حكاية عملية فدائية نفذها مجند مصري في النقب!

أسمح لنفسي بقطع سياق «العنف المسلح» في مصر قبل وبعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 مرة أخرى، بتعليق سريع على مشهدين حدثا الاسبوع الماضي، وتاها وسط سحب «الحرب» المشتعلة بين طوائف وأحزاب وجماعات مذهبية متناحرة؛ لا تشبع من العنف ولا ترتوي من الدم، ولا تتيح فرصة لهدنة أو فترة لالتقاط الأنفاس.
المشهد الأول.. تمثل في منع كاتب بوزن فهمي هويدي من السفر بقرار لم تصدره سلطة تحقيق قضائية، وموقفه معروف من ثورة 30 حزيران/يونيو ومعلن، وإذا ما لمنا مُصدر قرار المنع، كنا نأمل من الكاتب المعروف أن يوفر جهده لدور يحتاج استجماع ما تبقى من عقل وحكمة، في انتظار اتفاق أصحاب قرار «الحرب» العسكرية والنفسية الضروس على وقفها، ومشكلة كثير من «المتحاربين» أنهم ألقوا بالاتزان جانبا، ودخلوا مناطق محظورة، وعلى سبيل المثال فقد تمادوا في إهانة شعب مصر؛ فهو من العبيد تارة، والمخدوعين والأغبياء تارة أخرى؛ يُنعت بالإجرام والانحراف والفساد والكفر، والمخضرمون، ومنهم الكاتب المعروف خبراء في فهم عداوات أصحاب القرار العرب؛ تنتهي بـ»تبويس اللحى» وبتقديم «الأنفار» قربانا على مذبح «الأخوة الأعداء»؛ يتسلون بهم على موائد المنادمة، ويستمتعون بطعمهم كمشهيات للمسامرة. ولا يمكن للخلاف أن يمنع من الوقوف مع حق هويدي أو غيره في الخروج والسفر، ويجب أن نضم أصواتنا إلى الأصوات التي تطالب وزير الداخلية بإعلان أسباب المنع، أو تقديم الاعتذار عن ذلك القرار المتعسف!.
المشهد الثاني.. اغتيال شاب في بداية الثلاثينات من العمر؛ اسمه محمد فتحي أمام منزله في قرية «ناهيا»، عقابا على رفض التطرف والعنف الغالب على هذه القرية؛ مسقط رأس عبود وطارق الزمر وعصام العريان، وعدد آخر من «القطبيين». وكان شابا متفانيا؛ لا يبخل بخدماته في «ميدان التحرير» أثناء فترة الثورة وبعدها. وكان بسيطا ومسالما وخلوقا، كثيرا ما ترك عمله في تجارة قطع غيار السيارات، ليساعد مصابي الثورة ويعاون الوافدين من خارج العاصمة، ولم يكن قد تزوج بعد، وممارسة الاغتيال؛ سلوك ينذر بخطر عميم في ظروف شديدة التوتر والتعقيد.
ومنع هويدي من السفر واغتيال فتحي أعمال مدانة؛ في بيئة تبَاعَد فيها التسامح وازدادت فيها روح الثأر، والحل حتى تضع هذه «الحرب» أوزارها هو في أن يشق القانون مجراه، وفي وقف تلك الفوضى الأخلاقية والسياسية والمجتمعية.!!
وأرد على من سألوني عن مغزى الاستمرار في ملفات «العنف المسلح»، فأذَكّرهم بما نُشر مرارا على هذه الصفحة عن الذاكرة الوطنية والقومية، والحاجة الماسة لاستعادتها وعلاج تشوهاتها وإحياء ما تختزنه من تجارب يجب أن تُعرف للأجيال الجديدة.
ويعيدنا ملف اليوم إلى دور الفرد، الذي يتحول إلى بطل يواجه الانتهاكات الصهيونية الدائمة ضد مصر (سيناء) وفلسطين وغيرهما؛ ولم يكن أكثر من مجند عادي.. اسمه أيمن محمد حسن؛ ولد 18تشرين الثاني/نوفمبر 1967 بمدينة الزقازيق، بعد نكسة 1967 بشهور قليلة، ومن الواضح أن هناك من يسقطه عمدا من ذاكرة الوطن، وهو ابن بار من محافظة الشرقية؛ موطن أحمد عرابي، الذي واجه «الخديوي توفيق» في 9 ايلول/سبتمبر 1881 ناقلا إليه مطالب الشعب في ساحة «قصر عابدين» بالقاهرة، وقال «الخديوي» في تبرير رفض المطالب: «كل هذه طلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا»، ورد عرابي من على ظهر جواده وعلى رأس جنوده: «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا وعقارا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم»!.
وأثناء خدمة أيمن حسن العسكرية، لمح جندياً صهيونياً يمسح حذاءه بعلم وطنه. وفي رد فعل سريع قرر الانتقام منه في الحال، لكنه تراجع. وفي حوار معه منشور على موقع «منتدى الجيش العربي» الألكتروني قدم تفسيرا لذلك التراجع.
ذكر في حديثه: أنه عندما شاهد من موقعه العسكري على الحدود في نوبة خدمته جنديا صهيونيا يمسح حذاءه بعلم مصر الذي وقع من مكانه فوق سارية النقطة 80 الحدودية الملاصقة لموقعه.. أبلغ قائده، وبدلا من اعتذار الجندي الصهيوني؛ تمادى وطرح زميلته المجندة المناوبة، ومارس معها فعلا فاضحا فوق العلم، وقال أيمن حسن بين نفسه: «طلبت موتك يا عجل» وقرر إطلاق النار عليهما في الحال وكان في وضع استراتيجي على ارتفاع 1600 متر؛ يسمح بذلك؛ لكن تفكيره هداه إلى إعداد نفسه لعملية فدائية كبرى؛ تستهدف قادة ومستوطنين إرهابيين وعلماء وخبراء في مفاعل ديمونة النووي؛ يراهم يمرون من أمامه يوميا في توقيت ثابت.. السادسة صباحا.. وخلال 46 يوما أعد خطته المحكمة، ونفذها فجر 26 تشرين الثاني/نوفمبر 1990؛ كعملية متميزة تُدرس الآن فى معاهد وأكاديميات عسكرية عدة!.
ويستطرد: «انطلقت داخل حدود العدو الإسرائيلي من موقعي العسكري على التبة الصفراء بمنطقة رأس النقب في جنوب سيناء، وقد فكرت وخططت للهجوم العسكري بالأسلحة والذخيرة»
رد أيمن حسن وحده بوازع ذاتي على تدنيس علم مصر، وانتقم وحده لمذبحة المسجد الأقصى، ونفذ وحده عملية فدائية نوعية؛ راح فيها 21 ضابطاً وجنديا صهيونيا، وجرح 20 اخرين؛ وتمكن وحده من مهاجمة سيارة جيب وحافلتين لنقل الجنود والضباط.!
وعبر في ذلك الحوار عن سعادته؛ بسبب القَدَر الذي ساق إليه ضباطا كبارا؛ منهم عميد في جهاز المخابرات العسكرية (أمان)؛ عرف عنه فيما بعد أنه نفذ عمليات اغتيال في أكثر من بلد عربي، ونفى أيمن حسين أن يكون عضوا في أي تنظيم جهادي أو حزبي، وأنه لم ينسق مع أي جهة أمنية أو عسكرية مصرية رسمية؛ واصفا نفسه «مواطن مصري معاد لإسرائيل؛ تأثر بزميله الجندي سليمان خاطر، ومن قبله الزعيم التاريخي أحمد عرابي».
وعن الأسلحة التي نفذ بها عمليته ذكر أنه استولى عليها من وحدته، وبها أسقط في زمن قياسي لم يتعد العشرين دقيقة كل ذلك العدد من القتلى والجرحى.. كان فيهم الجندى الذي أهان العلم، وعميد المخابرات العسكرية. ولم يصب هو سوى بجرح في الرأس، ونجا بأعجوبة في مطاردة أسطورية، وسارع إلى داخل الحدود المصرية ليسلم نفسه.. معترفا بما قام به، وليحكم عليه فى 6 نيسان/أبريل 1991 بالسجن لمدة 12 عاماً.
وخرج بعد قضاء عشر سنوات، وعانى من معامله جهاز «مباحث أمن الدولة». وتحمل ملاحقاته، وسد أبواب الرزق أمامه.
لم يسلم البطل من النصابين؛ والوعود الكاذبة، منها وعد بمشروع يقيمه رجل أعمال لحسابه، وهرب صاحب الوعد ولم يعد، وعرف صدفة أن شخصا جمع له تبرعات من الجالية المصرية في دولة خليجية وصلت آلاف الدولارات، ولم يصله منها دولار واحد!!.
هذا بعض سيرة بطل خاطر بحياته، ويعمل الآن «سباكا» متنقلا، ولا يمتلك محلا لمزاولة مهنة تركيب وإصلاح أدوات الحمامات والمطابخ ومواسير المياه والصرف الصحي!!. وتاه وسط زحام النصابين والسماسرة والبلطجية وأغنياء التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب؛ كلهم يسرحون ويمرحون، وقد نراهم يحتلون مقاعد البرلمان القادم؛ يشرعون لأنفسهم، ويتحكمون في مصير البلاد ويحتكرون أرزاق العباد!!

٭ كاتب من مصر يقيم في لندن

محمد عبد الحكم دياب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول متابع فلسطيني:

    متوازن

  2. يقول يحي:

    الله أكبر ، تحية الي الكاتب و الفداءي محمد عبد الحكيم دياب الذي يزودنا بمعلومات ندر وجودها عند مصدر آخر !

إشترك في قائمتنا البريدية