة علي هذا السؤال تتضح في المستقبل ومع تطور الأحداث، ولكن تجب الاشارة الي أنه اذا كان اتهام سورية قائماً علي افتراض سيطرتها الأمنية والسياسية، فان هذا الافتراض اذا طبق مع اسرائيل والولايات المتحدة تكون اسرائيل مسؤولة عن اغتيال بشير الجميل الرئيس المنتخب للبنان خلال احتلال اسرائيل لبيروت عام 1982، وتكون الولايات المتحدة مسؤولة عن كل الاغتيالات التي تمت في العراق خلال الاحــــتلال الأمريــكي للعراق.السؤال الرابع، ما هو سر الالتباس في الأزمة السورية اللبنانية؟ وهل يمكن فصل الملفات الثلاثة عن بعضها، بحيث ينتهي هذا الالتباس؟ الواقع أن الملفات الثلاثة المتداخلة هي العلاقات السورية اللبنانية، والوضع اللبناني الداخلي، والعلاقات السورية الأمريكية. ومن المهم أن يتم الفصل بين هذه الملفات، وأن يدخل التحقيق الدولي تحت ملف رابع لا علاقة له بالملفات الأخري، أما أن يحشر هذا الملف في الملفات الثلاثة، فانه يؤدي الي تعقيد هذه الملفات جميعاً، بحيث أصبح ينظر الي تمسك سورية بسيادتها في مسألة التحقيق علي أنه استفزاز لبعض العناصر في لبنان، وللولايات المتحدة، ومن ورائها المجتمع الدولي ، كما أن الموقف السوري يفسر في لبنان عند هذه العناصر علي أنه تلكؤ ومماطلة في البحث عن الحقيقة، وهو ما يستفز سورية من جانب آخر.ومن المهم أن يقع التدخل العربي الحازم لفصل هذه الملفات الأربعة، وحتي يمكن انقاذ العلاقات السورية اللبنانية من ناحية، وانقاذ لبنان من ناحية أخري.ہ دبلوماسي وكاتب من مصر8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية