«حميدتي» مشروع أصغر رئيس سوداني مرتقب!

حجم الخط
1

■ في حلقة أخيرة من حلقات انهيار السلطة أو مؤسسة مشروع الدولة السودانية، أو قل الاثنين معا، وإكمالا لسيناريوهات العقل الفاشل تاريخيا في حكم الجريمة المنظمة لحاكم «آل كافوري»، الذي يؤمن بالبقاء الأبدي، وألا نهاية لنظامه الذي «دينه» السياسي قائم على عبادة نهب ثروة السودانيين المنتجة، عبر توظيف المقدس والأمني أسوأ توظيف، من دون محاكمة لهم من طرف علماء الأمة بردتهم السياسية التي تمتد حتى للدينية في ما فعلوه في الدين والعباد. وبعد مخطط إفراغ العاصمة السودانية، موقع إنتاج الفشل التاريخي للعديد من ألوية القوات المسلحة، ونقل ضباطها الكبار أو عزلهم لفائدة حصارها وتطويقها، بل «غزو» العاصمة من طرف المليشيات التي عُرفت بقوات «التدخل السريع»- جناح حميدتي القادمة من دارفور غرب السودان، هذه الميليشيا تنتمي لمنظومة «الجنجويد الوطنية» في ماركتها وشرعنتها الجديدة، بعدما كانت مخصصة لأغراض الحرب بالوكالة في المحيط السوداني، حتى وقت قريب، للحد من تقدم قوات المقاومة الوطنية السودانية إلى موقع التمركز وحماية كرسي القائد الأعلى الفذ للجنجويد في الخرطوم، مقابل امتيازات وأموال وأسلحة وعتاد وتجهيزات، تسحب من ميزانية القوات المسلحة السودانية، التي ألغي دورها ووضعت على الرف وتخضع للتفكيك والحل الضمني عبر خطة سرية تسعى لتحويل جزء كبير منها لميليشات تخدم أجنحة إسلاموية جهوية معينة. ويذكر في هذا الاتجاه أن قوات «التدخل السريع» هي قوات واقعة تحت طائلة التجريم الجنائي الدولي، وفق قوانين قرارات مجلس الأمن الدولي، لارتكابها جرائم منافية للقانون الدولي الإنساني في مواقع مختلفة من السودان، وبإشراف مباشر من الرئيس السوداني الملاحق في القضاء الدولي، هذا فضلا عن كونها قوات لا هوية عرقية ووضعية لها في نظام الدولة القانوني والقضائي والمؤسساتي والعسكري للدولة، هي قوات مهمتها والهدف من إنشائها العمل خارج القانون كقوات مرتزقة داخلية لتنفيذ كل الأعمال التي لا يرضاها الله، لرئيس هو الآخر لا يعرف الله ولا يخافه في شيء. وتشترك هذه القوات مع نظام الخرطوم في أن أهدافهما متطابقة وتتجلى في الاستحواذ على الثروة، سواء عبر التدليس الديني او الفعل الجنجويدي.
إن استجلاب القائد الأعلى لها نحو الخرطوم وبالبريد السريع في قوة يبلغ عديدها، كما أشارت السلطات الراعية للفوضى في السودان، ما بين 3000 إلى 5000، والتميز هنا «جنجويدي سريع «- ليس بمعنى العرق والإثنية، بل بمعنى المهام والنشاط ـ تجد تفسيرها في الآية الكريمة التي تقول «وختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون»، أي مسك الختام لحكم إسلامويي الردة والتزييف، بعد افتقار خزينتهم الأمنية وانتهاء مخزونهم من الرجال في تمردهم الضمني أو الشكك فيهم، مما دفع الرأس الكبير لاستجلاب قوى مليشياتية غير منظمة، والتفسير السياسي لهذا الإسناد الخارجي، ان ثمة تشوهات اعترت السياج الامني لجناح السيطرة في توازنه مع صراع أجنحة أخرى في النظام، وهو الأمر الذي يوحي بأن شكل الصراع وصل إلى قمة الهرم في البلاد، بل الأمر تعدى ذلك إلى حدوث فراغ ما، لم يحدد استدعى معه حضور هذه القوات لتأمين الخطوط الدفاعية للسلطة الحالية ضد أجنحة أخرى مضادة في المنظومة الحاكمة، هذا فضلا عن قوى المقاومة الثورية ممثلة في الجبهة الثورية المرابطة التي تراقب عن كثب وترصد، وهي في حالة استعداد وطوارئ وترتب لتقدير موقف دقيق واتخاذ القرار النهائي في عملية لا تقبل الخطأ مطلقا. كلها مؤشرات الى ان الخرطوم قد تعرف حرب أجنحة أو حرب شوارع قد يسقط فيها النظام ويقام نظام يرتب لفترة ما بعد حكم البشير، وفيها أيضا قد تسقط الخرطوم ذاتها، في سقوط ثان لها في التاريخ، ووقوعها في أيدي جماعات وإرادات سياسية وجهوية متعارضة ومتقاطعة كلها تمتلك الشرعية، وهذا معناه سقوط مشروع الدولة السودانية الذي فشل السودانيون في بنائه، وكحاصل لهذا قد يتساوي الجميع في الخسارة السودانية، وهو معطى جيد، ربما يفرض معه تسوية عقلانية اخرى للسودان متفقا عليها، ولكن بعدما تأخذ دورة الانهيار زمنها وتداعياتها، وفي تشبيه مواز، يلاحظ أن الصومال بعد أكثر من ثلاثين عاما لم تكتمل دورة الانهيار، قصد التأسيس لدورة عقلانية جديدة في تدبير شأن الدولة.
أما الأهم بل الأكثر اهمية ضمن مشهد الخلل الواقع في الخرطوم، الذي يرجح فيه توازن القوى لصالح ميليشيا التدخل السريع  مع جناح خاص للقوات الامنية تابع للقصر الجمهوري، ومع حقيقة أن الشرعية في مشروع الدولة السودانية تستند في كل مراحلها التاريخية الى القوة غير المفسرة، كلها معطيات تطرح رؤية غير موضوعية لسودان هو نفسه غير موضوعي، لذا المطلوب توجيه مركزية قوة «حميدتي» من طرف نخبته «الحصرية» الغائبة وليست تلك القائمة بمهام الاستئجار لخدمة أغراضها،  وذلك بالتمرد على المستأجر داخل الخرطوم، والعمل على توسع دائرة طموحاتها عوض خدمة الآخرين، عليها الاستيلاء على موقع لخدمة الآخرين وليس للهيمنة والاستحواذ عليهم، وهذه دعوة مباشرة في أن ينتظم الجنجويدون القادمون مع حلفائهم من أبناء عمومتهم  المتمترسين الآخرين، على السلطة في الخرطوم وبموجبه يتم إعلان اصغر رئيس سوداني، ولما لا التأسيس لأول حكم «جنجويدي» كشأن أول حكم إسلاموي فاسد إجرامي وقع في السودان وحكومات عسكرية وديمقراطيات الطائفية. وليبدأ التاريخ في التدوين ما دامت العقدة السودانية لا تريد الحل أو لا يراد لها الحل، لخلل في أنثربولوجيا تكوين تحالف التمركزيين التاريخيين في وعي الاستبداد والاحتكار، وهي سانحة ليتنافس فيها المتنافسون على المجهول لأن السيطرة على الخرطوم تعني السيطرة على السودان.

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

محجوب حسين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول يحيى:

    الاستاذ محجوب حسين تحياتي لك @ اتفق معك في بعض الاراء المطروحة في مقالك من ان الامر قد وصل الى تطور مثير ومريب استدعى هذا الاجراء والقرار الامر الذي لايظهر لعماة الناس ولكن الصمت هو سيد الموقف او ان البوح بشيئ قد يعمل على نسف امر ما لانعلم والله اعلم @ ولكني اختلف معك في تبنيك لمشروع المقاومة الوطنية اونت تحاول عبثا ان تضفي عليها ايات التبجيل والقدسية وهذا ما لاينطلي على احد

إشترك في قائمتنا البريدية