أزمة رئاسة السودان الدورية للإتحاد الأفريقي

حجم الخط
0

أزمة رئاسة السودان الدورية للإتحاد الأفريقي

د. يوسف نور عوضأزمة رئاسة السودان الدورية للإتحاد الأفريقي كانت الحكومة السودانية تتوقع دعما قويا من الولايات المتحدة بعد أن انصاعت لكل ما طلبته واشنطن منها من أجل التوصل إلي اتفاق بشأن جنوب السودان، وبالفعل في المرحلة الأولي أشادت الحكومة الأمريكية بتجاوب الحكومة السودانية، وقد هنأ الرئيس بوش الرئيس البشير بالإتفاق، وبدأت الإدارة الأمريكية رفعا جزئيا للعقوبات ولكن فجأة تغير الموقف من الحكومة السودانية وخاصة بعد زيارة نائب رئيس الجمهورية سلفا كير إلي واشنطن وهي الزيارة التي لم يقل الكثير عنها. وقد عادت واشنطن من جديد للتحدث عن التطهير العرقي في إقليم دارفور، وكان هناك تناغم واضح بين ما تقوله الولايات المتحدة وما تقوله الأمم المتحدة ما يؤكد التنسيق بينهما ويثير الشكوك حول عملهما المشترك.. وفجأة رأينا يان برونك مندوب الأمين العام للسلام في السودان ـ والذي ظل دائما يمسك العصا من الوسط ـ يغير موقفه بشكل كامل ويدعو إلي تدخل قوي أممية في إقليم دارفور بعد أن اتهم قوات الإتحاد الأفريقي بالعجز وقال إنها غير قادرة علي حماية نفسها. وما دعا إليه يان يرونك هو نفس المطلب الذي ظلت تدعو له الولايات المتحدة المطالبة أبدا بتدخل قوات أممية ومن حلف الناتو بصفة خاصة في السودان، وهي الدعوة التي ظلت حكومة الخرطوم ترفضها بشكل مستمر لأنها كانت تعتقد أن الإتحاد الأفريقي قادر علي توفير القوات التي يحتاجها السودان وكل ما طلبته من القوي الدولية هو توفير الدعم المالي الذي يجعل بقاء قوات الإتحاد الأفريقي ممكنا، ولكن الولايات المتحدة لم توافق علي إرسال الدعم المطلوب بعد رفض الكونغرس التصديق علي ذلك وظلت مع ذلك حكومة الولايات المتحدة تطالب قوات الإتحاد الأفريقي القيام بدورها وكأنها تعمل في أفضل الظروف.وتابعنا منذ عدة أيام تحولا واضحا في موقف الأمم المتحدة حيث قدم بان يرونك تقريره أمام مجلس الأمن واتهم فيه قوات الإتحاد الأفريقي بأنها غير قادرة علي حماية نفسها وطالب الحكومة السودانية بأن تقبل إرسال قوات أممية إلي السودان، وعندما قيل له في مؤتمر صحافي إن الحكومة السودانية ترفض هذا الطلب قال باستخفاف إن الحكومة السودانية ترفض دائما مثل هذه الطلبات ولكنها تعود في النهاية لترضخ لما هو مطلوب منها، ولا شك أن يانك برونك كان يشير بذلك إلي التنازلات الكثيرة التي قدمتها الحكومة السودانية في مباحثات الجنوب والتي قدمتها دون مقابل يذكر.ولو كان الأمر يقتصر علي الحكومة الأمريكية وحدها والمؤسسة الدولية لقلنا إن الأمر هين وفي سياقه المعهود، ولكن مع اقتراب موعد القمة الأفريقية في الخرطوم بدأت ترتفع أصوات أخري من داخل القارة الأفريقية بعضها يطالب بعدم عقد القمة أصلا في الخرطوم ومن هذه الأصوات الحكومة التشادية التي تتهم الحكومة السودانية بدعم المتمردين الذين يريدون إسقاط نظام إدريس دبي وأيضا حركة العدل والمساواة التي وجهت خطابا إلي الأمم المتحدة تطالب فيه بتوقيع عقوبات علي السودان، وكذلك حركة جيش تحرير السودان التي اتهمت الحكومة بالتطهير العرقي وعدم تنفيذ قرار نزع سلاح الجنجويد وارتكاب جرائم حرب. ولا يقتصر الأمر علي هؤلاء فقد قدمت أكثر من خمسين جماعة من جماعات حقوق الإنسان وعدد من رؤساء الدول الأفريقية والرئيس النيجيري أليغشون اوباسانجو خطابا إلي الرئيس ثابو إمبيكي في جنوب أفريقيا يتهمون فيه الرئيس البشير بعدم القدرة علي التوسط في قضايا دارفور و كوت دي أفوار وغيرهما من المناطق الساخنة في المنطقة، وعلي الرغم من أن البعض ينظر إلي الرئيس أوباسانجو علي أنه ينتهز الفرصة من أجل أن يجدد رئاسته للإتحاد الأفريقي، كما تريد بعض الدول الأفريقية، فلا شك أن هناك رأيا معارضا للسودان في داخل الإتحاد الأفريقي وهذا الرأي لا يريد للسودان أن يتولي رئاسة الإتحاد في دورته المقبلة ولو حدث ذلك فسيحدث شرخ قوي في دول القارة. ولاشك أن هناك قوي أجنبية يهمها أن تتسع دائرة الخلافات بين الدول العربية والدول الأفريقية في داخل الإتحاد الأفريقي، ونري أن الولايات المتحدة مستمرة في تغذية الخلافات داخل الإتحاد الأفريقي، وقد أعلنت كوندوليزا رايس من عاصمة ليبيريا أن علي السودان أن ينصاع لإرسال قوات دولية إليه، ولا نستطيع أن نقول إن إصرار الولايات المتحدة ليس له أثر، لأنه في ضوء تغير الموقف في داخل الإتحاد الأفريقي فقد بدأت تصدر من الخرطوم إشارات جديدة بأن السودان سوف ينظر في كل المقترحات، خاصة بعد أن حذر الإتحاد الأفريقي بضرورة أن يستجيب السودان لاي قرار يصدر من مجلس الأمن إذا وافقت عليه لجنة السلام والأمن التابعة للإتحاد الأفريقي وهو تحذير له ما بعده، واغلب الظن أنه صدر بعد أن تدارست بعض قوي الإتحاد الأفريقي موقفها وأدركت أنها لا تستطيع أن تقف في وجه الإرادة الدولية وخاصة في وجه الولايات المتحدة الأمريكية.وإذا عدنا لتقويم موقف الحكومة السودانية وجدنا أنها تقود البلاد إلي واحدة من أخطر المراحل في تاريخها، ذلك أن حكومة السودان لا تستطيع أن تنتصر في أي صراع إقليمي أو جهوي إذا كانت هناك قوي تعارضها إقليميا أو كانت هناك قوي لا تريد نجاحها خارجيا. ولا شك أن الحكومة السودانية أخطأت التقدير عندما ظنت أنه يمكن أن تتم بينها وبين الولايات المتحدة مصالحة، وذلك أمر مستحيل في ظل الظروف الحالية التي تشن فيها واشنطن حربا لا هوادة فيها علي كل من يرفع شعار الإسلام،كما أن تاريخ الحكومة السودانية مع الولايات المتحدة ليس تاريخ سلام، فالولايات المتحدة اتهمت السودان من قبل بإيواء الإرهاب وذلك عندما كان أسامة بن لادن يقيم في الخرطوم واتهمته بتدبير محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك. وهاجمته بضرب مصنع الشفاء وليست هناك أرضية مشتركة بين السودان والولايات المتحدة إلا إذا كانت الحكومة السودانية تعتقد أنها يمكن أن تقوم بدور يشبه الأدوار التي تقوم بها كثير من دول الشرق الأوسط لصالح الولايات المتحدة، ولا أعتقد أن واشنطن ستتيح لها هذه الفرصة لأنها قادرة علي أن تتعامل مع الحكومة المستقلة المقبلة في الجنوب كما يمكنها أن تتعامل مع حكومة أخري مستقرة في دارفور.والسؤال الذي يتراءي لنا هو لماذا تردت الأوضاع في السودان إلي هذا المستوي؟ والإجابة ببساطة لأن الحكومة السودانية لا تقرأ التاريخ قراءة جيدة والذين يديرون شؤونها ينتمون إلي جيل الايديولوجيات التي مضي عهدها بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وهو جيل ينظر إلي بناء الدول علي أنه بناء فلسفي وليس بناء عمليا، خاصة عندما يكون الجيل كله تربي في نظم لا تدرك مفهوم الدولة ولا تعرف أن لها مسؤولية تجاه مواطنيها وتعتقد أن الحكم هو مجرد سيطرة مجموعة من النخب تربطها مصالح مشتركة وتعمل علي تدعيم بعضها بعضا من أجل الاستمرار وليس من أجل تنفيذ الطموحات الوطنية، وذلك حال نظام الحكم في السودان الذي لا يفكر في شيء سوي الاستمرار حتي لو كان ذلك علي حساب وحدة الوطن، وهذه لحظة مناسبة لكي يقف السودانيون لمراجعة أنفسهم إذا كانوا يريدون وطنا يعيشون فيه أم يريدون فقط أرضا ينهبونها ثم لا يهم بعد ذلك مصيرها، هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ذلك أن حكومة السودان لا تستطيع في هذا المنعطف أن تقول إنها تسعي لتحقيق مشروع حضاري لأنه ليس هناك مشروع تسعي إلي تحقيقه بعد أن قدمت التنازلات في جنوب السودان، كما ليس هناك من خلال سلوك القائمين في الحكم واستئثارهم بالثروات والوظائف ما يؤكد أنهم يسعون إلي إقامة نظام قيمي في السودان ولا يمكن أن تعتبر سياسة التآزر وتحقيق مصالح أفراد الحكم هدفا مشروعا من أجل اكتساب القوة لأن التجربة تؤكد حتي الآن أن الذي اكتسبه السودان هو الضعف وتهميش القوي الفاعلة في المجتمع وزهد الكثيرين في الوطن والتوجه نحو الهجرة إلي خارجه. ويجب هنا أن يدرك القائمون علي الأمور في البلاد أن أهداف الولايات المتحدة في السودان لا تقتصر فقط علي إجراء المصالحات أو إقامة المعاهدات بل هي تعمل وفق خطة مدروسة في منطقة الشرق الأوسط ظهرت آثارها في العراق وفي لبنان وسورية وأفغانستان وليبيا وتتجه الآن نحو السودان وعدد آخر من الدول في المنطقة، ويتوهم القائمون في الخرطوم إذا فكروا أن الولايات المتحدة ستخفف الضغط عليهم أو أنها سترضي بالقليل، وهنا يجب أن يقف القائمون علي الأمر وقفة مصارحة مع النفس، هل هم يريدون الاستمرار في هذا الطريق ليروا الوطن ممزقا ومنهوبا أم يريدونه متحدا من جديد؟سؤال ينتظر إجابة القائمين علي الحكم في الخرطوم.ولكن قبل ذلك يجب ان يراقب المسؤولون بحذر موقف القمة الأفريقية المقبلة من رئاسة السودان للإتحاد الأفريقي في الدورة المقبلة ذلك أن رفض هذه الرئاسة قد تكون له ابعاد دولية وإقليمية خطيرة. ہ كاتب من السودان9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية