ذاكرة الاستخبارات لغسان شربل

حجم الخط
0

ذاكرة الاستخبارات لغسان شربل

ذاكرة الاستخبارات لغسان شربللندن ـ القدس العربي : للزميل الكاتب والصحافي غسان شربل رئيس تحرير الزميلة الحياة صدر كتاب جديد بعنوان ذاكرة الاستخبارات عن دار رياض الريس مؤخرا. والكتاب يتضمن سلسلة حوارات اجراها شربل مع اربعة من رجال الامن اللبنانيين الذين لعبوا ادوارا مهمة سواء علي الصعيد الامني ام السياسي، وآخرهم بالتأكيد اللواء جميل السيد المعتقل علي ذمة قضية اغتيال الرئيس الحريري. وضع شربل مقدمة لكتابه نوردها هنا: لا يكفي وقف اطلاق النار لدفع الحرب الي التقاعد. ولا يكفي ابرام تسوية سياسية لضمان عدم تكرارها. لا تعاقب الحرب بالنسيان بل باعادة قراءة اسبابها ومجرياتها واستجلاء غوامضها. تعرية الحرب من هالاتها شرط لتجاوزها.عشية التسعينيات راودتني غربة في جمع الراويات والشهادات عن الحروب التي عاشها لبنان بدءا من العام 1975، وهي كانت خليطا من الحروب الاهلية والمبارزات الاقليمية والتجاذبات الدولية. كنت اخشي من ضياع الروايات بفعل الصمت او الاغتيالات، ما يسهل لاحقا كتابة قصة الحرب بحبر المنتصرين، وتكون الحقائق آنذاك بين الضحايا.هكذا ولدت سلسلة يتذكر في شقها اللبناني. هدفت الي استدراج قياديين خاضوا الحروب او حاولوا اطفاء نارها او تعايشوا معها في مواقعهم الرسمية او الحزبية. كان الغرض الوصول الي من امروا باطلاق النار ومن ابرموا اتفاقات ومن حاولوا تنفيذ انقلابات، مستعينين برياح اقليمية غالبا ما نجحت في مصادرة قراراتهم وتحويلهم الي جنود في حروب اكبر منهم. لم تكن عملية الاقناع سهلة. فهذا التقليد لم يكن شائعا في لبنان. وبعض الجروح لا تزال ساخنة. لكن المحاولة نجحت في النهاية وطلبت ممن وافقوا علي ان يتحدثوا عن قصتهم في الحرب، تاركا للقارئ مهمة المقارنة بين الروايات وامتحان صديقتها ـ خصوصا ان المتحدثين ينتمون الي مختلف المعسكرات والفئات. ولم اتوهم ان المتحدثين سيبوحون بكل شيء، خصوصا اذا كان الاعتراف يمكن ان يستخدم لاحقا لتحريك القضاء. وراهنت علي ان يساهم تعدد الروايات في اضاءة جوانب مختلفة من الاحداث التي عاشها لبنان.وعلي مدار سنوات تحدث في هذه السلسلة الرؤساء الياس الهراوي ونبيه بري وكامل الاسعد وصائب سلام وشفيق الوزان ورفيق الحريري. كما تحدث ميشال عون وفؤاد بطرس ووليد جنبلاط وسمير جعجع وايلي حبيقة وكريم بقرادوني ومحسن دلول وجورج حاوي.وتحدثت نايلة رينيه معوض عن قصة زوجها الرئيس ومأساته، ومثلها فعلت صولانج بشير الجميل، كما تحدث آخرون.لا شيء يستفز الصحافي كاصرار بعض اللاعبين علي الصمت والاحتفاظ بالاسرار، خصوصا اذا كانوا قد ادوا ادوارهم، انطلاقا من مواقعهم العسكرية او الامنية، ببراعة ومع قدر غير قليل من توسيع الصلاحيات او تجاوز حدودها. في هذا السياق كان اسم جوني عبده مثيرا للاهتمام. فالرجل الذي كان علي رأس مديرية المخابرات في الجيش اللبناني في عهد الرئيس الياس سركيس (1976 ـ 1982) غادر عالم المخابرات الي الدبلوماسية. وفي عهد سركيس كان عبده، مع الوزير فؤاد بطرس، ضمن الحلقة الصغيرة التي يمكن ان تسمي مطبخ القرار. وكانت تلك السنوات حافلة بالخضات السياسية والامنية وهي انتهت مع الاجتياح الاسرائيلي للبنان في 1982. وفي تلك الحقبة كان عبده خصما لقائد القوات اللبنانية بشير الجميل ثم تحول الي مؤيد وداعم لوصوله الي رئاسة الجمهورية بعد تبادل موجع للضربات. ولاحقا ستقوم بين عبده ورفيق الحريري علاقة حميمة وقوية تضاعف الرغبة في محاورته او استجوابه .التجربة مع عبده واهتمام القراء بها دفعتني في 1998 الي التوجه الي مدريد لاقناع العميد غابي لحود، رئيس المكتب الثاني في عهد الرئيس شارل حلو (1964 ـ 1970)، بالخروج عن صمته المزمن. كان لحود لاعبا بارزا في المكتب الثاني في عهد الرئيس فؤاد شهاب (1958 ـ 1964) قبل ان يصبح رئيس الجهاز في العهد التالي. انه رجل يعرف من الداخل قصة عهدين رئاسيين، ويعرف ايضا جوهر الشهابية . كان لحود متعبا وصعبا لكن المحاولة انتهت باقتناعه.وفي سياق الحشرية الصحافية نفسها استوقفني ان العميد محمود مطر لم يتحدث عن القصة الاستثنائية في تاريخ الاستخبارات اللبنانية التي كان بطلها، وهي محاولة الاستخبارات السوفييتية خطف طائرة ميراج فرنسية تابعة للجيش اللبناني. ووافق مطر مشكورا علي التحدث عن تلك الواقعة التي اثرت لاحقا في موقف موسكو وكمال جنبلاط من استحقاقات دستورية وسياسية مهمة.في 14 اذار (مارس) شاهدت علي شاشات التلفزة جمهورا هائلا يرفع صور القادة الامنيين الاربعة في عهد الريس اميل لحود ويتهمهم بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولم يكن سرا ان اللواء الركن جميل السيد المدير العام للأمن العام كان الابرز بينهم، فهو كان مهندس توجهات امنية وسياسية وحارس عصب ما سماه المتظاهرون الدولة الامنية .أثار اسم السيد اهتمامي. فهو كان الرجل القوي في مديرية المخابرات في عهد الرئيس الياس الهراوي (1989 ـ 1998) وهو كان مهندس وصول العماد اميل لحود الي الرئاسة بتطابق كامل مع القرار السوري بدعم لحود. انه رجل يعرف قصة عهدين. وما كان ليخرج مستقبلا من معقله في الامن العام لولا الزلزال الذي اطلقه اغتيال الحريري.لم تكن تربطني بالسيد علاقة شخصية. فعلي مدار عهد لحود التقيته مرتين: الاولي للتهنئة والتعارف والثانية بعد سنوات لشكره بعدما تبرع مجهولون بايفاد رسائل مفخخة تحمل اسمي الي زملاء في صحف كويتية انفجرت احداها وتسببت في سقوط جريح. وحين استقال السيد تحت ضغط الشارع والاتهامات، عاودت الاتصال به آملا ان تنجح صحيفة الحياة في محاورته قبل ان تستدعيه لجنة التحقيق الدولية للاستماع اليه. وهو ما حصل. في الاسبوع الاول من تموز (يوليو) نشر حديث السيد علي حلقات وسارعت اللجنة الي استدعائه، وكان اول سؤال طرح عليه: لماذا تحدثت الي الحياة قبل مثولك امام اللجنة؟ وتقضي الامانة القول انه رفض في البداية المشاركة في سلسلة يتذكر ، لكن تكرار المحاولة نجح في اقناعه. وفي آخر الشهر التالي لموعد النشر تم توقيف الضباط الاربعة وبينهم السيد.ينتمي الضباط الاربعة الذين يضم هذا الكتاب الحوارات التي اجريت معهم، الي مؤسسة واحدة لكنهم ينتمون ايضا الي مدارس مختلفة واساليب متباينة. حين طرحت عليّ فكرة جمع حواراتهم في كتاب ترددت، خصوصا ان اللقاءات معهم اجريت من منطلق الحوار الصحافي ولم يكن همّ الكتاب حاضرا او واردا. في النهاية شعرت بان نشر هذه الحوارات قد يساهم في تسليط الضوء علي عدد من المحطات الامنية والسياسية، خصوصا ان ادوار الضباط الاربعة تجاوزت حدود ألقابهم ومواقعهم.0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية