وجود حمدين في الانتخابات له تأثير على مستقبل المعارضة… والأغذية الفاسدة تنمو في تربة نقص الرقابة الصحية

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي امتلأت صحف السبت والأحد من أولها إلى آخرها بالانتخابات التي ستبدأ اليوم وغدا، والصمت الانتخابي الذي بدأ بعد منتصف ليل الجمعة وشمل الحملات الانتخابية، وامتد ويا للغرابة إلى بعض المنازل بين الزوجين، وهو ما أخبرنا به السبت في «اليوم السابع» زميلنا الرسام الكبير محمد عبد اللطيف، الذي قال ان قريبا له مفلسا دخل على زوجته فوجدها تقدم له طلبات البيت، لكنه وضع يده على فمه وحمل يافطة مكتوبا فيها «صمت انتخابي».
وسبق الصمت مؤتمر حاشد في ميدان عابدين، تحدث فيه زميلنا وصديقنا حمدين صباحي، كما تحدث السيسي في لقاء مع الكثير من مقدمي البرامج في القنوات التي لم يجتمع مع من يمثلها، وقد واصل السيسي إظهار المزيد من الثقة في تحسين الأوضاع بعد سنتين، كما وعد، وفي توفر التمويلات اللازمة، وأعاد التأكيد، بطريق غير مباشر، على أن أي حديث عن المصالحة يكون مع الذين لم يتورطوا في أعمال عنف، وأن الإخوان لم يقدموا للشعب ما يثبت أنهم تخلوا عنه.
لكن هناك خبرا لم يلق اهتماما كافيا، وهو سفر اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح إلى روسيا، وهو ما يعني أن الاتفاق على إعلان صفقة الأسلحة التي ستمولها السعودية والإمارات قد يتم بعد فوز السيسي، وتشمل طائرات ميغ خمسة وثلاثين، وشبكة صواريخ إس ثلاثمئة المضادة للصواريخ، لتكون أول إنجازاته وما سيتلوها من إفراج أمريكا عن شحنات الأسلحة الموقوفة.
وقيام وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي باستعراض قوات المظلات والصاعقة التي ستقوم بتأمين اللجان الانتخابية، وتوعد الإخوان، وكل خائن على حد قوله، من الاقتراب وأن الجيش على كامل استعداده. وتفقد وزير الداخلية قوات الأمن المركزي والتدخل السريع، وصرح المتحدث باسم الوزارة صديقنا العزيز اللواء هاني عبد اللطيف، بأن من سيقترب من اللجان للقيام بأعمال إرهابية لا يلوم إلا نفسه.
وامتلأت الصحف بالنداءات لضرورة التوجه للجان وحافظت هي والتلفزيون الحكومي على أكبر قدر من الحياد.
ومما ذكرته الصحف قيام سلطات مطار القاهرة بمنع زميلنا الكاتب الإسلامي الكبير فهمي هويدي من السفر إلي اسبانيا لحضور مؤتمر، وسارع مكتب النائب العام الى إصدار بيان اوضح فيه، أنه لم يصدر هذا الأمر، أي أنه صادر من جهة ما لم توضح أسباب وضع اسمه على قوائم الممنوعين، وهو عمل غير مقبول.
والقبض على شقيق الفنانة الجميلة راندا البحيري أحمد طلعت محمد حسن، وهو صاحب معرض سيارات، أثناء مشاركته يوم الجمعة في مظاهرة للإخوان في شارع جامعة الدول العربية، وهم يطلقون الشماريخ والألعاب النارية ويعطلون المرور. وإصدار محكمة جنايات القاهرة حكما بالسجن المشدد خمس سنوات على واحد وعشرين من الإخوان الذين شاركوا في مهاجمة مشيخة الأزهر وإتلافها، وبراءة تركي، وتجديد حبس تسعة وثمانين من أفراد الجماعة خمسة عشر يوما في محافظة الشرقية، وتأجيل محاكمات آخرين بسبب الانتخابات.
ونشرت الصحف الإعلان عن نجاح قوات الجيش والشرطة والقبائل في سيناء في قتل شادي المنيعي وثلاثة معه، وطرح وزارة الزراعة في المزاد العلني أربعين ألف فدان في شمال سيناء بشرط تخصيص عشرة آلاف لأبناء المحافظات الأخرى، وارتفاع جديد في سعر السولار. واستمرار العمل في المسلسلات التلفزيونية التي سيتم عرضها في شهر رمضان. ومن الاخبار المؤسفة خبر وفاة زميلنا وصديقنا سعد هجرس، وهو ما أوجع قلبي عليه، وأنا أتابع اختطاف الموت كل مدة أبناء جيلي وليرحمنا الله جميعا.. وانا لله وإنا إليه راجعون. والى بعض مما عندنا..

حمدين هوجم من قوى كان يقودها

نبدأ تقرير اليوم بأبرز ردود الأفعال على معركة انتخابات الرئاسة بين السيسي وحمدين، التي ستختفي بعد بدء تصويت اليوم الاثنين وغدا، ليتحدد من منهما سيكون رئيس مصر القادم، وتتوقف المعارك الدائرة بسببها التي أدت إلى انشقاقات بين الأحزاب وبين أبناء التيار الناصري الواحد. ونبدأ من يوم الأربعاء مع زميلنا وصديقنا في «التحرير» ورئيس التحرير التنفيذي إبراهيم منصور ـ ناصري ـ بقوله:»ترشحه كان ضرورة ولعله كمنافس رئاسي يسعى لتحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و30 يونيو، خصوصا 25 يناير/كانون الثاني التي بدأ البعض محاولة محوها، رغم أنها هي السبب في 30 يونيو/حزيران لكن نقول أيه على موالي أي نظام وسلطة.. وجد هجوما غريبا وعجيبا من قوى كان يقودها، سواء في 25 يناير أو ما قبل 30 يونيو في جبهة الإنقاذ، التي كانت إلى حد كبير على مستوى إرادة الشعب في التصدي للإخوان، ولعل حمدين صباحي ذهب مع الذاهبين في مظاهرات إلى الاتحادية أكثر من مرة ضد تسلط الإخوان. ويتشجع حمدين ويصمد أمام ذلك الهجوم الغريب، وهم الذين يعلمون أنه كان حاضرا وبقوة في الانتخابات الماضية، ووقف ضد قوى الإخوان وقوى النظام القديم، واستطاع أن يحصل على ما يقرب من خمسة ملايين صوت وجاء في المرتبة الثالثة. ووجود حمدين في الانتخابات حتى إن خسر سيكون له تأثير في المستقبل، وفي تشكيل معارضة جديدة بديلة عن المعارضة، أو الذين يدعون المعارضة وكان يجب عليهم الرحيل مع النظام القديم، سواء كان نظام مبارك أو نظام الإخوان».

البعض يحاول غسل
سمعته على حساب السيسي

ومن «التحرير» إلى «الوطن» في اليوم التالي الخميس، وناصري آخر هو زميلنا وصديقنا سليمان الحكيم، الذي شن حملات عنيفة ضد حمدين وأيد السيسي، إلا أنه قال عن حملة السيسي الانتخابية: «هناك فرق بين أن يصطف السيسي مع الفلول، وأن يصطف الفلول مع السيسي، فالرجل ليس مسؤولا عن الذين يحضرون الفرح بدون دعوة، فيمنعه حياؤه من أن يطردهم من بيته، هو مسؤول فقط عمن دعاهم بنفسه للمشاركة في حملته الانتخابية، وأعتقد أن من بين هؤلاء من لا يستحق أن يمثله في التحدث باسمه، حين رأينا بعضهم محاولا غسيل سمعته وتاريخه على حساب السيسي وحملته، وإذا كان للحملة الرسمية بعض الأخطاء التي سحبت من رصيده لدى الشعب، فقد كانت للحملة الشعبية أيضا أخطاؤها التي أثرت على مرشحها سلبا، منها على سبيل المثال ما تعج به وسائل الاتصال الاجتماعي من محاولات التشكيك، التي تتضمن الإساءة لحمدين شخصيا وتنتقص من تاريخه النضالي، ومنها أيضا قيام البعض بطمس لوحات الدعاية لحمدين وتشويهها، كذلك بعض ما تقوم به شرطة المرافق من حملات لإزالة الدعاية الخاصة بحمدين في الشوارع وعدم التعرض لدعاية المشير، وإذا كانت حملة السيسي مدركة لخطورة الأمر فعليها أن تسارع بإعلان تبرؤها مما يحدث، والتنديد علانية بمن يقوم بذلك، بل أتمنى أن يبادر السيسي شخصيا الى إعلان أسفه عن تلك الأمور المؤسفة التي يرتكبها البعض بدون علمه».

الفلول يمولون
حملة السيسي

وفي «الفجر» الأسبوعية المستقلة وفي صفحة ـ حكايات ـ التي تقدمها زميلتنا الجميلة شهيرة النجار أشارت إلى مشاركة فلول الحزب الوطني في الإسكندرية مع الإخواني ورئيس جامعة الإسكندرية ورجل الأعمال الدكتور أسامة إبراهيم في تمويل حملات تأييد السيسي:

شعار «تحيا مصر»
جمع حوله الجميع

تركنا «الفجر» إلى «المصري اليوم» عدد يوم الخميس لنكون مع زميلنا وصديقنا رئيس قطاع الأخبار السابق في التلفزيون في عهد مبارك عبد اللطيف المناوي، الذي فسر شعار تحيا مصر في حملة السيسي بقوله:»هو أكثر الاختيارات توفيقا وصدقا وذكاء، فالشعار ليس فقط شعار حملة ولكنه تحول بحق إلى شعار أمة. قد يكون أهم ما يميز هذا تلك القدرة على جمع شتات أبناء الوطن خلف هدف رئيسي هو إنقاذه. ولذلك فإن من أهم ما أتوقعه هو أن الجميع بمن فيهم المعترضون سوف يصطفون في عملية الإنقاذ، فالاختلاف على هذا المرشح ليس اختلافا جوهريا والرفض ليس رفضا قاطعا، ولكنه اختلاف ورفض أراه ثانويا ولذلك فإنه بمجرد نهاية الانتخابات، نتوقع أن ينضم إليه حتى المعترضون».

حمدين دخل المنافسة
وهو يعلم أنه لن يفوز

ونصل في جولتنا إلى «أخبار اليوم» يوم السبت وزميلنا صابر شوكت الذي أشاد بحمدين وشن هجوما عنيفا على أنصار مبارك لهجومهم عليه بقوله: «أستطيع أن أؤكد بيقين أن حمدين صباحي دخل منافسة الرئاسة وهو يعلم يقينا أنه لن يفوز برئاسة مصر، ولكنه سيفوز بما يوازي هذا المنصب الفخم وهو زعامة المعارضة، التي سيدخل بها انتخابات البرلمان ومن موقع يلتقي بزعماء وسفراء العالم ويظل معارضا عنيدا للرئيس السيسي وسياسته وحكومته ليكشف أخطاءها ومواطن ضعفها.
وبالتالي يجهز نفسه لجولة مقبلة بعد أربع سنوات، هذا ليس شطحا في الخيال، بل هو حق مشروع لحمدين صباحي، وهو جدير به فالرجل لم يرتكب جرما عندما قرر خوض المنافسة أمام السيسي، الذي تؤكد جميع الشواهد أن طوائف الشعب اجتمعت على اختياره لقدرته على الخروج بمصر إلى بر الأمان في هذه الظروف الحرجة، وهو حمل ثقيل على السيسي كرئيس وعلى حمدين صباحي كزعيم للمعارضة. ولكنها أقدار محتومة كتبت على مصر في هذه المرحلة، ولست من أنصار هوجة كذابين الزفة الذين يتغنون بعبقرية السيسي وحكمته وغيرها من القصائد التي تبرر لهم بالمقابل إلهاب حمدين صباحي بكل سياط السباب والانحطاط عقابا على أنه جرؤ وفكر بخوض الانتخابات أمام السيسي. البعض اتهمه بالجنون واجتمع في ذلك للأســـف جميــــع رجال ورموز عصر مبارك، بل ان أغلب الكتاب في مصر سلكوا طريق نفسه الســـباب عند إعلانهم تأييد السيسي ورفضهم حمدين، وليس سرا أن جميع قوى المعارضة، بما فيها الوفد والحزب الناصري وحتى النور، أعلنت أنها لم تعد أحزاب معارضة وتحولت إلى تيار الأغلبية الذي سيحكم مصر، وبذلك خلت الساحة لحمدين والبرادعي الذي سيعود لمصر ويجمع شتات التيارات المعارضة».

الكتلة التصويتية السلفية
تتراوح بين 5 إلى 6 ملايين صوت

وعلى طريقة «جبنا سيرة القط إجى ينط» فما أن ذكر صابر اسم حزب النور وتأييده للسيسي حتى ذكرني نائب رئيس جمعية الدعوة السلفية ياسر برهامي بضرورة الإشارة إلى الحديث الذي نشرته له مجلة «المصور» وأجرته معه زميلتنا الجميلة رضوي قطري، وقدم فيه تقريرا لموقف أنصار الحزب قائلا:»أبرزت الشبهات التي وردت خلال المؤتمرات الجماهيرية، كيف تختارون دعم مرشح مسؤول عن الدماء التي سالت أثناء فض اعتصامي رابعة والنهضة، وقلت لهم إن المسؤولية لن تتضح إلا من خلال فتح تحقيق لمعرفة الأمر الذي صدر، وهل كان الأمر بالقتل العشوائي؟ المشير السيسي أنكر ذلك وقال إنه يعلم أن هناك تجاوزات وقعت وإنه غير راض عنها.
وأنا أرى أنه لابد من معالجة قضية الدم الخطأ، كما يحدث الآن في سيناء، فعندما يقتل شخص بريء قبل أن يدفن تسلم الدية الشرعية لزوجته، فلا يمكن أن نظل في دائرة مفرغة إلى أن تنهار البلاد. وهناك أمثلة حدثت بالفعل في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين فبعدما حدث من قتل اثنين مليون عراقي في العراق عقب الاحتلال الأمريكي له علي يد الأمريكان والشيعة، ومع ذلك قبلوا المشاركة في الحكومة بمنصب نائب رئيس الجمهورية تحت حكم الاحتلال.
أيضا تجربة الجزائر رغم أن عدد القتلى تجاوز النصف مليون مواطن جزائري، إلا أنهم شاركوا في الحكومة تحت قيادة من باشر ضدهم القتل فعلا و95 ٪ من هؤلاء اقتنعوا بهذا وقدموا الاعتذار على ما صدر منهم وهم ملتزمون بقرار الحزب بدعم المشير السيسي في الانتخابات الرئاسية.
والمحافظات التي نتوقع من خلال استطلاعات الرأي التي ستشهد كثافة في معدلات التصويت بها هي محافظة البحيرة، تليها الإسكندرية ثم المنوفية ثم الشرقية. أما المحافظات التي من المتوقع أن تشهد ضعفا في كثافة معدلات التصويت فهي محافظة القاهرة تليها مرسى مطروح، فلدينا مشكلة في أمانة حزب النور والدعوة السلفية منذ فض اعتصام رابعة، ونحاول معالجتها الآن بشتى الطرق. الدعوة السلفية وحزب النور نظما أكثر من تسعين معسكرا للشباب لمقاومة فكرة التكفير، التي انتشرت عقب 30 يونيو/حزيران من قبل جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، ونستعرض في مقاومة ذلك الشبهات التي يطرحها الشباب المشاركون في فعاليات تلك المعسكرات والرد عليها، وكان ذلك حتى قبل اتخاذ قرارنا بدعم المشير السيسي، وقد قمنا بعدة استطلاعات للشباب المشاركين في المعسكرات للوقوف على رأيهم في مسألة دعم المشير السيسي، وآخر استطلاع كان عقب إعلان المشير السيسي ترشحه للرئاسة، وكانت نتائجه 65 في المئة من شباب السلفيين سيدعم السيسي والباقي سينتظر قرار الدعوة السلفية للالتزام به. نحن نفتقد الآلة الإعلامية التي تبرز تحركاتنا على الأرض لدعم مرشحنا المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية الكتلة التصويتية للدعوة السلفية تتراوح بين خمسة إلى ستة ملايين صوت».
طبعا لو سألهم أحد كيف تغنون والغناء والضرب علي الدف مكروه أو حرام قالوا هذا نشيد إنما المهم هنا أن تأييدهم للسيسي مشروط بتحقيق أهداف الاستقرار وأن أي خطأ منه سيقومون بنصحه .

تجار اللحم المريض

ويوم السبت في «أخبار اليوم» كتب زميلنا إمام الساخرين أحمد رجب في رائعته اليومية (نص كلمة): «الأغذية الفاسدة تزداد بقدر نقص الرقابة الصحية، وهناك مصدر دائم للحوم الفاسدة معروف لكل تجارها، فجمرك الإسكندرية لا يحرق هذه اللحوم بل يلقي بها إلى أرض مجاورة حيث تحملها سيارة اللوري المنتظرة إلى صناع السجق والبسطرمة واللانشون الذي تعرفه كل الإسكندرية. وهناك مفتشون يعرفون مصانع الجبنة التي يخالطها الفورمالين المخصص لحفظ الجثث، وهو مدمر للأحشاء الآدمية، ثم إن المواشي أو المذبوحات المستوردة من الخارج لا تأتي بصحبة طبيب بيطري، بل يجلبها من بلد التصدير تاجر لحوم تتم استضافته هناك وإحاطته بالتكريم اللازم حتى يكرمنا باللحم المريض».

الصحافة المصرية
تعود لمحاكم التفتيش

وما أن سمع زميلنا في «الأهرام» محمد أمين المصري كلمتي رقابة ومفتشون حتى أكد أن ما يحدث في اللحوم والجبنة بدأ يحدث الآن في الصحافة قال في اللحظة نفسها:»ربما لا يعرف صحافيو اليوم وظيفة كانت موجودة في صحف زمان، وكان اسمها الرقيب، وتتلخص مهمته وتحديدا في أيام عبد الناصر في مراجعة نصوص المواد قبل نشرها لتكون تأشيرته هي الأخيرة بعد رئيس التحرير، بما يعني أن الرقيب هو الآمر الناهي في الصحيفة. ومرت الأيام وألغي منصب الرقيب ليكلف صحافي من الداخل، تكون مهمته مراجعة نصوص الآراء تحديدا، ويمنح هذا الرقيب نفسه حق التفتيش في الأدمغة ويحلل ما يدور بداخلها ويتصور أشياء وهمية ثم يدعي أنه حريص على صحيفته. لقد عدنا لمحاكم التفتيش ونسي الرقيب في ثوبه الجديد أن مهمته إضافة معلومة وتصحيح تاريخ لتجميل الكتابة، والأخطر في المهنة أن الرقيب يمنح نفسه المتضخمة الحق في إلغاء ما يكتبه الصحافي، زاعما إنه يحافظ على أمن الوطن، ويمنع وقوع فتنة أو ما شابه ذلك، لتصل المأساة الى أن يتصور الرقيب نفسه قاضيا ومصانا من الحساب حتى إن اخطأ، ويدافع عن مرشح بعينه ليعمل عنده مثل الفلتر خشية أن يؤثر الكلام المنشور على أحاسيسه أو ينال من عزيمته.
ويطير الرقيب فوق السحاب بصفته أفضل كاتب وما دونه سراب ونسي جميع الرقباء أن عبد الناصر قرر بنفسه عرض فيلم «المذنبون» بعد أن لفظته الرقابة، فكل رقيب يغازل السلطة على حساب أهل المهنة وكأنها ستمنحه نيشانا. ومن المعروف أن فيلم «شيء من الخوف» بطولة شادية والفنان الراحل محمود مرسي مأخوذ عن رواية زميلنا الأديب الكبير الراحل ثروت أباظة، وكان لا يطيق سماع كلمة عبد الناصر، ومع ذلك فالرواية نشرت في عهده وعلى نفقة الدولة، وعندما تحولت إلى فيلم سينمائي هاجمها البعض وقال ان ثروت يقصد خالد الذكر بشخصية عتريس التي لعبها محمود مرسي. وشاهد عبد الناصر الفيلم وأمر بعرضه وقال لو كان رأي الناس في أنني مثل عتريس فقد فشلنا والفيلم أنتجته الدولة أيضا».

الجميع بحاجة إلى وأد
الفتنة فكلنا مسلمون

ومن المعارك المهمة المعركة التي خاضها زميلنا في «اللواء الإسلامي» محمد الشندويلي بقوله:»لقد تأثرت كثيرا وانفعلت حينما شاهدت حلقة تلفزيونية وكأنها ساحة محكمة أعدت لمحاكمة القارئ الإذاعي الكبير الدكتور فرج الله الشاذلي، وللعلم فإنه أستاذ بجامعة الأزهر الشريف ومحكم دولي وعالمي في المسابقات القرآنية. القارئ سافر إلى العراق لإحياء بعض الليالي القرآنية، وطلب منه رفع الأذان في صلاة الجمعة والأذان عند الشيعة فيه «حي على خير العمل». نعم الأذان هو سنة النبي «صلى الله عليه وسلم»، ولكن إذا أردت أن تعرف الأذان في اللغة فهو الإعلام بدخول الوقت، فمثلا لو أنني لم أحفظ الأذان وأقف على باب المسجد وأطالب المارة بدخول المسجد للصلاة كتب لي ثواب الأذان. نعم هناك اختلاف بين أهل السنة وأهل الشيعة في بعض الأمور العقدية، وما كان الأمر يتطلب أن الدنيا تقوم وتقعد وتحيا وتموت إلى هذا الحد. والشيعة في النهاية مسلمون لا ننكرهم سوى في عقائدهم الباطلة، وهناك من فرق الشيعة المعتدلين مثل الاباضية والزيدية وغيرها، لكن الأذان عندهم واحد.
القارئ المهذب اعتذر على الهواء مباشرة واعتذر للأزهر الشريف وأعتذر لوزارة الأوقاف وأعتذر للمصريين جميعا وأعتذر لأهل السنة جميعا وكانت هناك خطة من الدولة، خصوصا من وزارة الأوقاف بعدم سفر أي قارئ أو عالم إلا بموافقة الجهات المسؤولة، وأنا مع هذا القرار وأؤيده ولكن لا نحرم القراء من السفر إلى هذه الدول. نعم هناك خلافات بيننا وبين الشيعة نعم هناك خلافات بين أهل السنة وبعضهم بعضا، نعم هناك خلافات بين أهل الشيعة وبعضهم بعضا ولكن في النهاية تجمعنا كلمة واحدة لا إله إلا الله محمد رسول الله. والأزهر الشريف نفسه كان يدرس في أوقات المذهب الشيعي وكان العلماء يلتقون ببعضهم بعضا رغم وجود خلافات ولكن الأدب والاحترام والود والترابط والتفاهم موجود. نحن بحاجة إلى وأد هذه الفتنة وتداركها بسرعة، لأن العراق دولة عربية ومسلمة والعراقيون بكل فرقهم السنية والشيعية يحبون مصر والإيرانيون يحبون مصر».
طبعا.. طبعا.. لابد من وأد الفتنة الطائفية حتى تعود لشعوبنا العربية روح الوطنية داخل بلادها لتعلو فوق الخلاف في المذهب والدين، وتعلو روح القومية العربية على الخلافات الدينية والمذهبية والوطنية وتتجه نحو وحدتها القومية العربية.

عبيد المصلحة يهللون
مهما كان لون الكرسي

وكذلك ما أن سمع زميلنا في «الوطن» علاء الغطريفي كلمة صحافة حتى هاجم صحافيين وكتابا من عهد مبارك يتصدرون الساحة الآن قائلا عنهم:»صحافة تعبر عن مرض مضى بكل تفاصيله القبيحة، ترى في المستقبل فقط أغراضها التي لا تنفصل كثيرا عن أمراضها المعروفة للجميع، بدءا من الانبطاح حتى عبادة الحاكم التي تمهد لها سبل القربى من القصور ومعها رغد العيش والنفاذية للمؤسسات، وبالطبع الحضور المجتمعي والنفوذ، ومن ثم زيادة الأرقام في الحسابات البنكية.
هذه الصحافة تطل علينا بقوة في ظل عصر النهضة الفلولي الذي ملأ الأفاق بكل تصوراته للواقع الحالي والمستقبل، مع التركيز على مجموعة من الأكاذيب التي لا تنتهي وتصل إلى «فين أيامك يا مبارك».
صحافة المصلحة تحلق حول زهور السيسي لتأخذ أفضل ما فيها وتهاجم أصوات الإصلاح بتطرف ودعاية ممجوجة بالترويج المنحط للاتهامات الجاهزة المعلية المصنوعة في غرف فلول النظام السابق. صحافة المصلحة هي أخطر أعداء السيسي فأربابها يريدون أن يعيدوا الساعة إلي الوراء فبيئة البناء لا تناسبهم فهي تحتاج الجد وقبله التطهير وهذا ليس من خصائصهم، الإصلاحيون حالمون يصعب ترويضهم والسيطرة عليهم لأنهم يبغون صالح الأوطان وليس مصالحهم، أما عبيد المصلحة فهم يهللون مهما كان لون الكرسي».

فهمي هويدي الممنوع
من الصرف ومن السفر

الثمن الذي على الوطني صاحب الرأي المستقل دفعه، هو المحاربة في الرزق والتشهير والتهديد هذا ما كتب لنا عنه في «الشروق» عدد امس الكاتب فهمي هويدي قائلا:»كنت أعلم أنني ممنوع من الصرف، لكنها المرة الأولى التي أعرف فيها أنني ممنوع من السفر. وخبرتي طويلة تمتد لنحو خمسة وخمسين عاما تقريبا في المنع من الصرف.. لكن المنع الأخير كان اكتشافا بالنسبة لي، لم يتسن لي أن أتعرف عليه إلا صبيحة يوم الجمعة الماضي 23/5. فقد خبرت منع المقالات وحذف أجزاء منها وشطب اسمي من قوائم الكتاب تارة والصحافيين تارة أخرى، وحوربت في الرزق وتعرضت للتشهير والتعريض. وجربت الإقصاء والإنذار والتهديدات المباشرة وغير المباشرة. ولم أكن في ذلك بطلا أو شهيدا ولا حتى ناشطا سياسيا، وانما لأنني أعبر عن آراء لا تعجب البعض، لكنني تقبلته كله باعتباره ثمنا واجب الدفع في بلادنا، إذا أراد صاحب الرأي ان يكون مستقلا، ومشغولا يرضى ربه وضميره وقارئه وليس يرضى السلطان. تقبلته مدركا أن غيرى دفع ثمنا أغلى كثيرا مما دفعت. واحتملته صابرا ومحتسبا، حتى اعتبرته نمطا تعايشت معه طوال العقود الخمسة التي خلت….
الحسنة الوحيدة لما جرى أنني تحولت من كاتب مشطوب إلى كاتب مشهور، كنت قد تعرضت قبل نحو شهر إلى «شدَّة أذن» في مطار القاهرة كانت بمثابة رسالة إنذار، لكنني بلعتها في صمت وسكت، واعتبرتها من قبيل الرسائل التي اعتدت على تلقيها تعبيرا عن امتعاض الأجهزة الأمنية وعدم رضاها عما اكتبه. كنت مدعوا لحضور مؤتمر في إسطنبول عن الإعلام الفلسطيني، وفوجئت بأن ضابط الجوازات طلب مني الانتظار لبعض الوقت، لأن الأمر يحتاج إلى مراجعة. واقتادني إلى مكتب يجلس فيه أربعة من الضباط الذين كانوا شديدي التهذيب، أجلسوني على مقعد أحدهم وقدموا إلي ما تيسر من مشروبات ساخنة وعصائر. وفهمت من أحدهم أن الجواز معروض على مكتب آخر تابع للأمن الوطني. وأن ضابط المكتب الآخر يوالي اتصالاته لإنجاز المعاملة. كان المشهد كله جديدا بالنسبة لي. إذ لم يسبق لي أن تعرضت لذلك الموقف من قبل. جلست صامتا أتأمل الصورة ليس فقط مستغربا لما جرى معي بعد «الثورة»، ولكن أيضا لأن ذلك لم يحدث معي فى «العهود البائدة»…
في سفرة اسطنبول عطلوني نصف ساعة في مكاتب ضباط الجوازات، وفي نهايتها جاء أحدهم متهللا وأعطاني جواز السفر قائلا «مبروك». أدهشني ذلك أيضا لأنني لم أتوقع أو أتصور أن سفر أي مواطن وتمريره من قبل ضباط الجوازات أمر يستحق التهنئة. المهم أنني بلعت العملية ولحقت بالطائرة، ولم أفتح الموضوع مع أي أحد.
هذه المرة كنت مدعوا لمؤتمر عن حوارات العالم الثالث في مدريد. ذهبت إلى المطار مبكرا تحسبا للتأخير، ومررت بالتجربة نفسها مع بعض الاختلاف، إذ تنقلت بين أكثر من مكتب وأتيح لي أن ألتقي ضابط الأمن الوطني في طابق آخر، ثم عدت إلى غرفة الضباط، وقدم إلى المقعد الذي جلست عليه أكثر من ساعة غير مصدق لما يجري. وحين اقترب موعد إقلاع الطائرة كنت قد ضقت ذرعا بالموقف فقلت للضباط المحيطين إنني لن أستطيع أن أجلس أكثر من ذلك، ورجوتهم أن يعيدوا إلي جواز السفر الذي كان محتجزا لدى ضابط الأمن الوطني. كأنهم كانوا يريدون ذلك كي يقال إنني غادرت ولم أمنع، إذ وجدت ترحيبا بما قلت وبعد دقائق أعيد إلي الجواز، وتم إنزال حقيبتي من الطائرة، وسمح لي بالعودة إلى بيتي.
بعد ساعتين فوجئت بأن وكالة أسوشيتدبرس أذاعت الخبر، وأدهشني أن بقية الوكالات اشتركت في إذاعته، كما أنني تلقيت سيلا من الاتصالات من مصر وخارجها ظلت تستفسر عن صحة الخبر وأسبابه. ورغم أن العملية وفرت لي شهرة مجانية لم أتوقعها، فإنني لم أكن أعرف أنني ممنوع من السفر كما ذكرت وكالة أبناء الشرق الأوسط الرسمية وبعض المصادر الأخرى. وحين سألت بعض المحامين الخبراء عن حكاية المنع قيل لي إنه تطور مسكوت عليه، لأنه إضافة إلى المنع الذي يتم بناء على قرار من النائب العام لسبب قانوني، صار لدينا منع آخر يتم عبر الهاتف يسمونه «المنع السيادي» وهو يصدر عن المؤسسة الأمنية بالمخالفة للدستور والقانون وبغير علم النائب العام. وهو من معالم «الدولة المدنية» التي هي الآن بصدد الدخول في عهد جديد بالانتخابات التي تجري غدا. وهو تفسير حين سمعته قلت «بشرة خير»!.

حسنين كروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية