مخيم ‘الأزرق’ مدينة أشباح و’الزعتري’ مدينة فوضى وكل لاجىء يحمل معه كابوسه الحقيقي

حجم الخط
1

لندن ـ ‘القدس العربي’: في افتتاحية صحيفة ‘الغارديان’ عن الخطوة التي ناقشتها الأمم المتحدة يوم أمس حول تقديم طرفي الصراع في سوريا لمحكمة جرائم الحرب الدولية، قالت إنها تمنح أملا للذين فقدوا أعزاء عليهم، وفقدوا بيوتهم ومصادر معيشتهم.
وقالت الصحيفة إن سجلات المذابح والإنتهاكات في سوريا حاضرة منذ بداية النزاع، طويلة ووحشية: فهي تشتمل على أفلام فيديو، يوتيوب وتقارير مكتوبة هربت أو أرسلت عبر البريد الإلكتروني أو تم الاخبار عنها بالهاتف، وكلها تحدثت بتفاصيل عن إطلاق الرصاص، وتعذيب السجناء وقتل وانتهاك المدنيين، وحملات الإعتقال والإعدامات والقصف الروتيني لمناطق المدنيين بدون أن يكون هناك مبرر عسكري لها.
كما أن اكتشاف أدلة قوية ولكنها ليست قاطعة عن التعذيب والقتل الممنهج لـ 11 ألف سجين في سجون الحكومة يعتبر أسوأ مثال عن هذه الجرائم وقد اكتشف خلال الأشهر الماضية، ‘ولسوء الحظ هناك الكثير مثلها أو تساويها في الفظاعة’ وقد تم جمع هذه المواد وتصنيفها وفحصها من قبل منظمات خارج وداخل سوريا تحاول جمع تاريخ للإنتهاكات في سوريا قد يؤدي واحد منها في المستقبل لتوجيه اتهامات لمن قاموا بارتكابها من طرفي الصراع، ومن أدنى لأعلى مسؤول.
وسواء كانت هذه الأدلة متحيزة أو ذات طابع حزبي فهذه التقارير المروعة، تبقي على فكرة تحقيق العدالة في يوم ما حية، وهناك أدلة يمكن أن تؤدي لتحقيقها.

توثيق المذابح
وتشير الصحيفة في هذا السياق للجلسة التي عقدها مجلس الأمن يوم أمس الاول لمناقشة المشروع الذي تقدمت به فرنسا ووافقت عليه 58 دولة لإحالة الوضع في سوريا إلى محكمة جرائم الحرب الدولية. وتقول ‘نظريا يجب الترحيب بالقرار لأنه يعطي المحكمة مهمة الإحتفاظ بسجل الإنتهاكات ويقوم بفصل الحقائق عن المزاعم، ويصفي المواد ذات الطابع الدعائي التي تهدف للتضليل، وتقوم بالتحضير لملف قضائي ضد المسؤولين عن ارتكاب الجرائم حتى ولو لم تقم المحكمة بإصدار قرار يدين ويطالب بملاحقة أشخاص. وتعرف الصحيفة مقدما الموقف الروسي الذي سيقوم بالتصويت ضد المشروع، خاصة أن روسيا أظهرت موقفا معارضا وعدائيا في الأمم المتحدة ضد أي مشروع قرار ضد سوريا. وتضيف أن موسكو على ما يبدو نسيت مقولة القانوني والدبلوماسي السوفيتي أندريه فيشنسكي، والذي كان محقا عندما قال ‘يجب استخدام القانون الجنائي للدفاع عن السلام، ويجب تحشيده ضد الحرب وضد من يحرضون عليها’.
وفي الوقت نفسه فالولايات المتحدة نفسها ليست مبرأة خاصة أنها رفضت المصادقة على المعاهدة التي أقرت إنشاء محكمة جرائم الحرب، فحقيقة عدم مشاركة الولايات المتحدة قد أضعفت المحكمة رغم الدعم الذي تبديه واشنطن لها.
ورغم كل هذه المعوقات فمحاولة إشراك المحكمة الدولية في المسألة السورية يستحق الدعم. فهي تذكر العالم بالجرائم التي ارتكبت ولا تزال ترتكب وتحولت وصمة عار على جبين من قام بها. وتقدم في الوقت نفسه أملا وإن كان قليلا في هذه المرحلة أنه يمكن تحقيق العدل لمن فقدوا أهاليهم وبيوتهم وحياتهم. وفي الوقت نفسه تؤكد على المبدأ الذي قامت من أجله، سواء المحاكم بشأن يوغسلافيا أو رواندا وهو نهاية الحصانة من الملاحقة عن أي كان. فالمذنب لا يمكنه الإختباء وراء الحدود الوطنية وستتم ملاحقته دوليا.
وتشير الى أمير الحرب الصربي راتكو ميلاديتش الذي بدأ محامي الدفاع جلسته هذا الإسبوع قائلا إن لديه سببا لكي يفهم التغير الذي لم يفهمه عندما كان يتبختر خلال حقول الموت في البوسنة، وقد يرشح مفهوم مثل هذا ويصل للاعبين في الأزمة السورية.

حل سياسي
وأكدت الصحيفة على أهمية أن يترافق عمل المؤسسة الدولية هذه مع محاولات البحث عن حل سلمي للحرب في سوريا خاصة أن الجماعات التي تلقى دعما من الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر والدول الأوروبية تخسر فيما يحقق جانب الحكومة السورية بمساعدة من اصدقائها الكثر إنجازات، وقد يكون انتصارها ليس كاملا ولكنها قد تحاول في مرحلة ما توحيد سوريا مرة أخرى. وتعتقد الصحيفة أنه من الناحية الأخلاقية على الدول الغربية طرح سؤال على نفسها ـ هل إطالة أمد الحرب التي تقتل الناس كل يوم، في الوقت الذي لا نتوقع فيه انتصار الطرف الذي ندعمه، او علينا أن نقدم دعما كافيا كي يدافع هذا الطرف عن نفسه مما يعطيه نوعا من التميز ويسمح له بالمناورة التي قد تنهي الحرب عاجلا أم آجلا، وهما سؤالان صعبان يحتاجان لجواب بشكل عاجل، لان المعاناة السورية مستمرة واللاجئون لم يتوقفوا عن الوصول لدول الجوار وفي هذا السياق نشرت الصحيفة نفسها تقريرا لنيل غيمان، وهو كاتب بريطاني ومؤلف قصص قصيرة وروايات وكتب مصورة والذي زار مخيمين للاجئين تشرف عليهما المفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة في الأردن واستمع فيها لقصص عن الموت والمعاناة في سوريا.

في الازرق
في مخيم الأزرق الذي افتتح قبل اسبوعين التقى غيمان مع أبو هاني الذي بدا متعبا وجالسا لا يتكلم الإ قليلا، حيث كانت زوجته يالدا تتحدث أكثر منه. وكان الزوجان يتحدثان في مكان سكنهما الجديد وسط الصحراء الحامية عن سبب رحيلهاعن بلدهما، فقد كان أبو هاني يملك متجرا صغيرا، لكن ‘المسؤولين’ الذين يديرون البلدة التي جاء منها قاموا بمداهمته وعاثوا فسادا فيه ومزجوا المواد الغذائية بمواد الغسيل، وأخذوا كل ما في المحل، وعندما أنفق كل ما يملكه وأعاد فتح المحل من جديد قاموا بإغلاقه بشكل دائم.
ويتحدث أبو هاني عن القتل في بلدته، حيأ إن الصحف المحلية مليئة بصور الجثث التي كان يعثر عليها ويطلب من الناس التعرف عليها، ومرة تعرف على واحد من أبناء عمومته الذي تشوه رأسه، ولم يبق من أقاربه أو أقارب زوجته أحدا. فقد كان شقيقان وابن عم ليالدا في طريقهم لإرسال وحدات من الدم لابن أخ لهم عندما أوقفوا على الحواجز وتم التحقيق معهم حول الدم الذي قالوا إنه لولد صغير تجرى له عملية في القلب. ولم يصل الثلاثة المستشفى ولم يظهر له أثر بعد ذلك.
وقالت يالدا إن أمها فقدت عقلها وهي تذهب من مركز شرطة لآخر ومن مستشفى لثان حتي ‘زهقت’ الشرطة منها وكتبوا ‘كلمة ناقص’ إلى جانب أسمائهم حتى يمنعوها من القدوم لمركز الشرطة.
وحاول أبو هاني عبور الحدود مع الأردن بدون أن يرشي الضابط على حاجز الجيش في الطرف الأخر، ومن ثم أخذ أبو هاني لمكتب حيث قام جنود بتوجيه لكمات له، وضربه والقفز عليه أمام زوجته وأولاده وصودرت كل أمواله، وترك نقطة التفتيش معدما من المال ووجهه وثيابه ملوثة بالدم.
وتقول يالدا إنهم كانوا ‘يصحون في الصباح ويشعرون بالسعادة لأنهم لا يزالون على قيد الحياة، وكانوا ينامون في الليل وهم يعرفون أنهم قد لا يصحون، فهناك عدة طرق للموت في سوريا’، فمن لا يموت بالقصف، يموت بالسجن او يختفي او يتعرض للإغتيال كما تقول يالدا. ولأن أبو هاني تعلم الدرس، فقد اقترض مالا من صديق له، وذهب لنقطة التفتيش حيث رشى الضابط الذي رحب به وسمح له بالمرور ووصل الحدود الأردنية.
وتقول يالدا ‘شعرت بالخوف من الجيش الأردني لأن زيهم العسكري ذكرني بزي الجيش السوري، لكنهم رحبوا بنا وساعدونا وابتسموا لنا’، وقدم لهم الجيش ماء وبسكويتا من مفوضية اللاجئين ‘وعندما وصلت المخيم شعرت كالطفل الذي استقبلته أمه’، مع أن مخيم الازرق ليس مكانا مريحا ‘فهو بلدة أشباح افتتح في نهاية نيسان/ أبريل واستقبل حتى الآن 4.000 شخص ولكنه مصمم لاستيعاب 130.000 شخص .
ويبدو أقل مكان في العالم يشعرك بالترحاب، فالإشارة الوحيدة إلى الحياة فيه أو اللون أو التفرد هو الغسيل المنشور والذي يرفرف بين البنايات- الأكواخ الحديدية البيضاء’. ويعمل أبو هاني وزوجته الآن في المخيم فهي ترحب بالقادمين الجدد اما هو فيعمل حمالا، ويريدان العمل وتوفير ما يكفي لشراء سماعات جديدة عوضا عن التي كسرت لأبنين من أبنائهما الأربعة اللذين يعانيان من الصمم. والأب والأم خائفان أنه بدون سماعة فقد تنسى ابنتهما البالغ عمرها 5 أعوام الكلمات التي تعلمتها. ويشير الكاتب إلى مشاكل المخيم وتأخر وصول المياه خاصة أن الأردن يعتبر رابع دولة في العالم يعاني نقصا من المياه وكل نقطة ماء تصل للمخيم تأتي من خارجه.

الأردن
مشيرا الى الكابوس الذي جلبته الأزمة السورية، حيث خلقت مثل بقية الحروب لاجئين، تركوا بيوتهم. فقد غادر أكثر من 2.5 مليون شخص بلدهم سوريا منهم 600 الف يعيشون في الأردن، ويمثل السوريون الآن نسبة 10 ‘ من عدد السكان في الأردن- 6 ملايين نسمة.
ويقول الكاتب إن الاردنيين استقبلوا السوريين ورحبوا بهم. وجاء السوريون للأردن نظرا للتشارك في اللغة والثقافة ولوجود أقارب لهم يعيشون أو يعملون في الأردن ولأن هذا البلد استقبل تاريخيا لاجئين- فلسطينيين وكويتيين وعراقيين. ويقول غيمان إن مفوضية الأمم المتحدة لا تحب المخيمات لأن الأموال التي تنفق على إنشاء البنى التحتية يمكن أن تنفق في مشاريع أخرى لمساعدة اللاجئين، وبسبب الإزدحام الذي سببته حركة اللاجئين وعدم توقف قدومهم اليومي فقد قررت فتح مخيم الزعتري الذي صمم لاستقبال 5.000 شخص ولكنه توسع وبلغ عدد سكانه 100.000 نسمة.

الزعتري
ويقول إنه تخيل قبل مجيئه للأردن شكل المخيم الذي سيكون صفوف خيام مقامة على ارض مغبرة نظرا لجفاف الأردن، لكنه لم يتخيل مخيمات تتحول لمدن. ففي الوقت الذي يعتبر الأزرق ‘مدينة أشباح’ فالزعتري ‘مدينة فوضوية’ مغبرة، حيث تنتشر فيها الخيام والبيوت التي تشبه الحاويات والتي ترتفع حولها الأسلاك الكهربائية التي يقوم من خلالها السكان بسرقة الكهرباء للإضاءة ولشحن أجهزة المحمول، وقد سلم ‘عمدة هذه المدينة’ ممثل مفوضية اللاجئين كيليان كلينزشميدت بدفع فاتورة شهرية بقيمة 50 ألف دولار وبدأ الآن ببناء أعمدة كهربائية كي تسمح للسكان الحصول على كهرباء بطريقة شرعية. وما يميز البيوت في الزعتري أنه يمكن تحريكها ونقلها على عجلات حيث تنقل من مكان لآخر. ويكتب غيمان أنه والفريق الذي ذهب معه راقبوا كيف يقوم الناس في مخيم الزعتري ببناء حياة عادية، ‘وهناك محلات حيث تناولنا أحسن بقلاوة التي تعمل من حاوية حولها صاحبها إلى فرن ومعمل للحلويات.
ويرى غيمان أن سؤال اللاجئين عمن ضرب بيوتهم أو أجبرهم على الرحيل، ومن قطع رؤوس أقاربهم، ومن قتل عائلاتهم وكيف وصلوا للحدود الأردنية يفقد معناه، فالجواب عادة لا نعرف، وكما تقول يالدا التي تقيم في مخيم الأزرق: هناك الكثيرون. وقصص القتل وذكريات الهروب، والمصاعب التي يواجهها السكان في المخيم لا تنتهي، فهناك امراة تحدثت عن المرأة التي تسقط الجنين في الأشهر الأولى من الحمل، حيث حاولت هي وزوجها أكثر من مرة، وتعب الرجل على ما يبدو وتركها ليتزوج امرأة أخرى تنجب له أطفالا.
رغم كل هذا فحفلات الزفاف لا تنتهي في المخيم وهناك من يؤجر فستان الزفاف. ولكن ‘كل شخص تحدثت إليه في المخيم يعاني كابوسا: فقد ظلوا في سوريا وعانوا من جحيم الحرب حتى لم يعد باستطاعتهم التحمل، وقرروا بعد ذلك الرحيل والوصول للحدود والرحلة نفسها هي مسيرة عبر الجحيم ويعرضون حياتهم للخطر لو استطاعوا الوصول للحدود فكل ما حصل لهم ينسى لأنهم نجوا ‘أنظر لمخيم الأزرق الذي يتسع لـ 12.000 شخص، كلهم سيأتون ومعظمهم خاطر بحياته للوصول وأنا أعرف أنهم يحملون معهم 126.000 كابوسا’.

بشر مثلنا
ويقول غيمان ‘لاحظت أنني توقفت عن الحديث عن الإنقسام السياسي، ومقاتلي الحرية أو الإرهابيين، الديكتاتوريين أو الجيوش، وكل ما أفكر به هو هشاشة الحضارة، وحياة اللاجئين التي يعيشونها هي حياتنا، فقد كانوا يملكون محلات صغيرة وورشات لتصليح السيارات، وعملوا في مزارعهم أو كانوا يملكون المصانع وكان بعضهم يعمل في شركات التأمين، ولم يكن أحد منهم يفكر أنه يوما سيفر بحياته تاركا كل شيء لأنه لم يبق لهم شيء يعودون إليه، يتم تهريبهم عبر الحدود أو يمشون مارين بالجثث المشوهة والمقطعة أوصالها لأشخاص حاولوا القيام بنفس الرحلة لكنهم وقعوا في الفخ أو تعرضوا للخيانة’.
ويضيف ‘اواصل المشي والحديث مع اللاجئين، للناس الذين يديرون المخيم أو يقدمون الرعاية لسكانه، وبعد ذلك رافقت أيمن وهو ممرض سوري يعمل متطوعا ويقوم بزيارات، حيث يقوم بتغيير غيارات جروح الشباب الذين طارت أرجلهم بفعل الألغام، وعن فتاة عمرها 11 عاما فقدت فكها نتيجة لقذيفة هاون قتلت والدها، وعندها شعرت أنني لم أعد افكر بطريقة منطقية، وكل ما أردت فعله هو البكاء، ربما كنت حساسا لكن سام المصور يبكي هو الآخر’.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول alef ben yousha:

    من النهاية
    ماذا تربدون من الأردن أيها العرب؟
    في الوقت الذي يقتل السوري أخاه السوري بالرصاص ،بالبراميل المتفجرة بالكيماوي ويحرق أجساد أخواته السوريات لعدم أرتداء الحجاب أو يعدم السوري أخاه السوري لعدم أطلاقه لحيته …الخ من الجرائم .
    يأتي صحفيون – في الغالب – أستقبلهم الأردن وتقاسم معهم مائه الشحيح وهوائه ومقابره .ليعيرّوا الأردن والأرادنة بمناطق أستقباله للاجئين ولماذا لا يبتقبل ،هولاء الكتبة عائلة فوق سطوح بوتهم ،مثلآ؟
    هذه بلدنا وههكذا خلقها رب الكون العظيم .أن أردتم لن تكون سويسرا فأرونا ما أنتم فاعلون – لكن بدون براميلٍ أو كيماوي.
    ألف بن يوشع ..

إشترك في قائمتنا البريدية