قصة غرام روسية ـ مصرية

حجم الخط
1

‘سبب هذه الزيارة هو اظهار الامتنان للموقف الحذر والموضوعي لروسيا تجاه مصر’، هكذا شرح الاسبوع الماضي رئيس اتحاد الكتُّاب المصريين، محمد السلماوي. ‘اضافة الى ذلك شعرنا أن من واجبنا اطلاع روسيا على ما يجري في دولتنا التي تبني الان نفسها من جديد وتحاول اقامة نظام ديمقراطي’. السلماوي هو ايضا الناطق بلسان ‘لجنة الخمسين’ المسؤولة عن صياغة الدستور المصري الجديد.
ولكن ما لرئيس اتحاد الكتاب والعمل الدبلوماسي؟ لماذا تعتبر من مهام مجموعة من المفكرين والسياسيين ‘اطلاع’ روسيا على الوضع في مصر؟ يبدو أن توقيت زيارة ‘الوفد الشعبي’، كما وصفت في وسائل الاعلام المصرية، لم يكن مصادفة. فقد هبط الوفد في العاصمة الروسية في الاسبوع الثاني من شهر تشرين الاول، بعد بضعة ايام من اعلان الادارة الامريكية عن تجميد مساعدات عسكرية بحجم 250 مليون دولار وعن تأجيل نقل طائرات ودبابات في اطار المشتريات العسكرية المصرية في الولايات المتحدة. ومع عودة الوفد المصري الى القاهرة، بدأت تنتشر في مصر تقارير عن نية الحكم العسكري المؤقت شراء طائرات ميغ 29 ومعدات عسكرية اخرى من روسيا.
وحسب بعض التقارير، فان السعودية ستمول القسم الاساس من الصفقة التي قد يصل حجمها الى نحو 15 مليار دولار. ويوم الاثنين من هذا الاسبوع وصل الى موسكو وفد رفيع المستوى من رجال المخابرات المصرية، على ما يبدو من أجل الدفع بالصفقة الى الامام. بعد يوم من ذلك نشرت صحيفة ‘الوطن’ تقريرا عن زيارة رئيس المخابرات العسكرية الروسية فاكسلاف كوندراسكو الى مصر في سلسلة لقاءات مع قادة الجيش والحكم المصري. ولاحقا علم عن النية لعقد لقاء قمة بين بوتين والسيسي في مصر في الايام القريبة القادمة. وحتى الان لم يطرح رد فعل رسمي من الجانب المصري أو الروسي يؤكد هذه التقارير ولكن التحليلات في الدولتين تتناول العلاقة الجديدة الاخذة في التطور بينهما بصفتها ‘مسار جديد ومناسب’. من ناحية القاهرة، في افضل الاحوال ستساعد هذه العلاقة في اقناع الولايات المتحدة بتغيير موقفها تجاه النظام العسكري. في اسوأ الاحوال، ستمنح روسيا موطيء قدم استراتيجي في مصر.
من سارع الى الرد بسرعة كانت الادارة الامريكية التي أعلنت بانه بعد اسبوعين سيصل وزير الخارجية جون كيري الى القاهرة لاجراء محادثات مع القيادة المصرية، لشرح موقف الولايات المتحدة وبالاساس محاولة الحفاظ على مكانتها كحليف اساس لمصر. وأول أمس اتصل وزير الدفاع الامريكي تشاك هيغل بالسيسي كي يطلع على التقدم في تطبيق خريطة الطريق السياسية للاخير والتي من المتوقع أن تنتقل قريبا الى المرحلة التالية مع اقرار الدستور الجديد، وعلى المعركة التي يخوضها الجيش المصري في سيناء. ولكن حسب مصادر مصرية، فان هدف الحديث كان أساسا السماع من السيسي عن النية لشراء السلاح من روسيا.
لم يبدأ الغضب المصري الرسمي والجماهيري على الولايات المتحدة مع تجميد المساعدة. فمؤيدو الرئيس مبارك رأوا في واشنطن خائنة هجرت حليفها عند الضائقة حين أيدت الثورة ضده. ومنذ العام 2009 طورت هذه الدوائر شبهات شديد تجاه الرئيس اوباما، بعد أن اصر هذا على دعوة مندوبي الاخوان المسلمين الى الاحتفال الذي القى فيه خطابه في جامعة القاهرة. وأدى الاسناد الذي منحته واشنطن لنظام الاخوان المسلمين برئاسة مرسي الى تفاقم شبهات نشطاء وحركات ليبرالية رأوا في ذلك مؤامرة لاخضاع مصر تحت الرعاية الامريكية، والزام مرسي بمواصلة التمسك باتفاق السلام مع اسرائيل. وبلغ الغضب ذروته بعد أن استولى الجيش على الحكم في تموز وعزل مرسي. وادخلت هذه الخطوة الادارة الامريكية في معضلة مستحيلة: اذا اعترفت بالحكم العسكري كحكم شرعي سيتضرر المذهب الديمقراطي الذي تسعى الى تشجيعه، واذا ما تنكرت له وأعلنت عنه كحكم نفذ انقلابا، فلن تتمكن من مواصلة منح المساعدة وستضر بالعلاقة الاستراتيجية بين الدولتين. نتيجة الحل الوسط الذي بموجبه ما حصل في مصر لن يسمى ‘انقلابا’ ولكن ايضا لن يعتبر كنتاج ديمقراطي، والعقاب الجزئي تجميد المساعدة للدولة، ثبت مكانة الولايات المتحدة كفزاعة.
صحيح أن السيسي تميز غضبا من الموقف الامريكي ولكنه لم يفزع منه. ففي هذه الايام تنال شعبيته الزخم فقطن ولا سيما في اوساط الحركات الليبرالية التي لا ترى فيه فقط درعا للديمقراطية بل وايضا مرشحا مناسبا للرئاسة المصرية. كما أن الحركات السلفية التي اصبحت هدفا لنار الاخوان المسلمين، لا تعارض ترشيحه رئيسا كما أوضح هذا الاسبوع زعيم حزب النور السلفي يونس محيون، الذي شرح بان ‘عودة الاخوان المسلمين الى الحكم اصبحت غير معقولة’. ريح اسناد اخرى تلقاها السيسي من السعودية التي لا تنجح في الهدوء من الانعطافة الاستراتيجية في سياسة الولايات المتحدة تجاه ايران. فقد حذر الامير السعودي بندر بن سلطان، رئيس المخابرات ومجلس الامن القومي، قبل نحو اسبوعين من أن السعودية ستعيد النظر في علاقاتها مع الولايات المتحدة ويبدو أن مرحلة اولى تبدأ من التقارب المصري الروسي.
مشوق أن نرى كيف ان الغضب على الولايات المتحدة طوى في النسيان الاحتجاجات المصرية ضد روسيا على سياستها في سوريا، وكيف نسي فجأة التعاون بين روسيا وايران. فالقاهرة ترى في ايران جهة تآمرية خرجت عن طورها كي تدعم الاخوان المسلمين ورات في حكمهم جزء لا يتجزأ من ‘الثورة الاسلامية’. ولكن عندما تكون ايران مستعدة لأن تتحدث مع الولايات المتحدة لا ينبغي أن نتفاجأ من تحطم المفاهيم التي كانت صحيحة قبل لحظة بصخب عنيف. على اي حال، بالنسبة لموسكو فان هذه فرصة هامة للدخول الى الموقع الذي كان مغلقا في وجهها منذ الغى السادات التواجد الروسي من مصر في بداية السبعينيات. ولم تتوقف العلاقة بين الدولتين مع ذلك، فقد زار بوتين مصر في العام 2005 ورد مبارك الزيارة بعد ثلاث سنوات من ذلك.’ مرسي هو الاخر زار روسيا، ولكن العلاقة الاستراتيجية كانت هزيلة للغاية ولم تعقد بين الدولتين صفقات سلاح. كما أن روسيا تتطلع الى ان تعد لنفسها قاعدة بحرية بديلة في الشرق الاوسط وذلك لان القاعدة في طرطوس في سوريا لا تلبي احتياجاتها’ بل وقد تكون في خطر اذا ما سقط نظام الاسد. ومع ذلك، واضح لمصر بان انعطافة استراتيجية كهذه هي امر اشكالي. لقد أوضحت روسيا للقاهرة بانه ليس في نيتها الحلول محل المساعدات الاقتصادية التي لا تزال الولايات المتحدة تمنحها لها، كما سيكون من الصعب على الجيش المصري أن يستوعب منظومات سلاح روسية الأمر الذي يستغرق سنين.
ان قصة الغرام الروسية المصرية التي تلقى تأييدا جماهيريا والتي وجدت تعبيرها في المقالات في الصحف لن تؤدي الى القطيعة بين مصر والولايات المتحدة. والسيسي الكفيل بان يتنافس على الرئاسة ويعيد مصر الى الساحة السياسية الاقلمية سيحتاج الى تحالف مع الولايات المتحدة وليس فقط بسبب المساعدات المالية، بل اساسا كي تواصل مصر كونها شريكا في السياقات الاستراتيجية. الخطوة مع روسيا ترمي اساسا الى اظهار غضب مصر واستعراض العضلات السياسية الصغيرة التي قد تساعد حتى اوباما في مساعيه لاسناد مصر أمام الكونغرس والاشارة الى أن الولايات المتحدة قد تفقد حليفا آخر بعد أن فقدت العراق وفي ضوء الكتف السعودية الباردة.

تسفي بارئيل
هآرتس 1/11/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول العيقوبي:

    يبدو أن الروس أسوأ من الإتحاد السوفييتي، فقد أخذوا على أنفسهم عهدا ألا يدعموا ولا يعترفوا ولا يتعاملوا إلا مع الأنظمة الدكتاتوري الملطخة ايدي حكامها بدماء شعوبها وجاءت بطبيعة الحال عن طريق الإنقلاب، أما الأمريكان فهم أسوأ حال من الروس، لأنهم يخوضون الحروب لحماية أكبر دكتاتورية في منطفة الشرق الأوسط وهي إسرائيل ويحمون أنظمة دكتاتورية عربية ولا يدعمون الثورات الديمقراطية إلا إذا كانت لتدمير الدول العربية وإركاب إسرائيل أعلى فأعلى ….

إشترك في قائمتنا البريدية