التحديات في الطريق الى حل سياسي متفق عليه في سورية

حجم الخط
0

تدهور النزاع في سورية منذ زمن بعيد الى حرب أهلية متواصلة ومضرجة بالدماء، يجد فيها النظام والجماعات المختلفة التي ينتمي اليها المعارضون أنفسهم، حبيسين في طريق مسدود وهدام، من دون أن يتمكن أي طرف من ترجيح كفة ميزان القوى العسكري في صالحه.
المفارقة في هذا الوضع هي أنه في ضوء الاستقطاب الداخلي الكبير، سيكون من الصعب جدا ترجمة النصر العسكري (اذا ما، او عندما يتحقق) الذي يسعى الطرفان المتقاتلان الى تحقيقه الى حل سياسي. انتصار ذو مغزى يضمن وقف العنف، ويحفظ الوحدة الاقليمية لسورية ويعيد اقامة جهاز تحكم مركزي يلزم الطرفين في الوصول الى اتفاق سياسي.
وسيتعين على مثل هذا الاتفاق، على الاقل، ان يوفر ضمانات أمن متبادلة للطرفين المعنيين، وبالتوازي يضمن مستوى ما من الشراكة في تسوية سياسية جديدة.
على خلفية هذه الامور ينبغي أن نرى الاعلان عن محادثات جنيف 2 كأمر يعكس الواقع على الارض، والاهمية في تحقيق انهاء للنزاع من خلال اتفاق سياسي. وحسب التقارير فقد تقررت المحادثات في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وهدفها هو تقريب حكومة سورية وقوى المعارضة من تحقيق البيان الرسمي الصادر في حزيران/يونيو 2012 من ‘مجموعة العمل من أجل سورية’ التي عملت بكثافة للتطبيق الكامل ‘لخطة السلام ذات الستة بنود’ التي تقدم بها عنان وهي خطة ركزت على تحقيق وقف مستقر للنار، اضافة الى ذلك، دعا جنيف 1 ايضا الى اقامة ‘حكومة انتقالية تنتخب على أساس توافق متبادل.
فكرة استئناف المساعي، التي بدأت في جنيف في يونيو 2012، حظيت بدعم اضافي في الاسابيع التي تلت التفاهم المتحقق بين الولايات المتحدة وروسيا في موضوع السلاح الكيميائي في سورية، وبعد أن صادق مجلس الامن في الامم المتحدة على تطبيق خطة يونيو 2012 في قرار 2128 في موضوع مخزون السلاح الكيميائي في سورية.
رغم استئناف هذه المساعي الدولية، فلا تزال التحديات هائلة: أولا طالما لا يثق الطرفان الواحد بالاخر، وينظران الى نتائج المواجهة بتعبير ‘لعبة نتيجتها الصفر’، فان ايجاد قاسم مشترك قد يظهر كمهمة عسيرة للغاية. وصحيح حتى اليوم، فان المطلب الاساسي لقوى المعارضة الا يكون بشار الاسد جزءا من حكومة انتقالية يخرج عن نطاق التنازلات التي يبدي النظام استعداده لتقديمها.
خطة جنيف 2012 بقيت بنية مسبقة غامضة بالنسبة لهذه المسألة الحاسمة، إذ دعت الى تسوية تقوم على أساس اتوافق متبادل’، ولكنها امتنعت عن الذكر التفصيلي لمطلب تغيير بشار الاسد، ليس كشرط مسبق ولا كنتيجة محتمة مسبقا للمحادثات. هذه الصياغة الغامضة كانت ثمرة صفقة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا. ورغم ذلك، ففي اعقاب اللقاء الذي عقد في 22 تشرين الاول/اكتوبر 2013 بين االاتئلاف الوطنيب وبين اLONDON 11’، أعرب اللاعبون الدوليون المركزيون، الذين يؤيدون المعارضة علنا، عن تأييدهم لطلب القوى المعارضة للاسد، الا يكون لا للاسد ولا لحلفائه الاقربين دور في الحكومة الانتقالية.
وعلى نحو غير مفاجئ، يصطدم هذا التفسير بموقف الحكومة السورية. فقد رد نائب رئيس الوزراء السوري، قدري جميل، على مبادرة جنيف 2 وقدم تلميحا بموقف النظام في ‘بند الحكومة الانتقالية’. وفي اطار ذلك شدد على أن ‘الفكرة المركزية من جنيف 2 هي اقامة حكومة ائتلاف واسعة تمثل كل دوائر المجتمع’.
ثانيا، القوة التي يوليها النظام السوري لنفسه تساهم في تعقيد المحاولات لتحقيق الاتفاق، فقد تحسنت مكانة الاسد في الاسابيع الماضية، وهو يحظى بقبول دولي متعاظم، بل وربما بالشرعية، في أعقاب تعاونه مع منظمة حظر السلاح الكيميائي. ومن زاوية نظر سورية داخلية، تعزز النظام من ناحية سياسية بعد أن منع العملية العسكرية الامريكية، وهو يستفيد من الانتصارات العسكرية على الارض ومن الخصومة الداخلية المتواصلة في صفوف المعارضة. كما أن النظام السوري لا يزال يمكنه الاعتماد على الدعم المخلص لمؤيديه في الساحة الدولية موسكو وطهران.
على هذه الخلفية من غير المتوقع أن يخفف الاسد من حدة استراتيجية المساومة المتصلبة التي ينتهجها تجاه المعارضة. وبالفعل، بعد أن سمع عن محادثات السلام المقتربة، سارع الرئيس السوري الى الاعلان بانه لا يرى كيف سينجح المؤتمر، بل واضاف انه لا يرى ‘اي عائق’ في العودة الى التنافس على كرسي الرئاسة في الانتخابات التي ستعقد في شهر ايار/مايو 2014.
ثالثا، تبدي المعارضة مستوى مشابها من عدم الثقة تجاه النظام: جورج صبرا، رئيس المجلس الوطني السوري أحد الفصائل المركزية في الائتلاف الوطني صرح بان المجلس الوطني السوري غير مستعد للمشاركة في محادثات جنيف، وهدد بالانسحاب من الائتلاف. كما ان قائد الجيش السوري الحر، الجنرال سليم ادريس صرح مشددا فقال: ‘نحن نؤيد كل حل سياسي، ولكن بشرط واحد: على الاسد ان يقدم الى المحاكمة’، شرط مسبق هو الاخر من غير المتوقع أن يؤخذ به في جنيف. والنتيجة هي اجواء عامة من الشك والتردد في المعارضة، التي ‘فقدت منذ الان الريح لاشرعتها’ بعد ان زال التهديد بعملية عسكرية دولية، وفي اعقابه تقلص تأييد الامم المتحدة التي تساهم هي ايضا في تعقيد المسيرة السياسية.
لقد تأكد هذا الوضع على نحو خاص عقب حقيقة أن الائتلاف الوطني رغم كونه الجسم السياسي المركزي الذي حظي باعتراف دولي كممثل للمعارضة السورية يشهد توترات داخلية، بل وتقليص للدعم من الداخل. وفي داخل سورية تعاظمت النزاعات الداخلية بين جماعات المعارضة، حين شجبت في الاسابيع الاخيرة مجموعات من المعسكر السلفي، التي برزت في معارضتها للاسد الائتلاف علنا، وتنكرت’لدوره كممثل شرعي للشعب السوري. اضافة الى ذلك، فان الجيش السوري الحر لا يتحدى جيش الاسد في ميدان المعركة منذ زمن طويل، وبدلا منه نشأت منظمات منافسة من المعسكر الجهادي والسلفي، التي تنال الزخم، سواء بتعابير الانتصارات العسكرية، أو من ناحية السيطرة الداخلية والاقليمية في المناطق المحررة. وتمس الخلافات الحالية في فرص للتوصل الى حل سياسي لانها تجعل المعارضة شكاكة اكثر تجاه كل تنازل وبالتوازي تطرح شكوكا بالنسبة للائتلاف الوطني، وهل سيكون بوسعه ان يطبق الاتفاق السياسي بشكل يجعل الفصائل الاخرى تتعاون ايضا.
رابعا كي تنجح محادثات جنيف 2، مطلوب من الاسرة الدولية أن تنسق السياسة، معنى الامر اسرة دولية موحدة، تلزم سواء ايران أو السعودية بالموافقة على المسيرة السياسية، واداء دور ايجابي في دفع الطرفين الى تقديم التنازلات. وصحيح حتى الان، رغم أن روسيا ومبعوث الامم المتحدة الى سورية، الاخضر الابراهيمي، دعوا ممثلي ايران الى جنيف فان السعوديين يترددون في فكرة أن تجلس ايران الى الطاولة في جنيف. التنسيق ووحدة الهدف ينقصان ايضا عند الحديث عن اللاعبين الخارجيين، المؤيدين للمعارضة السورية، والامر يبرز اكثر اذا أخذنا بالحسبان اثار عدم التوافق بين الولايات المتحدة والسعودية بالنسبة لسورية.
عند النظر الى هذه التحديات ثقيلة الوزن، نرى أن الاحتمالات ليست في صالح جنيف 2، اضافة الى ذلك، ففي الاسابيع ما قبل المفاوضات يحتمل تصعيد في مستوى العنف داخل سورية، حيث سيحاول الطرفان تحسين مواقعهما العسكرية بهدف زيادة قوة المساومة في مؤتمر جنيف. في ضوء هذا التوقع القاتم، فان على الاسرة الدولية أن تتحد وأن تمارس الضغوط الدبلوماسية والسياسية الكبيرة على كل الاطراف من أجل الوصول الى حل سياسي وسط. كما أنه بقدر ما تكون هذه الامكانية مرغوبا فيها فانها تبدو غير معقولة.

‘نظرة عليا 30/10/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية