الدستور شجرة بلا ثمر ولا ظل له إن لم يطبق

حجم الخط
4

■ التحديات التي تواجه مصر ـ أيا كان الرئيس والحكومة والبرلمان ـ تحديات كثيرة ومحيرة، ولكن الحيرة تذهب، وتقل التحديات تدريجيا أمام اختيار الطريق الصحيح للوصول الى الهدف المنشود والغاية النهائية، مما يستوجب التخطيط الاستراتيجي وتطبيقه عملا لا اسما، وجوهراً لا شكلاً.
قراءة سريعة في الدستور الجديد، الذي حظي في الاستفتاء عليه، بموافقة ودعم شعبي كبير، وفي ضوء قراءة الواقع، تبين أن التحديات في مصر معقدة وكثيرة، ويمكن إجمالها في ضرورة الحفاظ على مصر موحدة، وتكاملها مع الأمة العربية وانتماءاتها الاسلامية وامتداداتها في القارة الافريقية، وصيانتها للوحدة الوطنية على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، وأن يقوم النظام السياسي فعلا على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الانسان وحرياته، كما هو واضح ومنصوص عليه في المادة (5) من الدستور.
الالتزامات التي في الدستور على الدولة كثيرة، وأهمها تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين بدون تمييز. ولكي تفي الدولة بتلك الالتزامات العديدة، ينبغي أن تكون هناك هيكلة جديدة تقضي تماما على البيروقراطية التي تعوق أي خطط وأي تقدم. كما أننا بحاجة الى ثقافة جديدة تعين على الوفاء بتلك الالتزامات العديدة.
يرى بعض الغربيين أن تقدم الأمم يقاس بخمسة أمور، أولها العلم وتطوير العلم والحرص على العلماء ودعم التعليم واحترام المعلم. وثانيها، الاكتفاء الذاتي في الزراعة والتصنيع والحرص على الاستقلال. وثالثها، أن يكون تمييز الناس وفق قدراتهم وعلمهم «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ». ورابع تلك الأمور، الانفتاح على العالم الخارجى والتفاعل مع الآخرين. أما الخامسة والأخيرة فهي الحفاظ على القيم الاخلاقية ومنها الوفاء بالعهود والوعود، واحترام الآخرين وتوفير الأمن والاستقرار. هذه الأمور الخمسة، تجمع بين التقدم المادي الملموس، والتحلي بالقيم الاخلاقية. وإذا كان هذا هو ما يراه الغربيون فما بالك بما يجب أن يراه الشرقيون؟
وفي دستورنا الجديد، تنص المادة (19) على أن « التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله وتوفيره، وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون.
وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لا تقل عن 4٪ من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها «.
النص الذي يتعلق بالتعليم واف وكاف، وأهم ما فيه، بناء الشخصية المصرية وتأصـــيل المنهج العلمي في التفكير، والاشارة الى المعدلات العالمية.. التحـــديات كبيرة كما أقول ونقول جميعا. وتنــص المادة (10) على أن الأسرة هي أساس المجتمع، وقوامها الدين والأخلاق والوطنــــية، وتحرص الدولة على تماسكها واســتقرارها وترسيخ قيمها».
النصوص الدستورية، شأنها شأن أي نصوص حتى القرآنية منها، إن لم نجــــد من يحرص على تطبـــيقها، ونقلها الى حيز التنفيذ والتطبيق، تظل نصوصا جميلة ولكنها نظرية، ولن تكون لها قيمة في حـــياة الوطن والمواطنين إلا عند التطبيق الواعي. قال لي عالم ذات يوم جاءه حافظ جديد للقرآن وكان العالم يعرف عنه عدم الاستقامة، فقال له يابني مبروك، لقد زادت نسخة من المصحف.
صحيح ان التعليم وتطويره أساس مهم جدا، وكذلك الصحة، ولكن تظل الأسرة والسعي الى تماسكها كما جاء في الدستور، هي الأساس المتين الذي يقوم عليه البناء والتماسك المجتمعي. هناك جملة صغيرة الحجم كبيرة المعنى وغزيرة في القيم، تقع هذه الجملة في المادة الثامنة وتقول: «يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعي، وتلتزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير سبل التكافل الاجتماعي بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين». ما أجمل المجتمع إذا قام على التضامن الاجتماعي، وما أجمل الوطن إذا التزمت الدولة بتحقيق العدالة، وهذا طبعا مطلب ثوري، التكافل الاجتماعي يحل العديد من التحديات والضغائن والكراهية.
أما باب الحقوق والحريات والواجبات العامة كله، الذي ينص على أن الكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها، وأن التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم، وأن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وأن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.
كل الذي أوضحه الدستور أيضا نصا، ويتعلق بالدولة ومقوماتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما يدخل في إطار العيش والحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة، يحتاج الى بيئة جديدة وثقافة جديدة لا يمكن أن يتم ذلك بدون تطوير البيئة الملائمة والثقافة التي تقبل هذا التطبيق. نستطيع في ختام هذا المقال أن نوجز التقدم في الوطن العربى كله، وفي مصر خصوصا في ما يلي، التقدم العلمي والتعليمي، والمحافظة على الاخلاق والقيم كما هو منصوص عليه في الدستور، وكلها مأمور به في الدين عموما وفي الاسلام خصوصا، فالمسلم مأمور بالدعاء الجميل « وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْما»، ومأمور كذلك بالاستقامه وهي جزء مهم جدا من الخلق، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ». وعلى كل مسؤول في الوطن يقع هذا العبء الكبير كل حسب موقعه.

٭ كاتب مصري

د. كمال الهلباوي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول كمال التونسي:

    (الدستور شجرة بلا ثمر ) يقول الكاتب …كان الأجدر أن تقول ( الدستور ثمرة بلا شجرة ) يعني دستور لا أساس ولا رأس مسقط على الشعب …ربي أكتب لنا حسن الخاتمة

  2. يقول سامى/ نيويورك ..... لابد لليل ان ينجلى:

    ( يقاس تقدم الامم بخمسة امور ، اولها العلم وتطوير العلم والحرص على العلماء واحترام المعلم ) !!!!!!
    الانقلابيون وحواريوهم فى المحروسة خافوا على العلماء وأساتذة الجامعات و الاطباء والمهندسين والمحامين والنابغين من طلبة الجامعات خافوا عليهم من الحسد ( لان زى مااحنا عارفين عين الحسود فيها عود ) قاموا حطوهم فى السجون والمعتقلات للاستجمام والتأمل!!
    وعلشان يبقوا على حريتهم فى المعتقلات قاموا بإفراغ السجون من سكانها الاصليين من بلطجية وشبيحة وقوادين وتجار مخدرات !!
    نعم اللا دولة ونعم اللا نظام !!
    أسوأ شئ فى الدنيا ان الانسان يغير مبادئة من اجل جاه او منصب او مال.
    وسيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون.
    والسلام للواء كفتة…. عفوا.. اقصد سيادة اللواء كفتة.
     

  3. يقول علي محاسنه:

    الدستور المصري صار في الخرج منذ التصويت عليه بل لعله قد اكله الحمار على حسب مسرحية غوار

  4. يقول مالك من المغرب:

    نسأل الله الثبات والموت للخونة

إشترك في قائمتنا البريدية