أزهار الربيع العربي تتفتح في حدائق امريكا واسرائيل

حجم الخط
1

صدق الكابتن المصري المعروف بالتعليق ورصد مباريات كرة القدم محمد لطيف عندما قال (الكورة جوال)، في رأيي أنه بالإمكان اسقاط هذا القول أيضاً على عالم السياسة او جوانب كثيرة منها، باعتبار أن الوطنية الصادقة والعروبة النقية لم تكونا في يوم من الايام زياً فلكورياً وذقونا وعباءات يرتديها راقصو وراقصات فرق الفنون السياسية في أكثر من عاصمة عربية واحدة.
منذ ميلاد القوى والحركات الوطنية، ومنذ ان عرف المد القومي التقدمي طريقه أصبح للكفاح والنضال أحكام ومبادئ وثوابت لا يمكن المساومة عليها أو تجاوزها، الحد الأدنى لهذه المبادئ والثوابت هو الايمان. أن غاية الديمقراطية رد الاوطان الى شعوبها، ولا يمكن الوصول الى هذه الغاية قبل اختفاء سلالات الرجعية العربية من الحياة السياسية، الى جانب نبذ السلفية والوهابية، والأخذ بناصية الاجماع والتحرر القومي ومحاربة الطائفية والاقليمية والقبلية، واعتبار الليبرالية وتحرير المرأة قبلة سياسية واجتماعية لا يمكن التفريط فيها.
هذه خطوط فاصلة لا يمكن للشعوب العربية اللحاق بركب الحضارة بدون التمسك بها. اذا قرأنا اليوم خارطة الوطن العربي نجد أنه لم يبق مرابط بمحاذاة هذا الخط النضالي سوى سورية والمقاومة اللبنانية، والى جانبها الحركات والاحزاب الناصرية والشيوعية في كل من مصر ولبنان والاردن واليمن وبعض الاقطار العربية الاخرى، أما المقاومة الفلسطينية خاصة قيادة حركة حماس فاننا نقول بكل أسف، انها خانت الأيادي التي دعمتها، كما أنها فرطت بالكثير من ثوابت ومساحة استقلالية قراراتها، خاصة بعد صعود هذه القيادة في نفس قطار مرسي واردوغان وحكام الخليج، الذي تقوده امريكا وحلفاؤها. أما بقية الاقطار العربية خاصة تلك التي شملها ما سمي بالربيع العربي، فان هذا الربيع لم يضعها في محاذاة الخط النضالي المذكور، لأن المقاييس الوطنية الاساسية التي يحلم بها كل مواطن عربي بقيت خارج نهج أنظمة الحكم الجديدة في الاقطار التي شملها هذا الربيع، في مقدمة هذه المقاييس التحرر من التبعية لامريكا ومجموعة الدول الاوروبية واسرائيل، فبدلاً من قيام هذه الثورات بالتصدي للنفوذ الامريكي الصهيوني تحول قادتها الذين وصلوا الى السلطة الى جسور لتوطيد العلاقات مع امريكا وحلفائها، لم يكن لهذه الثورات أية أبعاد قومية قادرة على التخلص من هذه التبعية ومن الاحتراب الطائفي، هذا بدوره جعلها حليفاً استراتيجياً لهذه الأنظمة وللقوى العالمية الداعمة لها، كل يوم يمضي يزداد هذا التحالف قوة لأن امريكا تقوم بتحريكه ودعمه بأموال العرب أنفسهم، قامت بذلك عن طريق اعلامها ومخابراتها ونجحت في تفكيك العقل العربي الفردي والجماعي، ممثلاً بمؤتمرات القمة العربية وجامعة الدول العربية، كما نجحت بخلق تبعية كاملة للعقل الامريكي، لقد أدركت أن قادة هذه الانظمة يريدون اسلاماً سياسياً امريكياً خاصاً بهم، كي يجتمعوا حوله ويخدعوا المواطنين بواسطته، فقدمت لهم هذا الاسلام وحولته ملعباً للقاءاتهم.
لا يمر شهر بدون قيام شخصية امريكية مهمة أو أكثر بزيارة منطقة الشرق الاوسط، للاطمئنان على مصالح اسرائيل ومراقبة الدسائس ضد كل من يحاولون التصدي للمشاريع الامريكية والغربية في هذه المنطقة. تؤكد هذه الزيارات المتلاحقة وما ينتج عنها أن علاقات واشنطن مع غالبية القادة والزعماء العرب هي في مستوى التحالف الاستراتيجي، وقد أكد ذلك وزير الدفاع في حكومة محمد مرسي في مصر أثناء استقباله وزير الدفاع الامريكي في القاهرة في بداية الاسبوع الماضي، قال الفيلد مارشال السيسي وهو يصافح وزير الدفاع الامريكي، ان العلاقات المصرية الامريكية تمر بما سماه ‘شهر العسل السياسي والتعاون الامني’، واعترف وزير الدفاع الامريكي في هذا اللقاء بأن مصر حليف لواشنطن في المنطقة. هل قامت ثورة 25 يناير في مصر من أجل تقوية العلاقة مع واشنطن التي تدعم اسرائيل والتي قامت بتدمير العراق واليوم تحاول تدمير آخر قلاع الصمود العربي سورية، لقد صدق من قال بأن أزهار ما سمي بالربيع العربي قد تفتحت في كل من واشنطن وتل أبيب ولندن وباريس، أما في الأقطار العربية التي شهدت هذه الثورات فقد استمر بها القحط والجفاف الفكري واستيقظ بدلاً منه الاقتتال والاحتراب الاجتماعي والطائفي والقبلي، كما هو الأمر في مصر وليبيا وتونس واليمن. لم تملأ هذه الثورات الفراغ السياسي الذي كان قائماً قبل حدوثها، ولم تتمكن من تفريغ الاحتقان الطائفي الذي كان قائماً على الصعيد الديني والتقسيم العشائري والطبقي، ان غياب ثوابت وأبعاد فكرية وطنية وغياب النهج الثوري أسهم في حدوث اسقاطات جوهرية ومركزية لهذه الثورات في مقدمتها تعميق جراح تقسيم المقسم وتفكيك القطاعات والأطر التي كانت متماسكة. في مصر مثلاً لم تعمل الثورة على تلاحم الشعب المصري ضد الانتهازية وضد الفساد، الذي كان قائماً، ما حدث هو العكس فقد حدثت انقسامات داخل فئات الشعب المصري شملت ايضاً مناطق جغرافية، مثل منطقة بورسعيد ومنطقة السويس الموجودتين في حالة عصيان على الدولة، وقد رفع المواطنون فيها اعلاماً خاصة بهم نكاية بالإسلام الامريكي الذي يحكم مصر حالياً، كذلك الأمر في ما يخص الدولة التي فقدت هيبتها بسبب حالات الانفلات التي أصبحت مزمنة في غالبية المحافظات المصرية، يحدث كل هذا في ظل حكم طائفي لا يرى قادته سوى انفسهم ولا ينظرون أبعد من شهواتهم للمناصب وأطراف عمائمهم، همهم الوحيد اليوم تثبيت قواعد حكمهم بطرق غير شرعية واغراق مصر بالديون الاجنبية، كما فعل الخديوي اسماعيل الذي حكم مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
لقد اعترفت وسائل الاعلام المصرية بأن أصحاب رؤوس الاموال من الاخوان المسلمين يسابقون الزمن لاستثمار ما كسبوه من أموال الثورة وما حصلوا عليه من السعودية وقطر لإقامة مشاريع عمرانية عشوائية بدون تخطيط، بهدف تحطيم الشركات المصرية الأخرى. أما في ليبيا فان الحكومة الحالية التي صنعها حلف النيتو والخليج فانها لا تسيطر الا على مناطق محدودة في الدولة فقد انشقت العشائر الموجودة في غرب البلاد وجنوبها وشرقها عن الحكومة المركزية، حتى أن العاصمة طرابلس غير آمنة ومستقرة، تعد اليوم ليبيا من أكثر البلدان التي تمارس داخلها تجارة المخدرات وتهريب السلاح الى عصابات المافيا في العالم. كما يتم تهريب هذا السلاح الى عصابات الارهابيين من القاعدة داخل المغرب العربي ومالي ومصر وسورية، هذا هو الشرق الاوسط الجديد الذي انتظرته امريكا، شرق متعثر متخلف يأكل مواطنوه بعضهم بعضا لأن هذا يزيد من عافية اسرائيل قبل غيرها.
تميم منصور

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    ما كتبته جميل ويصف حلة صحيحة تعاني منها دول الربيع العربي مثل مصر , تونس واليمن اذ ان الهيمنة الامريكية بهما ازدادت. هذه الدول فعلا فشلت بتوحيد انفسها لسبب بسيط انها ام تحمل اللواء الثوري الحقيقي.
    اما فيما يخص سوريا فهل حقيقة ان النظام هناك ثورية الطائفية التي تحدثت عنها الم تكن تلك الوقود الذي ثبتها لفترة طويلة.اما المقاومة اللبنانية فوقعت هي ايضا بالفخ الطائفي ولم يبق من ثوريتها كثيرا عندما دخلت لعبة الدفاع عن الاضرحة والتي بدون شك ان الفكر الوهابي هو من خلقها.

إشترك في قائمتنا البريدية