أجنحة ومدارات : تحليق في فضاءات الاختزال التجريدي والغني الدلالي
معرض جديد للفنان محمد نصر الله بدارة الفنون: أجنحة ومدارات : تحليق في فضاءات الاختزال التجريدي والغني الدلاليعمان ـ القدس العربي ـ من يحيي القيسي: تستضيف دارة الفنون ـ مؤسسة خالد شومان بعمان منذ الشهر الماضي معرضا جديدا للفنان الأردني محمد نصر الله، وبالطبع فإن التميز سمة أعمال هذا الفنان الذي يبدو غير منشغل كثيرا بالترويج لأعماله، ولا التعريف بها عربيا وعالميا، وربما هذا الزهد إضافة إلي ما يحكم الساحة التشكيلية المحلية و العربية من شللية، وضعف في مجال المتابعة النقدية، ثم عزوف الجماهير العريضة والنخب أيضا عن التورط العميق في الفعل التشكيلي والوقوع في أسر الأمية البصرية، كل ذلك ساهم في ظلم تجربة خلاقة، علي قدر من التميز والفرادة مثل تجربة نصر الله، ويأتي معرضه الجديد ليعبر عن مرحلة جديدة لهذا الفنان الذي استطاع ومنذ معرضه الأول (أناشيد التراب) عام 1989 أن يقدم رؤيته بأسلوب أصيل خاص به.ومن الواضح في التجربة الجديدة (أجنحة ومدارات) أن الاختزال يشكل عنصرا أساسا فيها لم يكن قد ظهر بهذا الوضوح في أعماله السابقة، وما يمكن قوله عن الاختزال يمكن قوله عن تلك الألوان والعناصر الجديدة التي تظهر في لوحته للمرة الأولي، فهو يبدو معبرا عن الانسجام بين الطبيعة، والإنسان، وذلك العناق الأبدي بين الأرض والسماء، وتبدو لوحاته متقشفة في رموزها، وألوانها، وهي بذلك تميل نحو الاختزال والتكثيف، مما يتيح للمشاهد شعورا بالتلقي الهاديء، والبحث عن غني الدلالات التي تبثها تلك الرموز التي تحفل بها اللوحة بكل وضوح، ويبدو الطير جزءا أساسيا متحركا، وقادرا علي كسر إيقاع السكون الذي يبدو من الفضاء المفتوح علي الأرض، أو الجدران البيضاء، الاسمنتية الطابع، أو البحر، أو السماء، وتحاول بعض الرموز أن تكسر ما يحيط بها من قمع أو قضبان، وفي حالة تمرد، ، وأيا كانت الدلالات التي تحملها لوحات نصر الله فإن من الملاحظ أيضا تلك الأناقة الأسلوبية التي ينتج فيها سطح لوحته، وتلك الدقة التي تظهر اللوحة فيها شبيهة بصورة فوتغرافية، ومن الجلي استفادة نصر الله من الفن الياباني، والأسيوي عموما، ولكنه في النهاية يرسم لوحته ذات البصمة الخاصة به.يقول الناقد التشكيلي غازي انعيم في قراءة لهذا المعرض … سعي الفنان للإقلال من ألوانه واختزالها وتسطيحها، والتأكيد بشكل أبرز علي تأثير الضوء عليها، من حيث اللون الغامق أو اللون الفاتح، لذلك نلاحظ في تنفيذ لوحاته ألوان قليلة العدد من الرمادي، والبني إضافة إلي بعض الألوان المساعدة مثل الأسود والأحمر، ونجد اللون في لوحاته يخضع من الناحية التشكيلية بالدرجة الأولي لتأكيد الظل والنور في العناصر المرسومة، فمثلا نجده يستخدم درجات البني في الظل بينما يستخدم اللون الرمادي في الأسطح المختلفة، مثل مناطق الأرضيات والجدران والأسطح والكرسي والسلم وقرن الثور، وبذا نجد الفنان قد استطاع أن يخلق توافقا فنيا بين التكوين من جهة وتوظيف اللون من جهة أخري ليؤكد كل منهم الآخر، أما التكوين فهو يعتمد علي العناصر المرسومة، وعلي الأرضية والخلفية، وإبراز العلاقة الجمالية بين الضوء والظل في عناصره ورموزه، والتي تتكون من عنصر الطير كعنصر رئيس في اللوحة وعناصر أخري مثل السلم والكرسي والحجر، والمسمار، وقرن الثور، والأسلاك المعدنية والقطع الخشبية، وهناك تركيز من قبل الفنان علي عنصر الطير، فهو ليس له دور محدود، أحيانا يكون علامة إسقاطية يشير إلي شيء ما في الحياة، وأحيانا يتواري داخل إحدي المفردات أو خلف جدار أو نافذة ليكون شاهد عيان وراصدا للأحداث، والطير هنا قد يكون رمزا للجمال أو يكون رمزا للحرية، …ويخلص الناقد انعيم إلي مجموعة من الملاحظات علي المعرض، والتجدد في أعمال نصر الله قائلا أصبح يميل إلي المساحات ذات الملمس الناعم بشكل أكبر، وقدم تحليلا هندسيا لمناخات جديدة، لا سيما الطائر، وهناك حضور قوي للون الرمادي في جميع أعماله الجديدة، كما كان يحضر سابقا اللونين الأزرق والبني، كما نلاحظ انسياب الألوان علي سطح اللوحة برقة وليونة، نفذه بمقدرة تكنيكية عالية، وبسيطرة علي أدواته الفنية، وهذا يدل علي امتلاك الفنان لأدواته التعبيرية، التي مكنته من تنفيذ رغباته الملحة في التشكيل بصيغ تتلاءم فيها المساحات اللونية الواسعة ضمن حركة ديناميكية أفاد منها منح فرشاته حرية في الحركة الزائدة . بطاقة الفنان وسيرته تقول السيرة الحياتية والعملية للفنان نصر الله أنه من مواليد العام 1963، ودرس الفن في معهد الفنون الجميلة بعمان، وهو أيضا حائز علي دبلوم فنون من المركز الثقافي الاسباني، وعضو رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، وقد أقام عددا من المعارض الشخصية منها: معرض أناشيد التراب ـ 1 ـ المركز الثقافي الفرنسي 89، معرض أناشيد التراب ـ 2 ـ المركز الثقافي الملكي 90، معرض طيور وفزاعات ـ المركز الثقافي الملكي 92، معرض فضاء آخر ـ العرض الأول ـ رواق البلقاء للفنون ـ الفحيص 93، معرض أرض أخري ـ دارة الفنون 96معرض نوافذ ـ رواق الحصن أربد 97، معرض عودة التراب ـ غاليري 4 جدران ـ الشيراتون 2001، معرض رؤي جديدة ـ غاليري 4 جدران ـ الشيراتون 2005، كما شارك في عدد كبير من المعارض الجماعية تصل إلي سبعين معرضا داخل الأردن أو في الخارج مثل: عُمان، والعراق، والكويت، وتونس، وباريس، والنمسا، واليابان، وبنغلادش، وبريطانيا، وأبو ظبي، ومصر، وسورية، وفلسطين، والشارقة، وإيران، وألمانيا، والمغرب، والسودان، والسعودية، و ساهم في إنجاز عدد من الملصقات حول الانتفاضة وعدد آخر من الملصقات لمنظمة العفو الدولية وحقوق الإنسان.0