اليمين يُسخن الحرم القدسي

حجم الخط
0

أخذ التوتر يطغى في جبل الهيكل بعيدا عن انتباه أكثر الجمهور في اسرائيل. فقد زادت جهود جماعات يمينية ودينية لتغيير الوضع الراهن بين اليهود والمسلمين في الجبل زيادة كبيرة منذ كانت انتخابات الكنيست في كانون الثاني، وكان ذلك بقدر كبير بتأثير زيادة قوة كتلة البيت اليهودي في الائتلاف الحكومي الحالي. وتوجد مبادرات مختلفة قد تُعد طائفة منها حالمة وخطيرة ولا تكاد تُستعرض في وسائل الاعلام الرسمية في اسرائيل. والجانب العربي هو الذي يتابع بقلق التطورات في الجبل، أعني الفلسطينيين في المناطق والحركة الاسلامية بين عرب اسرائيل بل والدول العربية المجاورة.
نبعت مخاوف العرب ايضا من بواعث سياسية بعيدة جدا عن تعليلات عقائدية أو دينية، لكن ذلك لا يهم كثيرا. ويمكن أن يسوق اشتعال الوضع في الجبل الذي قد ينجم نتاج مواجهة محدودة، أن يسوق الاسرائيليين والفلسطينيين الى صدام أوسع ويعوق التفاوض السياسي بين الطرفين الذي يبدو أن احتمالات نجاحه ضعيفة جدا. وجهاز الامن في اسرائيل ايضا متنبه جدا لما يجري الآن في جبل الهيكل. وهو في هذه المرحلة لا يتخذ خطوات عملية لتهدئة النفوس برغم أنه يبدو أن المستوى السياسي الأعلى يريد أن يمنع أحداثا قد تُشعل مواجهة.
كان الجبل في الماضي فتيلا أفضى الى صدامات عنيفة في القدس والمناطق المحيطة. وقد حدث ذلك بعد أن قُتل عشرات المتظاهرين الفلسطينيين على أيدي رجال شرطة حرس الحدود في 1990، وهو ما أشعل موجة عمليات قاسية في اسرائيل والمناطق. وحدث ذلك في أحداث الشغب التي نشبت على أثر فتح نفق حائط المبكى في ايلول 1996، وفي الانتفاضة الثانية بالطبع التي سماها الفلسطينيون ‘انتفاضة الاقصى’، والتي نشبت بعد زيارة اريئيل شارون الذي كان رئيس المعارضة آنذاك للجبل في ايلول 2000، فورا. إن الجبل، وبقدر أكبر من مدينة القدس، هو مغناطيس تطرف ديني من الطرفين اللذين يتصارعان على السيطرة عليه اليوم ويخشيان ضرورة اقتسام السيادة عليه في تسوية سياسية في المستقبل.

صلاة بالهاتف المحمول

من الصعب أو من غير الممكن أن نتابع مجرى التقارير من جبل الهيكل في الاشهر الاخيرة لأنه لا يكاد يمر يوم دون أن تقع حادثة كهذه أو تلك على الجبل أو ما يتعلق بالجبل. إن اليهود الذين يأتون الى المكان يستعينون في الحقيقة بجهاز علاقات عامة مريب وبعشرات المنظمات التي يجتمع أكثرها تحت مظلة ‘مقر حركات الهيكل’ وتجهد في نقل القضية الى وسائل الاعلام. لكن لا شك حتى تحت هذا التحذير في أن جبل الهيكل تحول نهائيا من مكان شبه مقصى محاط بمحظورات شرعية متشددة، الى مكان يقع في قلب الاشتغال العام للصهيونية الدينية وأجزاء كبيرة من الطيف السياسي في البلاد.
اليكم مجموعة أحداث من الاسبوعين الاخيرين: دعت عضو الكنيست عليزا لافي (يوجد مستقبل) الى اعداد مظهر قديم بالقرب من جبل الهيكل للنساء اللاتي يصعدن الى الجبل؛ وعلى أثر ضغط من منظمات جبل الهيكل منعت الشرطة أولادا فلسطينيين من لعب كرة القدم على الجبل؛ وتم توقيف يهودا غليك، وهو من رؤساء مقر حركات الهيكل وحُظر عليه أن يصعد الى الجبل. وهو ينوي أن يبدأ في يوم الاحد اضرابا عن الطعام بسبب الحظر؛ واحتُجز عشرة يهود بعد أن رفعوا أعلاما وأنشدوا النشيد الوطني على الجبل وغير ذلك.
ويفضي تجند عدد من اعضاء الكنيست للنضال الى أن يجري لأول مرة منذ سنوات نقاش سياسي في تغيير الوضع الراهن على الجبل. وفي يوم الاثنين ستجري لجنة الداخلية في الكنيست نقاشا في هذا الشأن. وسيحضر أمام اللجنة نائب وزير الأديان عضو الكنيست ايلي بن دهان من البيت اليهودي الذي سيعرض خطته للتمكين من صلاة اليهود على الجبل. ويعلقون في منظمات الهيكل آمالا كثيرة على ذلك. ‘لا شك في أنه حان الوقت لتنفيذ أوامر المحكمة العليا ومنح اليهود الحق في الصلاة. إن الواقع اليوم هو أن العنيفين الذين يُملون برنامج العمل هم الذين يسيطرون على الجبل وهذا أمر لا يُطاق’، يقول غليك الذي يعمل متحدثا عن مقر حركات الهيكل.
ليس تغير وجهة النظر الى جبل الهيكل في داخل الصهيونية الدينية ظاهرة من السنة الاخيرة، فمنذ سنوات يحدث تحرك بطيء لكنه دائم لهذا الشأن من الهوامش الهاذية العنيفة الى مركز الخريطة السياسية لمعتمري القبعات الدينية. لكن أصبح لهذه القضية في الكنيست الحالية والحكومة الحالية لأول مرة جماعة ضغط سياسية نشيطة مهمة ايضا. ومن بين اعضاء الكنيست الذين يحثون على تغيير الوضع الراهن في جبل الهيكل ميري ريغف من الليكود التي أجرت باعتبارها رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست عدة نقاشات في هذه القضية، ووزير الاسكان أوري اريئيل من البيت اليهودي، ونائب وزير الخارجية زئيف إلكين من الليكود، وموشيه فايغلين من الليكود الذي يصعد الى الجبل على الدوام، بل تم احتجازه هناك عدة مرات. ويسهم في ذلك ايضا نائب وزير الدفاع داني دنون من الليكود وعضوتا الكنيست شولي معلم وأييلت شكيد من البيت اليهودي. ويوجه معظم نشاط نشطاء جبل الهيكل على الارض وفي الكنيست الى طلب تغيير الوضع الراهن الذي يرى أن الجبل هو مكان صلاة للمسلمين وحدهم، ولتمكين اليهود من الصلاة في ذلك المكان. ولا مانع من ذلك من جهة قانونية لكن المحكمة العليا أعطت التفويض مرة بعد اخرى في الماضي الى قادة الشرطة في الميدان لتحديد هل يمكن التمكين من الصلاة دون خشية عنف، وتحظر الشرطة من جهتها صلاة اليهود على الجبل بزعم أن ذلك سيفضي في شبه يقين الى أحداث شغب عنيفة من قبل المسلمين. وفي ظل هذا الحظر نشأت ثقافة صلاة بالسر: فتتم التغطية على الصلاة بأنها مكالمات ‘كاذبة’ بالهاتف المحمول، ويتم السجود الى مكان الهيكل وكأنه طأطأة رأس لربط رباط الحذاء. وزيد في المدة الاخيرة تحرش جديد وهو النشيد الوطني غير المحظور لكنه يُغضب المصلين المسلمين جدا.
يقول نائب الوزير بن دهان وهو في الطرف المعتدل من طالبي التغيير لصحيفة ‘هآرتس’: ‘أوافق على ألا يكون في هذه المرحلة صلاة جماعة، لكن يمكن أن ندع الناس يُصلون بضع دقائق كل يوم دون تشويش على الجمهور المسلم. ويمكن أن يُبدأ في ساعة من النهار وقت صعود اليهود الى الجبل’. يُسمح اليوم لليهود بصعود الجبل في الايام العادية بين الساعتين السابعة والنصف الى الحادية عشرة صباحا.
وقد قدم أحد نشطاء جبل الهيكل خطة تختلف شيئا ما الى الوزير. وتطلب الخطة أن يُفرد لليهود مكان بالقرب من باب الرحمة توضع عنده مقاعد وتُمكن فيه الصلاة في ساعات ليست ساعات صلاة المسلمين. وقدم الخطة الأكثر تطرفا ميخائيل بوآه وهو من قادة قسم القيادة اليهودية في الليكود وهي ترسم تغييرا حادا لصورة جبل الهيكل على حسب نموذج تقسيم مغارة الماكفيلا في الخليل، فيها مكان منفصل لليهود وآخر للمسلمين. وعلى حسب خطة بوآه، يكون التقسيم في جبل الهيكل للمكان ولأوقات الصلاة ايضا ويحظى اليهود بمكانة تساوي مكانة المصلين المسلمين على الأقل.
يمكن أن نفرض بقدر كبير من اليقين أن ديوان رئيس الوزراء والشرطة و’الشباك’ سيجتثون الخطط في مهدها، لكن يصعب أن نُقدر كيف ينظر الطرف الثاني الى هذه المبادرات. فالصحف الفلسطينية بخلاف الصحف الاسرائيلية التي لا تُبدي في أكثرها اهتماما بجبل الهيكل، تتناول بجدية شديدة كل ما يُنشر عن منظمات الهيكل.
إن زعم أن اسرائيل تريد أن تنقل ترتيبات الصلاة من مغارة الماكفيلا الى جبل الهيكل يحظى الآن باشتغال طويل في الجانب الفلسطيني مع تحذيرات كثيرة من أن العرب لن يُمكّنوا من ذلك وأن كل تغيير في الترتيبات القائمة سيفضي الى هبة عنيفة. ويسود مغارة الماكفيلا اليوم هدوء نسبي لكن اقامة الصلوات في ذلك المكان تتعلق بحراسة قوات حرس الحدود والجيش الاسرائيلي التي يُزاد في عددها كثيرا في الايام التي يزور فيها المكان عشرات الآلاف من المصلين اليهود. وفي التسوية المستعملة في الخليل توجد عشرة ايام ‘شذوذ اسلامي’ (هكذا يسمى) لا يصل فيها اليهود الى المغارة وعشرة ايام ‘شذوذ يهودي’ لا يصلي فيها المسلمون. وبتوسط من قادة الجيش الاسرائيلي وُسعت ايام الشذوذ لتصبح عشرة ايام ونصفا لكل جانب. لكن حينما حاولوا في الجيش توسيع التسوية لتشمل يوما آخر واجهوا معارضة شديدة من الطرفين اليهودي والمسلم. ويظنون في الجيش أن صد حقوق الديانة المنافسة أهم عند رجال الدين من الطرفين من توسيع حقوقهم هم. والوضع في جبل الهيكل أشد حساسية بسبب أهميته الدينية والتاريخية.
كانت اجراءات حركات اليمين في جبل الهيكل قد استهدفت لتنديدات كثيرة من الاردن (التي ترعى الاماكن المقدسة الاسلامية في القدس)، والسلطة الفلسطينية وحماس وعرب اسرائيل. وإن امكان نشوب عنف في جبل الهيكل يقلق الآن جهاز الامن الاسرائيلي بقدر لا يقل عن انفجار محتمل للتفاوض السياسي أو سوء الوضع الاقتصادي في الضفة. والفرض هو أن حماس ستسارع الى استغلال هذا الحدث الذي يوجد بعيدا عن منطقة سيطرتها في غزة، ويمكنها أن تورط اسرائيل وخصومها في السلطة الفلسطينية. ‘إن جبل الهيكل يشبه المصران الأعور’، يقول مصدر أمني في اسرائيل. ‘فالجبل يمكن أن ينفجر دائما. وإن اجتماع فانتازيات دينية وخلفية تاريخية هو اجتماع خطير دفعنا عليه من قبل ثمنا باهظا’.
يقول المحامي زاهي نجيدات متحدث الحركة الاسلامية: ‘نؤمن بأن الحكومة تقف وراء كل ما يجري في المسجد الأقصى مع نوايا واضحة لتغيير الوضع الراهن’. ويقول إن معنى ذلك أن ‘المؤسسة الاسرائيلية ستكون المسؤولة وحدها عن كل سيناريو في المستقبل يمكن أن يحدث ومن الصعب أن يتوقع مسبقا ماذا سيكون’.

هآرتس 1/11/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية