قضية العبودية في دور السينما هل تصحح المفاهيم؟

حجم الخط
0

أنتجت السينما الأمريكية خلال العام الماضي فيلمين مهمين يستعرضان قضية العبودية في امريكا، الفيلم الأول كان (الخادم) تلاه فيلم (12 عاما من العبودية) والذي نال شهرة واسعة نتيجة حصوله على أهم جائزة للأوسكار (جائزة أفضل فيلم).
عدة قواسم مشتركة بين الفيلمين أهمها الاعتماد على قصة حقيقية وتحويل الرواية الأدبية الى فيلم سينمائي بنجاح فني باهر، بالاضافة الى القاء الضوء على حقبة سوداء في التاريخ الأمريكي، أستمرت ذيولها لقرن من الزمان.
الاختلاف الرئيسي بينهما يكمن في أن فيلم «الخادم» يصحبنا في رحلة طويلة تمتد من بدايات العبودية في زمن الاقطاعيين وصولاً الى تتويج باراك اوباما كأول رئيس أسود مُنتخب في البلاد، مع القاء الضوء على المحطات الرئيسية لهذه القضية على امتداد التاريخ الأمريكي وخصوصاً مرحلة العنصرية ضد السود، في حين أن الفيلم المفضل لدى النقّاد هذا العام (12 عاما من العبودية) يركز على مرحلة العبودية في منتصف القرن التاسع عشر من خلال عرض قصة كفاح بطل الفيلم (مؤلف الرواية الأصلية) والمعاناة التي عاشها السود في تلك المرحلة.
بعيداً عن النجاح الفني والتألق الذي تمتع به الفيلمان فان اللافت هو جرأة السينما الأمريكية عموماً في طرح أزمات ومشكلات المجتمع ومناقشة قضاياه بكل موضوعية وشفافية وبحياد تام.
صحيح أن الولايات المتحدة ما زالت تعاني الكثير من المشاكل، سواءً على صعيد التفكك الأسري أو التباعد بين خطوط العرقيات المختلفة داخل مجتمعاتها، أو حتى على الصعيد الفكري والأخلاقي، بالاضافة الى التحديات الكبيرة التي تواجهها على المستويين الاقتصادي والسياسي، مما يشير الى أنها ليست أنموذجاً للمدينة الفاضلة بالتأكيد، ولكن بالرغم من كل هذا علينا أن نعترف ونشيد بقدرتها على مواجهة مشكلاتها، في الوقت الذي ما زالت مجتمعاتنا الشرقية تعاني فيه من قصور شديد في هذه الناحية.
من المعروف أن تحديد المشكلة والوقوف على أسبابها هو نصف الحل، ويبدو أننا ما زلنا نعاني من مشكلة أساسية وهي عدم قدرتنا على مواجهة مشكلاتنا والاعتراف بأخطائنا وقصورنا، سواءً على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو حتى القيادات والنخب السياسية، ونعتقد أننا اذا تجاهلنا المشكلة فأنها ستندثر وتنتهي بالتقادم، وهذا خطأ أعظم من الوقوع في المشكلة بحد ذاته!!
فبعد أن حبانا الله بالاسلام الذي عالج كل مشاكلنا الدنيوية والروحانية (ومن ضمنها العبودية) ودفع بالأمة الاسلامية لتتبوأ صدارة الأمم المتحضرة وتقود هذا العالم، من الواضح أننا فشلنا في التعامل مع المشكلات التي طفت على السطح بعد ذلك وانزلقنا في مستنقع الخلافات، لنقبع في مؤخرة قائمة الأمم، ونتصدر قائمة الأمم «المُتخلفة».
في الوقت الذي تتعافى فيه المجتمعات الغربية من مشكلاتها المزمنة وتغسل وسخها رويداً رويداً، نقف نحن مكتوفي الأيدي مُكتفين بترديد شعارات عن المثالية، وحين يتطلب الأمر نغوص في أعماق تاريخنا العريق كي نتلذذ بريادتنا للأمم ونثبت أننا الأفضل والأحسن، والأهم من ذلك أننا على النهج السليم في حين أن الغرب باع آخرته وأشترى دنياه!!
مجموعة كبيرة من التناقضات التي تعيشها مجتمعاتنا، وفجوة حضارية هائلة تفصل بيننا وبين العالم الغربي، وما زلنا غير قادرين على مواجهة أنفسنا وتحديد مشكلاتنا، بل حتى الحديث عنها والبوح بها.
لقد ذُهلنا جميعاً خلال السنوات الأخيرة من مدى تورطنا في أزمات ومشكلات عويصة تكاد تكون عصيّة على الحل وتحتاج على ما يبدو الى عقود من الزمن للتخلص منها، وعلى رأس هذه المشاكل، الطائفية والتطرف الديني بل وحتى الفكري، فعالمنا العربي من أقصى الشرق الى أقصى الغرب يعج بالاقتتال الطائفي والاختلافات الفكرية والحزبية، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما تشهده الساحة العربية من مناحرات وتجاذبات بين سُنّي و شيعي، مُسلم وقبطي، مواطن وأجنبي، عربي وأمازيغي، اخونجي وعلماني وقس على ذلك. ولو قامت السينما العربية بعرض شفّاف لأحدى هذه القضايا لقامت حروب ولشُرّدت طوائف.
لا حل لمشكلاتنا بدون أن نعترف بها أولاً وبفشلنا في التعامل معها ومن ثم وضع الحلول لها، وهذا ليس مقتصرا على الحكومات أو المُفكرين والمثقفين فقط بل هو واجبٌ على المجتمع ككل. مع الاعتراف بأن الرموز الفكرية وأصحاب القرار لهم اليد الطولى في حل مشاكل المجتمعات المُزمنة، فلم يكن بالامكان القضاء على مشكلة العبودية لولا جرأة الرئيس لينكولن وقيامه بتعديل الدستور والغاء كافة قوانين العبودية، رغم المعارضة الكبيرة التي واجهها، ولولا قرار الرئيس كندي بالغاء كافة قوانين التمييز العنصري رغم اعتراض رموز المجتمع آنذاك، دون أن ننسى الدور الذي قام به المفكرون من أمثال مارتن لوثر كينج في النضال من أجل نيل الحرية والمساواة، ومن المؤسف أن جميع من ذكرت دفعوا حياتهم ثمناً لقيادتهم لثورة «التغيير» في مجتمعاتهم!!
أختم حديثي بحوار تضمّنه فيلم (12 عاما من العبودية) حيث ينتقد أحد الأشخاص (البيض) الظروف المعيشية للعمّال (العبيد) في احدى المزارع فيرد عليه صاحب المزرعة بأن هؤلاء ليسوا عُمّالا أو مُستأجرين، بل هم جزء من أملاكه بعد أن دفع ثمنهم حسب القانون، فيرد عليه: القوانين تتغير بينما الحقيقة والقيم المطلقة لا تتغير، ماذا لو استطاع السود أن يتحكموا في القوانين وجعلوا من البيض عبيداً لهم؟! ما هو حق وصواب فهو حق وصواب للجميع وليس لفئة دون غيرها، والحق الذي أراه أن البيض والسود متساوون أمام الله.
صحيح أننا لم نعش في مجتمعاتنا الشرقية تفرقة بين أبيض وأسود، ولكننا نعيش تفرقة من نوع آخر، لقد بدّلنا الكلمات ولم نحل المشكلة، ولا أرى حلاً لمشكلاتنا دون أن نواجهها ونقود ثورة تغيير حقيقية في مفاهيمنا.

كاتب من الاردن

أيمن أبو لبن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية