قادة الامة ودعاتها ومفكروها يفرضون حظرا على ‘التجوال الذهني’ للشعوب العربية ويكرسون التخلف

حجم الخط
0

لا نشكو من شيء والحمد لله، رخاء ونقاء وتقوى وايمان، نحب بعضنا بعضا الى درجة العمى، ونراعي الضمير والدين وحقوق الانسان، نسمع فقط عن اناس ينحرق دمهم في طوابير البحث عن المحروقات، وأناس تصرخ مكبودة مقهورة ‘حتى انت يا بندورة!’
نسمع فقط عن معبر، او دعنا نسميه مصيدة فئران، يفتح ويقفل من الخارج والشعب ‘ماكل هوا وفاتح تمه بريالة’، ويعتبر في عرف الطب النفسي مسكين واهبل، وبالانجليزي ‘هوبلس’، يعاني من انفصام اوانقسام سيان، فتح تضحك عليه وحماس تضحك عليه وشبابه من البطالة تلطم ‘كل ده كان ليه’ !
ما علينا، الفاضي يعمل قاضي، ولهذا شغلتني من قصص العرب الساحرات قصة السعوديات الممنوعات من سياقة الـ ‘بي ام، والكاديلاك’، وتبرؤ عائلة (الهذلول) من ابنتها المارقة (لجين) لأنها اقترفت اثم السياقة موثقا بفيديو وصور، فقد اقتربت الساعة وانشق القمر.
السعوديات في تحد وعناد والفيديوهات تزداد والله بصير بالعباد.
راجعت نفسي لربما هناك نص قطعي او ظني يمنع ان تختلي امرأة بسيارة، ‘فتشت’ فيما تيسر لي من المراجع فلم أجد. وتساءلت ما العلة؟ ربما لان في السيارة مقود وهو ذكر وعجل او دولاب وهو بكل اللهجات ذكر ومذياع وهو ذكر معقول؟!
الى هذه الدرجة غير موثوق بامرأة هي الأم والاخت والزوجة والحبيبة والابنة؟! اليس مخجلا ومخزيا ان نواجه العالم بهذا الثوب القبيح الرث، وهو الذي يقدم الزعيمات والرئيسات والوزيرات والناشطات؟ كيف لنا ان نفخر بتوكل كرمان وفي نفس الوقت نعود الى عصر الجواري والغلمان؟!!
فكرت ان المراة التي تقود سيارة قد تنقذ زوجها واسرتها فيما لو تعرض الزوج لسوء فجأة بدلا من ان تكتفي عاجزة باللطم والنواح على الحبيب اللي راح!
وتذكرت ان امهات السعوديات وجداتهن كن يقدن الجمال والحمير في الصحراء الخالية بلا حرج ولا اثم منذ عرف التاريخ الجزيرة العربية ووأد الجاهلية .ونعرف من التاريخ الاسلامي بالذات رائدات وفارسات مقاتلات يقدن حروبا وقوافل، وممرضات سافرات ينقذن جرحى المسلمين. وكان النبي عليه الصلاة والسلام يجل امهات المسلمين ويثق بهن ويرسم لنا ولهن ‘خارطة طريق’ للتعامل معهن باحترام!
هل هي جاهلية أخرى اشد وطأة وظلمة لا تزال تسيطرعلى عقولنا وافكارنا وتقاليدنا وعاداتنا، وهل اصبح ميؤوس الشفاء منها؟! هل هو منخفض التخلف الحضاري الذي لا ينفك يفصلنا بفراسخ عن بقية خلق الله؟
ركبوا القمر، وارتادوا المجرات واكتشفوا الجين المسبب للجلطة، واخترعوا ‘الاي فون’ و’الجلاكسي’.. ونحن لانزال ننعم في ملكوت بول الابل ورضاع الكبير وطرد الجن. ارى للاسف الكثير من الدعاة ممن يتقمص دور ابي جهل وحاطب بن بلتعة عن قصد واصرار، ويفرض علينا حظرا للتجوال الذهني!
قد لاتعلمون ان اول ما اخترع الراديو في اوائل القرن العشرين كان محرما حرمة بائنة في بلاد نجد والحجاز، ويعتبر الاستماع اليه كفرا بواحا وكان مجرد التفكير في الصعود الى القمر هرطقة توجب الجلد 100مرة.
لقد تغيرت النظرة الى المرأة السعودية شكلا، وتحولت من برقع ووقاية الى معرض ازياء تحت العباية، لكنها لم تتغير مضمونا، وينظر اليها من منظور جنسي يصنفها ملاذا للمتعة وعورة للفتنة ونقطة ضعف. وهذا ينسحب ايضا، ولو بصورة اخف قليلا، على المرأة العربية والمسلمة بشكل عام وفي هذه النظرة دونية مفرطة ومتجنية من مجتمع ذكوري!
ورغم الاصرار على رفع شعار ان الاسلام اعطى للمرأة مكانتها واعاد لها احترامها الا ان هذا الشعار لم يجد طريقه الى الترجمة الحقيقية على ارض الواقع، وبقي الفكر مراوحا في عصر الجواري.
اشعر ان هناك’اصرارا من قادة الامة ودعاتها، وحتى نخبها السياسية والفكرية، لتكريس التخلف عن بقية الامم بحيث نبقى نلهث دائما وراء الامتلاك والاستهلاك والرفاهية. مشكلتنا الحقيقية ان لدينا، كعرب وكمسلمين، ركون فكري للموروث، واستسلام تام للثبات، و’مكانك سر’ بمعنى استسهال تناول الجاهز وهضمه دون الحاجة الى اللجوء الى اعمال العقل !!
عادات، وتقاليد، وتابوهات مهترئة احطناها بهالات من التقديس تمنعنا من استخدام عقولنا بكامل طاقتها عدا الخوف من بعبع التكفير، والرجم بالالحاد والزندقة الذي مورس على استثناء من عظماء المفكرين كابن رشد والحلاج وابن المقفع.
لقد ضربت الحضارة الاسلامية الزاهرة مثلا حيا في المبادرة الانسانية والابداع والانفتاح، فاخذت عن اليونان والاغريق والهنود ما اخذت وطورت واضافت لتضيء بما قدمت اوروبا المظلمة لكنها لاسباب يطول شرحها توقفت فيما واصل الاخرون، وتراجعت لتقتات بالماضي دون ان تعيش الحاضر ودون ان تفكر للمستقبل.
ان الحاجة ضرورية للتغيير ومواجهة الواقع بشجاعة وعلينا ان نستلهم ارواح الاستثناءات المضيئة القليلة في ليلنا الطويل كصلاح الدين وقطز وعمر مكرم و محمد عبده و …
اللهم انا نعوذ بك من جهلنا وتخلفنا ونسألك ان تنير بالهدى والحق ظلمة عقولنا، رب ارحمنا من انفسنا واعنا على طاعتك وذكرك فانت عصمة امرنا وربيع قلوبنا. اللهم امين!
توفيق الحاج

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية