الفلسطينيون يُشرّدون بعيدا!

حجم الخط
10

رغم حرارة اللقاء مع فلسطينيي مدينة (غوتبورغ)، وبهجة احتفاليتهم، ودبكة الشباب والشابات المقبلين على الحياة بفرح لا ينسيهم أنهم من مخيمات لبنان، وسورية، وأنهم بالأساس من قرى جليلية لم يولدوا فيها، ولكن أجدادهم عرفوها وعاشوا فيها، وبعض آباءهم وأمهاتهم ولدوا على ثراها وغادروها أطفالاً في (اللفات).
في زيارتي تلك، في شهر أيّار الماضي، حملت هم معاناة فلسطينيي السويد، ليس بسبب الغربة حسب، ولكن لرمادية الجو، وانغلاقه، وانعدام انبثاق ولو خيط شمس من بين الكتلة القاتمة من الغيوم التي تجعلك شبه متيقن من أن الشمس أبدا لا تشرق في سماء هذه البلاد!
كل العائلات هناك تنتظر الصيف لتغادر إلى الشام، أو بيروت، ومخيمات الجنوب والشمال، فالحنين يشدهم للأهل، وللمدن التي نشأوا فيها، ومع ناسها، رغم المعاناة التي دفعتهم للرحيل، والبحث عن ملجأ ومأوى ولو في بلاد لا تشرق الشمس في سمائها إلاّ لماما، وهذا ما يحضهم على (تحويش) الكورون على الكورون ـ وحدة العملة السويدية ـ وتبديله بالدولار السيد الوحيد في بلاد العرب، رغم حافة الإفلاس المالي التي تهوي إليها الإمبراطورية الأمريكية، لتقديم بعض العون دعما لصمود الأهل الصابرين المنتظرين، ولاستعادة العلاقة مع شمس بلاد العرب التي حُرموا منها!.
كثير من هؤلاء الذين التقيتهم في تلك المدينة السويدية هاجروا بعد معركة بيروت 1982، وأوسلو 1993، حين ضاقت بهم بلاد العرب رغم رحابتها، واحتضانها لملايين الأسيويين، والخادمات الآسيويات.
ثاني يوم العيد اتصلت بصديقي الروائي والقاص الدكتور حسن حميد الذي يقضي وقته مشــــــردا عن بيـــــته في حي (السبينة) العشوائي الذي اتسع فوضويا، فكان العيد بثا للشكوى، وتبادل الأحزان، وتفقّد الأصدقاء الذين تشردوا من مخيم اليرموك، والذين تناثروا على هذه المعمورة مـــن (الفلبين) ـ بعض العائلات وصلت إلى تلك البلاد التي تصدر للبطــــــرين العرب الخادمات حتى ترتاح السيدات العربيات من الطبخ ، وخدمة الأطفال، بحيث يبقين مهفهفات معطرات لزوم البغددة وخلافها!_ إلى السويد شمالاً.
يخبرني صديقي حسن: هل تعلم أن صاحبنا القاص أحمد نجم في (أربيل) عند ابنته، وأن أسرته وصلت السويد، وأنه يعيش ممزقا لا يعرف ماذا يفعل.
ثم بصوت متهدج: ثـــــلاثة وعشرون ألفا من أهالي مخيم اليرموك توجهوا إلى السويد..إلى السويد يا رشاد وليس إلى فلسطين، ومدن الجليل وبلداتها المطلة على البحر، وبيارات البرتقال.
يتساءل حسن حميد: لماذا يُشرّد الفلسطينيون؟! من له مصلحة في إبعادهم عن حدود وطنهم فلسطين، وإنسائهم حق العودة، وحمل السلاح والمقاومة لتحرير ما استولى عليه الصهاينة بالقوّة؟!
مكالمة حسن طويلة معتمة أكثر من سماء غوتبورغ، وأشد قتامة.
محمد عادل الكاتب المقيم في الشام، يكتب لي على الفيس بوك: مخيم اليرموك يا صديقي خُرّب ونهب، وأهله شُردوا، ومن بقي قلة، وهم يعانون. ويضيف: كفاءات فلسطينية غامرت بالرحيل من ليبيا في الزوارق ميممة صوب إيطاليا، لاقت حتفها غرقا في الأمواج، وطواها الموت الفاجع، ومن بين هذه الكفاءات أطباء ومهندسون. هناك من سمموا حياتهم واضطروهم للهجرة، للنجاة بأنفسهم، وبأفراد أسرهم، فكان أن تلقفتهم الأمواج، وراحوا بلا قبور، ولا شواهد تحفظ أسماءهم، وتذكّر بهم..طبعا معهم سوريون، وعراقيون، وصوماليون، ولبنانيون، فالبحر البيض المتوسط تحوّل من بحيرة عربية ذات زمن .. إلى بحر للموتى العرب الهاربين من بلادهم اضطرارا وقهرا!
مخيم اليرموك ما زال محتلاً، ومحتلوه إسلاميون من (النصرة)، ومن (الجيش الحر) الذي مسحته (داحش) من ربوع دولتها الإسلامية!
حتى اللحظة يرفض محتلو مخيم اليرموك تركه بالحسنى، ولذا يقاتل في زواريبه شباب من أبناء المخيم، تنظموا في (اللجان الشعبية) لاستعادة بيوتهم بالقوة، بعد أن يئسوا من إقناع (المجاهدين) من ترك المخيم لأهله، والانصراف للجهاد في فلسطين وليس الجهاد لتشريد الفلسطينيين!
كل ما بناه فلسطينيو مخيم اليرموك على امتداد قرابة الستين عاما خرّبه هؤلاء الأشقياء الجهلة خدمة لمخططات تشريد الفلسطينيين، وإحباطهم، وتيئيسهم.
أنا واثق أن أهل مخيم اليرموك سيعودون إلى بيوتهم خلال أسابيع، بفضل بطولة وتضحيات أبنائهم الذين اضطروا لحمل السلاح، هم أبناء الشهداء ـ مخيم اليرموك يحتضن مقبرتي شهداء تضمان الألوف ممن سقطوا فداء لفلسطين منذ انطلقت المقاومة واشتدت بعد هزيمة حزيران 67 ـ وأخوتهم، وأبناء جيرانهم، والذين لن يرضوا بأن يتواصل نزف أبناء المخيم وتشردهم المذل، ومهانة حياتهم بعيدا عن مخيمهم الذي اجتمعوا في كنفه ليكون انطلاقتهم إلى فلسطين، وهذا ما يثبته ويبرهن عليه انضمام الألوف منه على امتداد ثلاثة أجيال للثورة التي كانت بشارة ووعدا بالتحرير.
عيّدت على أصدقائي: ياسين معــــتوق ـ نشر كثيرا من كتاباته على صفحات القدس العربي ـ القيادي محمد غانم، اللواء أبو جمال، وكانوا في مدخل المخيم، وعلمت منـــهم أن مجموعات شباب اللجان الشعبية قد توغلوا في شارعي اليرموك وفلسطين، وأن بعض فدائيي الفصائل، وفي مقدمتهم القيادة العامة يخوضون معركة تحرير المخيم، مهما كانت التضحيات، فقد طفح الكيل وفاض كثيرا، ولا صبر بعد الآن على من يحتلون المخيم، وينهبونه.
الشتاء يقترب، وأول المطر تساقط، والشتاء القاسي آت كما تبشرنا تنبوآت الأرصاد الجوية، وهذا يعني أن أهل مخيم اليرموك سيتبهدلون إذا لم يعودوا إلى مخيمهم ليعيدوا البناء، وليرمموا ما يمكن ترميمه، وليستأنف أبناؤهم وبناتهم دراستهم في مدارسهم.
أستعير من القاص السوري الكبير الراحل سعيد حورانية عنوان مجموعته (شتاء قاس آخر)، وأقول: لا يجب أن يعاني أهلنا، أهل مخيم اليرموك شتاء قاس آخر، ومن شردوا أهلنا عليهم أن يدفعوا ثمن جريمتهم، وهي آتية وقريبة بحسب ما أتوقع، وهذا ما يجب أن يحدث لكي تكون فيه عبرة لكل من يتطاول ويعتدي على شعبنا، ليس في مخيم اليرموك، ولكن حيث يتواجد شعبنا، فلا يجب أن نبقى (حيط واطي) لكل أفّاق متآمر…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول dr karime:

    بوركت

  2. يقول شرحبيل:

    أتبكي على ليلى وأنت تركتها ……..لقد ذهبت ليلى فما أنت صاننع …؟

  3. يقول أحمد:

    بعد قراءة المقال أصبحت أستوعب مدى عدم جدوى القتال ضد المغتصب الصهيوني. كاتبنا المحترم يعرف قبل الآخرين وأكثر من الآخرين أن من إستوطأ حيط الشعب الفلسطيني هو النظام السوري على مدى العقود الأربعة الأخيرة وكان هذا النظام من أكبر المتاجرين بالدم الفلسطيني وحتى في مخيم اليرموك وحصاره المستمر من قبل النظام السوري في الفترة الأخيرة دليل على واضح على طبيعة هذا النظام. أما القول أن التهجير والتنكيل جاء بسبب العصابات المسلحة كما يريد أن يقنعنا السيد أبو شاور فهذا مجافي لحقيقة الأمور على أرض الواقع وفي الحقيقة لاأستغرب ذلك من كاتب يصف عناصر الجبهة الشعبية – القيادة العامة- ؟

  4. يقول أبو غضب:

    مع انني ضد بقاء الدكتور بشار على سدة الحكم في سوريا، إلا انني اشعر بالغضب من هؤلاء الجهلة كما وصفهم الاخ رشاد ، الاردن تمنعهم من الدخول اليها ولبنان غير مؤدب بتعامله مع الفلسطينيين، يعني لم يبقى لهؤلاء غير السويد والتي هي مشكورة ومشكورة ومشكورة لاستقبالها اللاجئين العرب قبلها من العراق والان من سوريا.

  5. يقول سامح // الامارات:

    مع احترامي لرأي الكاتب .
    نصر الله : الشعب السوري الأبي …والشعب الفلسطيني الأبي .
    وفرج كربهم وهمهم .
    بالنسبة ( لمخيم اليرموك ) : جميع القوى ع الساحة السورية …( إشتركت )
    في تخريبه وتدميره وتشريد أهله وسكانه …والنظام السوري الهمجي :
    دكه دكا …بالأسلحة الثقيلة …بحجة مقاتلة الإرهابيين …؟؟؟!!!
    يا شعب سوريا …لكم الله .
    يا فلسطينيي سوريا …لكم الله .
    شكرا .

  6. يقول الرمحي:

    هلا ذكر لنا حضرة الكاتب كم عملية بطولية ضد اسرائيل خرجت من سوريا- وهل يذكر لنا من دمر البيوت قوق اصحابها بالبراميل المتفجرة والصواريخ- لماذا يصر على تبرئة النظام من كل جرائمه وكأنه حمل وديع – أولا يعرف كاتبنا المبجل تاريخ النظام السوري ضد المخيمات وحصارها – اتق الله يا رجل

  7. يقول Adam:

    كل الشعوب العربية توافقك الرآي بان القاعدة والنصرة والحر جنود الصهاينة وينفذون مشروعهم بقتل العرب سواء كانوا سورين او فلسطين فهل يريدون منا ان نقف الى الجانب الارهابين وبان نصدق اقوالهم ونكذب ما نراه باعيوننا على ارض الواقع الفلسطينين عاشوا بين الشعب السوري في المخيمات لاكثر من ستون عامآ معززين ومكرمين ولافرق بينهم والمواطنين السورين لهم حقوق وعليهم واجبات ولاكن عندما دخلوا عملاء الاسرائيلين الارهابين المجرمين قتلوا الشعب وشردوه الى العالم باسم الحرية والدمقراطية ولن تكتمل الحرية والدمقراطية الا بقتل الشعب الفلسطيني وتشريده على ايدي الارهبيون المجرمين التي اجسادهم تنفح منها علاجات اسرائيلية , هل الذي يريد للشعب الحرية يقتله بالكيماوي هل الذي يريد للشعب الدمقراطية ينحره ويأكل اكباده هل الذي يريد التطور يهدم منازله وسرقة مصانعه وهل الذي يريد حكم الشريعة يهدموا بيوت الله ويتعالجون لدى الصهاينة بالله عليكم ماهو الفرق بين الصهاينة وهولاء الاهربين المجرمين , ان الله اصدق القائلين ومن يتولاهم منكم فهو منهم وهولاء هم منهم بعد تلك الجرائم التي يندي منها الجبين بحق الشعب السوري والفلسطيني فاصبح لدى الشعبين قناعة بانه لا فرق بين الارهابي والصهيوني فكلهم اعداء الله , فقتلوا الارهابين اينما وجدتموهم والله يعظم اجركم ويزيد من حسناتكم , والله عندما اشاهد ارهابيآ مقتولآ ومرمي على الارض والذباب تأكل جسده والله انني ارتاح نفسيآ وعقليآ وجسديآ كأنني كسبت كنوز الدنيا ومافيها .

  8. يقول احمد العربي:

    شكرا جزيلا للكاتب العربي الفلسطيني المحترم رشاد ابو شاور على ارائه النيره في وسط الجهالة والحقد وعمى البصيرة ايضا !! حال مخيم اليرموك هو حال كل الاحياء والقرى التي دخلها الجهاديون بحجة تحريرها وهم يعلمون علم اليقين ان الجيش السوري لن يسمح لهم ابدا بهذا الاحتلال والتعدي على سيادة الدولة السوريه ومع هذا مازالوا يواصلون اعمالهم الاجرامية هذه ثم يتباكون ويصرخون ان الجيش السوري يقصف ويدمر ويهجر !!ماهذا المنطق الاعوج وأي نظام في العالم يسمح بمثل هذا ؟!! وخصوصا ان معظم من يقومون بهذه الاعمال هم ليسوا سوريون وهدفهم الوحيد القتل والتدمير الى مالا نهايه فلايؤمنون بحريه ولا ديمقراطيه ولا من يحزنون ولا يهمهم ان يموت الناس او يشردون يهمهم فقط مااستقر في اذهانهم انهم ذاهبون الى الجنة وسوريا هذه ارض الجهاد ! فشل المخطط وشبع فشلا وتبخر الجيش الحر وتلاشى وسيطرت داعش وجبهة النصرة واخوات القاعدة على المشهد وما يزال البعض مصرون ان في سوريا ثورة من اجل الحريه .. على من تبقى من الجيش الحر اذا كان فعلا حرا ان يضع يده بيد اخوته في الجيش العربي السوري ويعملوا معا على طرد الغرباء التكفيريين من بلادهم فهؤلاء التكفيريين لافرق عندهم بين حر ونظامي ويكفرون الجميع !!

  9. يقول mhamad:

    لله درك. نشكرك ولك وعليك السلام لأن الفلسطيني وفي كل بقاع الأرض يعلم بأن يحفظ بذاته لكم الاحترام, ولك مني إحترامي لصدقكم المسموح بنشره بصحيفة كالقدس العربي,

  10. يقول نوال شحادة السلطي:

    شكرا لك السيد رشاد أبوشاور عظيم في كل كتاباتك وبصدقك… تحياتنا نوال السلطي .. وأمين السلطي…

إشترك في قائمتنا البريدية