فن ضد الوصف: في منافي اللامرئي يمشي الفنان الجديد بقدمين خياليتين

حجم الخط
0

فن ضد الوصف: في منافي اللامرئي يمشي الفنان الجديد بقدمين خياليتين

فاروق يوسففن ضد الوصف: في منافي اللامرئي يمشي الفنان الجديد بقدمين خياليتينالفكرة هي الماكنة التي تنتج الفنسول لويت (1967)الابداع ليس حكرا علي الفنانينيوزف بويزجعل الفنان الامريكي اندي وارهول (1928 ـ 1987) الطريق سالكة بين الفن وبين المبتذل، علي الرغم من أنه كان في الوقت نفسه صانع ايقونات، لكنها كانت أيقونات من ذلك النوع الذي يصل الاستعمالي المدنس بقداسة مفترضة، مجلوبة من خارجه. وهو مسعي ظهر وارهول من خلاله كما لو أنه مصاب بالانفصام. فهو من جهة يتبني صوريا رموز حياة تدين بوجودها الي طابعها الاستهلاكي السريع والمؤقت والعابر والفاني وسريع العطب ومن جهة أخري فانه لم يكن يخفي رغبته الاستعراضية في الخلود. (المتاحف جردت فن وارهول من رهانه اليومي حين زجت به وسط الروائع التاريخية، وهذا ما كان يتمناه وارهول نفسه). الفن الشعبي الذي تبناه وارهول كان يعارض الدادائية من جهة تفكيره بالمكانة الثقافية المتميزة التي يجب أن يحتلها الصنيع الفني وسط النفايات التي ينتجها المجتمع، وفي الوقت نفسه فان ذلك الفن لا يذهب بعيدا عن احتفاء الدادائية بالأشياء المهملة، غير ملفتة النظر والعادية. اهتم وارهول من جهته باستعادة الحياة كما هي، كما عشناها لا كما نتخيلها والكشف عن الساحر والمدهش الذي يختبئ تحت قشرتها الكاذبة. وارهول لم يخرب الذائقة الجمالية كما فعلت الدادائية، بالرغم من أنه انحرف بتلك الذائقة بعيداعن كل فكر جمالي مسبق. لم تكن الموضوعات التي الهمت وارهول علي شيء من الأهمية، وهو لم ينتج صورا ذات قيمة جمالية لافتة. ظلت صوره متعلقة بالفكرة التي تشير اليها، لكن وارهول لم يكن رسام أفكار. وهنا بالضبط تكمن أهميته. تقع أفكار وارهول خارج سياق ما يفكر به. موضوعه الصوري هو الذي كان يفكر بدلا منه. (رسام أعلانات) هذه صفته التي أخلص اليها دائما. وهي صفة جعلته في غني عن اللجوء الي الوصف. كان فن وارهول مثاليا في اختزاله المتقشف. 2 في الطريق المؤدي الي وارهول مشي الكثيرون، بالرغم من أنهم لم يكونوا من تلامذته المباشرين. لقد ذهب ذوق السوق بعقولهم وعواطفهم، حين اكتشفوا من خلال وارهول الـ(كيتش)، وهو مزيج مما لا يمكن أن ننتظره من أي فن جديد ذلك لانه يشكل خلاصة الذائقة الشعبية التي ينتجها فن مكرس بقوة مجتمع اتباعي، مهووس بقدرته علي الاقتناء. لقد وجد هؤلاء الفنانون أمامهم تماثيل جاهزة، لم ينتجها أحد بعينه، بل هي مستخرجة من خيال شعبي لم يتخل عن قدرته علي أن يكون مصدرا للالهام، فأعادوا صياغتها بمواد جديدة. كان دوشامب كما أري يفكر في الذهاب بذلك الخيال الي نقطة أبعد من تلك التي استقر عندها حين التقط حاملة القناني والمبولة لينتهي بهما الي المتاحف بعد أن ذيلهما وسواهما من الأشياء الجاهزة بتوقيعه. لقد حول دوشامب الأشياء الي مفاهيم، وهو ما جعل منه عرابا لفن المفاهيم، ذلك الاتجاه الذي وجد فنانوه في ما انجزه يوزف بويز مصدرا لفتنة وسحر دائمين فيما أصبحت أعمال جوزيف كوست هي أمثولتهم في السنوات المبكرة من سبعينات القرن العشرين. (يعود تاريخ أول عمل مفاهيمي انجزه هذا الفنان الامريكي الي عام 1965، وهو ثلاث كراس وكرسي واحد). عاد دوشامب مرة أخري مثل شبح هذه المرة. المايسترو الذي كان يبعث من شيخوخته نداءات خفية لتكون الموسيقي المنبعثة من بيت الجيران منسجمة مع رغبته في أن يكون المستمع الوحيد لها. مارسيل دوشامب هو الذي فتح الطريق التي أقام عليها المفاهيميون اهراماتهم الملغزة. غير أن حركة (فلوكسس) لعبت دورا مهما في الحث علي العودة الي شعار الدادائية الهدام (ضد الفن). هناك صورة تاريخية تعود الي منتصف الستينات يظهر فيها الموسيقي والفيلسوف والناشط الامريكي ضد الفن هنري فلينت واقفا وهو محاط بلافتات تقول واحدة منها: لا مزيد من الفن. فلينت هذا (ولد عام 1941) هو من أشاع المفردة التي ابتكرها فنان متمرد آخر هو جورج ماكونس (1931 ـ 1978)، فلوكسس وهي مستلهمة من مفردة لاتينية تعني اتبع . كان مؤسسو هذا الاتجاه وهم خليط من الشعراء والموسيقيين والرسامين يدعون بشكل واضح الي عدم الاكتراث بأي فن يجعل من المادة وسيلته فيخفيها. بالنسبة لهم كانت المادة هي الأصل وهي الهدف. يقول فلينت “الموسيقي هي صوت، المفهوم أولا . في حقيقتها كانت حركة فلوكسس التي الهبت مشاعر الفنانين في مختلف انحاء العالم في ستينات القرن العشرين نوعا من (دادا) معاصرة، بالرغم من أن أتباعها لجأوا الي تقنيات لصناعة العمل الفني لم تكن معروفة يوم اجتمع الدادائيون الاوائل في حانة فولتير بزيورخ. لكن شعار (ضد الفن) لم يفقد بريقه أبدا. 3كان يوزف بويز عضوا نشطا في حركة (فلوكسس). وهو كما يري النقاد الفنان الجريء الذي استخرج من أعماق الفن الجاهز الذي اقترحه دوشامب موهبته في الذهاب بالفن في اتجاه المفهوم. وبذلك لعب بويز (من غير أن يدري، ربما) دور حامل الرسالة التاريخية. وإذا ما كانت (فلوكسس) قد ضمت فنانين كثيرين، يمكننا أن نذكر منهم: جورج برشت، جون كيج وال هانسن ولاري ميلر ويوكو اونو (زوجة جون لينون، عضو فرقة الخنافس الشهيرة) وآخرين فان أحدا منهم لم يلعب الدور التاريخي الذي لعبه بويز وهو يضع عجينة الماضي في فرن المستقبل. مقولته الشهيرة: الابداع ليس حكرا علي الفنانين هي مقولة دادائية تهدي الفنانين في كل العصور الي كنوز تخيلية جاهزة. ولولا جرأة بويز في الاعلاء من شأن فن لم ينجزه أحد بعينه هو الـ(كيتش)، ما كان تاريخ الفن قد كسب الاقتراحات الجمالية الباهرة التي تقدم بها: جيف كونز ((1955 وكيكي سمث ((1954 وكيث هارنغ (1958 ـ 1990) ومني حاطوم ((1952 وجانيت اشلمان وريشارد لونغ ((1945 وارنستو نيتو ((1964 ورون مويك وداميان هيرست (1965) ودافيد فونارفيتش (1954 ـ 1992) وفيونا بانر ((1966 وسواهم من الفنانين الذين صنع لهم بويز قدمين خياليتين ذهبتا بكل واحد منهم الي المنطقة الصامتة التي اخترعها مارسيل دوشامب ساخرا، من غير أن يكون يائسا. ففي كل التقنيات التي يستعملها الفنانون الجدد تظهر رغبة عارمة في مفارقة النتائج الشكلية والاعلاء من شأن مفهوم الفعل داخل المادة لذاته. يستعرض الفنانون الجدد قدراتهم علي خلق المعجزات البصرية غير انهم في كل ما يفعلون لا ينحرفون بعيدا عن المفهوم الذي وجدوا فيه ضالتهم. علي سبيل المثال تظل بوابة السماء التي خلقها انيش كابور في شيكاغو مخلصة الي المرآة ويعيدنا عمل جانيت اشلمان في البرتغال الي ذلك الطبق الذي انطلق منه بثقة. إن الشيء الجاهز حين يتحول الي فكرة يكون بمثابة مصدر لالهام مطلق، يتخطي الواقع والدلالة الرمزية التي يمثلها في ذلك الواقع. شاعر وناقد من العراق يقيم في باريس0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية