مشهد الاعلام الجزائري.. سوق بزنس واذرع سياسية وساحة لتصفية الحساب

حجم الخط
0

هم وحدهم من يحق لهم صياغة المقاربة الصحيحة والصادقة والمعبرة عن مهنة المتاعب، إنهم أهل المهنة والخبراء واهل الدراية في الصحافة والاعلام، هذا عين المنطق والعقل والقانون، لكن أهل السلطة لهم رؤية أخرى لهذا المنطق هم ينظرون للإعلام كعدو تارة وكشيطان يوسوس للناس وينغص حياة الحكومة يشتت انجازات الرجال ويزرع الشك والبلبلة في أوساط العامة وحتى كمدمر للحمة الشعب وروحه الوطنية وكمؤرق لسكينة الوطن.
هكذا هي النظرة للصحافة كخادمة مطبلة معبرة عن شعور الحاكم مشيدة مسبحة بحمد الوزير والمدير، وصاحب السلطة الوزير لا ينام حتى يقرأ صحف ”صباح الغد” ليس نبلا وحكمة ولا نظرة في المرآة ليتعظ ويرى صورة الواقع فيصحح ويبتكر ويبدع الخطط والبرامج والحلول البديلة، لكن ليرى ماذا كتب أعداؤه الصحفيون عنه وعن أصدقائه في الحي الحكومي.
هكذا هي النظرة لمهنة المتاعب منذ عهد عهيد ولا تزال ..
في جزائر اليوم.. الإعلام كرسالة ومهنة وكفرصة لمعرفة الحقيقة حققت شيئا ما من الإنجاز والتقدم في نظر البعض، فالأكشاك مليئة بالأطباق الصحفية مما يسلي المواطن ويحلي يومه وينسيه همومه، ومما يطرب ومما يغضب الحكومة أيضا، فلم تعد الصحف برئيس تحرير واحد كما عصر’جبهة التحرير الوطني’ الحزب الواحد، لكن تحول ‘الإشهارالممول والمُعيل للصحف’ الى رئيس تحرير واحد موحد كعصا وجزر، يعلي من يشاء ويخفض من يشاء يزكي من يشاء ويشطب من يشاء يسعد ويجود على من يشاء ويُغضب ويحرم من يشاء. وكذلك قطاع السمعي البصري لقد بُعث قبل أن يولد قانونه وتتأسس سلطة ضبطه ويشرع قانونه الخاص وتصدر دفاتر شروطه كعبث وسوق سوداء عشوائية عبثية تفتقر إلى أدنى المقاييس العالمية في الاعلام الفضائي، وكنوع من التمييع والافساد المسبق والمبرمج وعدم المسؤولية بمشهد تنافسي على الرداءة وسوء الذوق وفوضى مقصودة لخدمة أغراض سلطوية وأجندات حزبية وسياسية.
بديهي أن تفخر الحكومة – في يوم الصحافة الذي اتخذته 22 اكتوبر من كل عام – بما حققه الإعلام في نظرها كافتخار ورسالة للخارج وبهرج كاذب وصورة مشوهة وخدعة ماكرة للداخل أيضا، لكن اهل المهنة الأصلاء يرون غير ذلك. لا شيء كبير تحقق على صعيد الحريات الصحفية بعدما تحولت بعض الصحف إلى اللون الأصفر في محتواها وأخبارها وخطها أيضا، وتحول قطاع الاعلام الى سوق بزنس واذرع سياسية وساحة لتصفية الحساب ونشر الغسيل السياسي والشخصي والايديولوجي بتنوع زائف وأقلام مأجورة تكتب تحت الطلب وتزلفا و”شيتة” من دون طلب.
وبات تأسيس صحيفة أو قناة كحبة حلوى او لعبة طفل او كورقة بسيطة او”شفعة قرض بنكي” ومجموعة شباب وسيم وكريم. غاب الحس المهني وعمت الفوضى وامتلأ المشهد بالدخلاء والأجراء والموظفين واصحاب المصالح وغاب أهل الفكر والثقافة والرأي وأُفرغت المهنة من أصحابها الحقيقيين. إنه المال الفاسد الذي دب في كل شيء ودب في قطاع الصحافة فحوله الى شركات ربحية لا تهمها المهنية والأداء وخدمة المواطن وتثقيفه ورفع وعيه والبحث عن المعلومة بقدر اهتمامها بصناعة الثروة والاغتراف من خزينة الدولة.
انه الفلكلور الاعلامي الفارغ الذي حول اشرف مهنة الى ساحة عبث وكيد وهزل وسوق سوداء لبيع الضمائر. لا حديث عن الميثاق الاعلامي والشرف الصحفي، ولا حديث عن حقوق أصحاب المهنة الاجتماعية والمهنية ولا حديث عن تطوير المهنة وابعادها عن مجالات الصراع السياسي والايديولوجي، ولا حديث عن حماية الصحفي ومصادر معلوماته، ولا حديث عن التميز والابداع والمنافسة في الخدمة الاعلامية. لقد اختفت هذه النقاشات بعدما تحول حقل الاعلام الى غير اهله وكرا لشراء الذمم والكيد والنصب وساحة مستباحة للسياسيين وأصحاب المال والنفوذ تستعمل لضرب هذا ورفع ذاك .
الحكومة استخسرت على اهل الاعلام في عيد الاعلام ان يقفوا في ساحة الحرية وقفة رمزية ويضعوا باقة ورد ويقرؤوا فاتحة الكتاب على أرواح زملائهم ممن رسموا الطريق وسقوا بأرواحهم مجد الكلمة الحرة . هم فهموا الدرس والرسالة ..السلطة لا تريد الكلمة الحرة خارج اسوارها وبعيدا عن خطها ولا تسمح حتى لذكرى ملهمة في الساحات ولا تريد باقة الورد التي تحيي معاني الانعتاق من ربقة الرأي الواحد والاتجاه الأوحد ولا تريد فاتحة الكتاب في ساحة الحرية لأن ذلك يحيي معاني مقاومة الاستبداد والاحتكار الاعلامي الموجه ويشيع روح النقد والرفض والرأي الآخر وينمي روح الاستقلالية. ما تريده السلطة اعلام مزمر مطبل لا يخرج عن الخط ولا يحيد عن السكة المرسومة من فوق.
المطلوب من اهل الصحافة ان يعيشوا عيشة هنية وفق ثقافة القطيع والسكوت الطيب الخاضع وترك حافلة السلطة تسير من دون منغصات ولا قلق. المطلوب منهم الرضوخ للأمر الواقع..المطلوب منهم القبول بما هو موجود ليس أكثر..المطلوب عدم التفكير في الاحتفال في ساحة الحرية ولا حمل باقة الورد ولا الترحم عن شهداء الرأي لأن كل ذلك يثير المواجع ويلهم الناس معاني الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
نيفي اليزيد
كاتب من الجزائر
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية