تجربة المفاوضات السرية ادت الى نتائج كارثية والسلطة تطالب بالالتزام بتفاهمات تمس صميم القضية الفلسطينية

حجم الخط
0

د. أنيس مصطفى القاسم مشكلتان من بين المشاكل العديدة التي تواجه المفاوضات الحالية سيجري لفت النظر اليهما بايجاز في هذا المقال: (الاولى) مشكلة ما أصبح يعرف بالانقسام الفلسطيني. و(الثانية) مشكلة التفاهمات السابقة مع الجانب الاسرائيلي. اننا لا نريد أن ندخل في موضوع المفاوضات في حد ذاتها، فقد كتب كثيرون في هذا الموضوع، ولكننا نود أن نؤكد نقطة واحدة، وهي أن اسرائيل وأمريكا والغالبية الساحقة من الانظمة العربية تريد توقيع أبو مازن على حَلٍّ ما، وهم لسبب أو لآخر، مقتنعون بأنهم لن يجدوا فلسطينيا اكثر ‘اعتدالا’ منه. انها فرصتهم، في رأيهم، وهذا ما يرددونه دائما. وتعليقنا على هذا (1) لا يملك أحد، لا أبو مازن ولا غيره، سلطة التصرف في أي حق من الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ويصبح باطلا كل تصرف من هذا القبيل. (2) أي اتفاق يبرم قبل انهاء الاحتلال وانسحاب اسرائيل من كامل الارض الفلسطينية المحتلة يمكن التخلص منه مستقبلا لأنه يتم تحت اكراه الاحتلال وبالتالي يكون باطلا. (3) ملاحقة المجرمين الاسرائيليين حق شخصي ووطني، لا يتقادم بمرور الزمن، يمارسه كل فلسطيني تضرر منه، ولا يملك المفاوض الفلسطيني التنازل عنه أو الحلول محل اسرائيل في المسؤولية عن الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني وأبنائه. (4) يرفض الشعب الفلسطيني اعطاء الشرعية لما هو غير شرعي وفقا للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، ولا يعترف به.(أولا) الانقسام الفلسطينيأصبح الانقسام الفلسطيني الحالي الشماعةَ التي تعلق عليها جميع الآثام، وساد الادعاء بأنه يُضعفُ المفاوضَ الفلسطيني ويُظهِرُ الشعبَ منشقا على نفسه. هذا، في نظرنا، رأي خاطئ، خاصة في الظروف الحالية، ويستندُ الى نظرية الانفراد بالقرار السائدة في النظم العربية والتي أدت الى الكثير من الأخطاء والمآسي والكوارث الوطنية، ويتنكر للدور البَنَّاء الذي يمكن للمعارضة القيام به في الحياة السياسية، والمدى الذي يمكن الاستفادة فيه منها عند الملمات.اسرائيل تستعمل المعارضة، بل وتهيئ الفرصَ والظروفَ لايجاد معارضة تستند اليها عند الاقتضاء للوقوف في وجه محاولات فرض مواقف لا تريدها. وظاهرة استغلال المستوطنين كمقاومةٍ شعبيةٍ لسياساتها اذا ضُغِطَ عليها، هي من الامثلة البارزة على ذلك.. الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة أقامت المستوطنات وشجعت المستوطنين على الاستيلاء على اراض فلسطينية واقامة مستوطنات فيها، صنفتها بأنها عشوائية، والى جانب ذلك أقامت هي مستوطنات صنفتها بأنها شرعية، وها نحن نشهد مشكلة مصطنعة هي مشكلة تجميد الاستيطان، لا الغاؤه أو وقفه نهائيا، مع تهديد من المستوطنين بالاستمرار فيه اذا رضخت الحكومة. حالة لا مثيل لها: اللص يسرق جهارا نهارا ويصر ليس فقط على التمسك بما سرقه، بل وعلى المضي قدما في سرقة المزيد. الحكومات الاسرائيلية هي التي فتحت هذا الباب باجراءات غير شرعية وها هي تستغله للضغط على الفلسطينيين والمجتمع الدولي للحصول على مزيد من التنازلات في مقابل وعد، نعم وعد فقط، بتجميد الاستيطان بعد أن ضمنت بقاء المستوطنات الكبيرة.اسرائيل تستفيد حتى من معارضة أحزاب صغيرة جدا داخل الوزارة الائتلافية، أو في الكنيست، لتقوية مركزها التفاوضي، وتستجيب جميع الدول، بما في ذلك المفاوض الفلسطيني، لمحاولة تخفيف المواقف والبحث عن مخارج تتجاوب مع الموقف الاسرائيلي، حرصا على بقاء الائتلاف ومنع انهيارالحكومة، أو خوفا من ردة فعل المستوطنين، اي ردة فعل اللصوص. قادتنا وانظمتنا وساستنا واحزابنا، بل ومجتمعنا كله، لا يدرك أهمية الصوت المعارض بصدقٍ، ودوره في الارتقاء بالوطن، والسلطة الفلسطينية، بحمد الله تأبى الخروج عن شبهِ الاجماعِ العربي هذا. ولو كانت هناك معارضة فاعلة في مصر أيام كامب ديفيد يحترم النظام دورها لما كانت الشروط التي فرِضَت، مثل انتقاص السيادة المصرية على سيناء بأكملها، ولاستعان بها السادات في رفض تلك الشروط. ولكن السادات كان مشغولا في ذلك الوقت بـ’فرم’ المعارضة، تماما كما أن قوى الأمن الفلسطينية في الضفة مشغولة بتصفية المعارضة. في اسرائيل توجد مجموعات تنادي بطرد الفلسطينيين جميعا، بل وأحبار ينادون بقتل الاطفال الفلسطينيين لأنهم سيكونون أعداء عندما يكبرون. ومع ذلك لا يتعرض لهم أحد ولا يشجبهم رئيس أمريكي أو اتحاد أوروبي. هؤلاء قوة ضاغطة على الحكومة ولا تستطيع الا أن تأخذهم في الاعتبار. هؤلاء طبعا ليسوا ‘متطرفين’ وانما هم نتاج طبيعي للنظام الديمقراطي. أما المعارضة الفلسطينية فهم متطرفون واذا جاءوا عن طريق الانتخاب الديمقراطي فإن ذلك لا يجعلهم أهلا للتعامل معهم. المعارضة الوطنية قوة للوطن وليست عبئاً عليه، وهي بطبيعتها يجب أن تنادي بسياسات مغايرة وتُعِدُّ نفسها لتنفيذها. والنظام السياسي الفلسطيني يقوم على التعددية الحزبية وتداول السلطة، ولكن النظام الرسمي العربي ومعه السلطة الفلسطينية القائمة والاتحاد الاوروبي وأمريكا يريدون نظاما ديمقراطيا في ظاهره ولكن هم الذين ‘ينتخبون’ رجاله. هذا أولا، وثانيا ومهما كانت الظروف، يجب أن يكون بين ابناء الشعبين العربي والفلسطيني صوت مرتفع يرفض اقتطاع أي جزء من وطنه فلسطين لاقامة دولة اجنبية عليه وانتزاعِ السيادة عليه منه. الوطن التاريخي والحضاري والوجودي للشعب الفلسطيني هو فلسطين كلها، وليس فقط ما استطاع هذا الجيل حتى الآن الاحتفاظ به، أو ما تستطيع المفاوضات التي تجرى تحت الاكراه أن توصل اليه. هذا الصوت يجب أن يُسمع وأن يصل الى الاجيال القادمة لإبقاء شعلة الحرص على استرداده والعودة اليه متوهجة. هذا الصوت المعارض هو الذي يتماشى مع طبيعة كل الشعوب التي تعاني من احتلال اجنبي او اغتصاب لاوطانها.والحركة الصهيونية أدركت ذلك عند نشأتها وما زالت تدركه، لأن هذه هي طبيعة الاشياء، كما يقول الزعيم الصهيوني جابوتنسكي الذي تتبنى الحركة الصهيونية نظريته في الاستيطان. هذا هو الأصل، كما يقول رجال القانون: الأصل هو رفض استيطان أي جزء من فلسطين، ورفض أية مشاركة في السيادة على ارضها، ناهيك عن تسليم السيادة عليها. هذا ما يقوله جابوتنسكي. جميع حركات التحرر الوطني أو القومي قامت على هذا الاساس في الماضي وتقوم عليه حاليا وفي الآتي من الازمان. قادة اسرائيل، وخاصة نتنياهو، يعرفون هذا، ويعرفه كل دارس للتاريخ له عينان يقرأ بهما وعقل يفكر به. ويقول جابوتنسكي إنك تستطيع أن ترشي فردا ليبيع ارضه ولكنك لا تستطيع رشوة شعب ليبيع وطنه. والشعب الفلسطيني، افرادا وشعبا، رفض ويرفض ان يبيع وطنه أو يتخلى عنه. هذا هو مدلول ثورات التحرر من الاستعمار التي اجتاحت العالم كله بعد الحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص وألغت الاحتلال كمصدر من مصادر الشرعية لتبرير الاستعمار. وها هي القضية الفلسطينية العادلة المتماشية مع طبيعة الاشياء قد بدأت تصل الى العالم وتكسب المزيد من الانصار في أرجاء مختلفة منه. حملةُ المقاطعة التي تخوضها منظمات المجتمع المدني الفلسطينية بدأت تؤتي أكلها، وكان آخرها ما أعلنته نقابات العمال في بريطانيا في 16 ايلول/سبتمبر 2010 من مقاطعة للبضائع الاسرائيلية. وكذلك سحب المؤسسات لاستثماراتها في اسرائيل، وكان من أحدثها جامعة هارفارد العريقة التي قررت سحب استثماراتها في شهر آب/اغسطس عام 2010. واذن فإن وجود معارضة، خاصة في هذه الظروف، هو ظاهرة صحةٍ وضرورةٌ وطنيةٌ وقوميةٌ ودوليةُ، وغيابُها يكون عاراً تاريخياً على الشعب الفلسطيني، ووجودُها عنصرٌ أساسيٌّ من العناصر الفاعلة لإحداث التغيير المطلوب في الوطن العربي والذي هو آتٍ لا محالة. كما أنه، من المنظور الاسرائيلي، دليل قوي على أن الشعب الفلسطيني لم ييأس بَعد من امكانية انزال الهزيمة بالمشروع الصهيوني، وهذا يفت في عضدهم، خاصة أنهم يرون بداية تحول خطير في الرأي العام العالمي يشكك في شرعية وجود اسرائيل أصلا، وقوة هذا التيار واتساعه في تزايد. وهذا هو المقياس الذي يضعه جابوتنسكي لنجاح المشروع الصهيوني وسميناه نحن ‘المعركة بين التيئيس والتيئيس المضاد’. فهذا المشروع لن ينجح مادامت هناك ‘شرارة من أمل’ (جابوتنسكي) في امكانية التغلب عليه. هذه الشرارة يجب الا تنطفئ، وعلى أية حال، فإنه لا تستطيع اطفاءَها اتفاقياتٌ تناقض طبيعةَ الاشياء. اسرائيل تدرك أنها كيانٌ مصطنعٌ غاصبٌ، وككل غاصبٍ، فإنها لا تشعر بالاطمئنان ما دام صاحب الحق، الشعب الفلسطيني، ‘حياً’. ويرى جابوتنسكي أن الشعب الفلسطيني حيٌّ، وإن ‘كان مهلهلا ومتخلفا’ في نظره، ‘ولكن فلسطين هي وطنه’. لهذه الاسباب ستظل اسرائيل تشعر بعدم الاطمئنان، مهما أُبرمَ من اتفاقيات صلح أو انهاء للمطالبات، وهذا القلق الاسرائيلي سيكون عاملا اساسيا من عوامل إبقاء الصراع مستمرا الى أن يحسم لصالح أصحاب الوطن، لا الغرباء. والغريب في الموقف الفلسطيني والعربي الذي وافق على الدخول في المفاوضات المباشرة، مما له دلالته التي ولا شك لم تغب عن المفاوض الاسرائيلي ونصيره الامريكي، ان السلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي قَبلا الدخولَ في المفاوضات من دون أن يتمسكا بوجوب فك الحصار غير الشرعي المُطبِقِ من كل جهة على مليون ونصف مليون من البشر، من الفلسطينيين الذين ‘يعيشون’ في قطاع غزة والذين تطالب السلطة الفلسطينية بولائهم وتدعي أنها تمثلهم، وتتكلم باسمهم، في الوقت الذي استشهد فيه اتراك من اجل فك ذلك الحصار، وتستعد سيدات لبنان الأبي لركوب البحر للغرض ذاته، ويجري الاعداد لاسطول دولي خامس لنفس الهدف. كان يجب الا تكون هناك مفاوضات الا بعد فك الحصار بالكامل والالتزام بعدم العودة اليه سواء من الجانب الاسرائيلي او الجانب المصري. الاصرار على المفاوضات المباشرة كانت فرصة للجانب الفلسطيني وللجنة المتابعة العربية لاتخاذ موقف حاسم في هذا الموضوع، ولكنهما مع الاسف أضاعا هذه الفرصة. (ثانيا) المطبات والتفاهمات السابقة (أ) المشكلة المفاوضون الفلسطينيون يطالبون بالالتزام بالتفاهمات السابقة التي وصل اليها الطرفان. الشعب الفلسطيني والمجلس الوطني الفلسطيني والأمة العربية لا يعرفون ماهية هذه التفاهمات، حيث أن المفاوضين الفلسطينيين يتكتمون عليها، وكل ما يعرفه الناس، الذين هم أصحاب القضية والوطن، هو ما أعلن رسميا من اتفاقيات جائرة لم تَجرِ مناقشتها في المجلس الوطني أولا ثم شعبيا ثانيا قبل ابرامها. ولذا فإننا نرجو أن نُعذَر اذا اعتمدنا على مصادر أخرى للتعرف على بعض التفاهمات السابقة هذه، ويظل المصدر الرئيسي، مع الأسف، هو الصحافة الاسرائيلية. الرئيس الفلسطيني أشار في عدة مناسبات الى تفاهمات مع الحكومات الاسرائيلية السابقة، وخاصة الحكومتين السابقتين، ولكنه لم يطلع الشعب الفلسطيني على هذه التفاهمات ولو بتسريب صحافي كما يفعل الاسرائيليون وغيرهم. إن تجربة المفاوضات السرية علمتنا أن نكون حذرين جدا ومتشائمين جدا فيما يتعلق بهذه التفاهمات والاتفاقات السابقة، وبالتالي فاننا قلقون من الاصرار على التمسك بها، حيث أنه يستبعد تصحيح ما فيها من اعوجاج، وهو أمر مؤكد استنادا الى السوابق، لاسيما أن الذين يتفاوضون الآن هم نفسهم الذين تفاوضوا في تلك الاتفاقيات والتفاهمات السابقة. وما أكثر ما خدعتهم الالفاظ والتوهمات وقصر النظر.(ب) حق العودةلا نريد الرجوع الى أوسلو، إذ أن ما بعد أوسلو هو خطوة ثانية لتثبيت المطالب الاسرائيلية. في هذه الخطوة ظهرت الى الوجود تفاهمات محددة، وجميعها يمس صميم القضية الفلسطينية. ونبدأ بالتذكير بما أصبح يسمى بوثيقة جنيف، وهي الوثيقة التي وَقَّعَ عليها في احتفال رسمي لا بأس به في مدينة جنيف السويسرية أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه والسياسي الاسرائيلي المحنك بيلين. بيلين لم تكن له صفة رسمية لا في التفاوض ولا في التوقيع، ولكن عبد ربه كان ولا يزال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي فإن ما وافق ووقع عليه يعتبر مُوافَقاً عليه من اللجنة التنفيذية. في هذه الاتفاقية فسر حق العودة على أنه العودة الى الدولة الفلسطينية التي من المفترض أن تقام في الضفة والقطاع، وليس الى بيوت واراضي العائدين كما جاء في قرار الامم المتحدة. اي ان هذه الوثيقة ألغت حق العودة الذي حرصت الجمعية العامة للامم المتحدة على التأكيد عليه مرة تلو الاخرى. رفض الشعب الفلسطيني هذه الوثيقة برمتها، غير أن السيد ياسر عبد ربه لا يزال أمين سر اللجنة التنفيذية ويشارك في قيادة العمل السياسي الفلسطيني ويتكلم باسم هذه القيادة. وأكثر من هذا فإن اللجنة التنفيذية برمتها تتحمل مسؤولية ما حصل، وأثبتت أنها غير مؤتمنة على حقوق الشعب الذي تدعي انها تمثله، وكان عليها أن تستقيل بعد الرفض الشعبي المدوي لتلك الوثيقة. غير أن الضرر قد وقع، وصارت المطالبة بالتخلي عن حق العودة تجد صداها، وأصبح التحايل عليه يلقى قبولا من الجانب الرسمي الفلسطيني. (ج) ابوديس هي القدس العاصمةوقبل هذا، وأيضا في مفاوضات أخرى مع ‘اليساري’ بيلين هذا وهو خارج الحكم كذلك، تم الاتفاق بينه وبين محمود عباس على أن تكون قرية أبو ديس المجاورة للقدس هي ‘القدس’ العاصمة لدولة فلسطين. هذا ما أكدته الصحافة الاسرائيلية وبيلين، وقيل إن المرحوم ياسر عرفات رفضه. الا أنه يبدو ان هذا الاتفاق استمر يعمل عمله، ففي قرية ابو ديس شُيِّدَ مبنى كبير رأيته بعيني قال المواطنون بأنه سيكون مقر المجلس التشريعي الفلسطيني، وقال هؤلاء بأن اسرائيل احتجت على نافذة فيه يُرَى المسجد الاقصى من خلالها عن بعد وطالبت بردمها. وجاءت استقالة حاتم عبد القادر الوزير الفتحاوي الذي كان مسؤولا عن ملف القدس، لتكشف أن السلطة فعلا أهملت المدينة إذ أعلن أن استقالته كانت احتجاجا على عدم تخصيص الاموال اللازمة للقدس لحمايتها من التهويد. وأصدر رئيس الحكومة سلام فياض بيانا قال فيه بأنه لا توجد ميزانية خاصة لمدينة القدس. (ويجب أن نضيف ان الاخ حاتم واصل نضاله من أجل المدينة متخليا فقط عن منصبه الحكومي). تصريح في غاية الغرابة والدلالة من رئيس وزراء حكومة فلسطين، ولكنه ينسجم مع التزامٍ بتركِ المدينةِ وأهلها الفلسطينيين تحت التصرف المطلق لاسرائيل. ولذا لم يُقَدَم لهم من ‘حكومتهم’ أي عون جدي لتثبيتهم في المدينة التي يصرح رئيس الحكومة ورئيس السلطة بأنها عاصمة دولة فلسطين العتيدة، الأمر الذي يؤكد الاعتقاد بأن اسرائيل والسلطة الوطنية تتصرفان حيال المدينة وفقا للاتفاق الذي تم مع بيلين. كما أن مسار الجدار العازل الذي تبنيه اسرائيل في محيط القدس ضم جزءا من قرية ابو ديس وترك معظم القرية خارجه، ربما ‘احتراما’ لهذا الاتفاق وفقا لجميع المؤشرات. ولا شك في أن اسرائيل أبلغت امريكا بهذا الاتفاق وبأن نشاطها الاستيطاني في القدس يتم بناء عليه. لقد كتبنا كثــــيرا في هذا الموضوع، ولكن من الواضح أن السلطة لا يهمها كثيرا ما يجري في المدينة، وها هي وأهلها يعانون من اهمال يبدو أنه كان متعمدا، ونتائجه الكارثية في تصاعد متواصل. وواضح أن اسرائيل تنفذ ما هو في صالحها من التفاهمات حتى وإن لم تتخذ الطابع الرسمي المطلوب، ولكن الجانب الفلسطيني يبقى في العراء يصرخ ولا من مستجيب.(د) يهودية اسرائيل وقضايا أخرىالمناورات الاسرائيلية لاقتناص ما يمكن اقتناصه من الجانب الفلسطيني خطوة خطوة لم تتوقف في انتظار مفاوضات نهائية، وانما حرصت اسرائيل على استلاب ما يمكن استلابه من حقوق الشعب الفلسطيني، وتثبيت مواقعها وضمان الاعتراف بالايديولوجية الصهيونية، في اية لحظة تلوح لها بارقة أمل في ذلك، وهي، كما صرح كبير المفاوضين الفلسطينيين، لقاءات يومية. وقد نشرت جريدة ‘معاريف’ الاسرائيلية بتاريخ 23 نيسان/ابريل 2007 مقالا كشفت فيه النقاب عن ‘وجود اتفاق للحل النهائي للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي وقعه كل من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) ونائب وزير الامن الاسرائيلي أفراييم سنيه’، حسبما جاء في الترجمة التي نشرتها ‘القدس العربي’ للمقال. وقالت الصحيفة الاسرائيلية انها حصلت على نسخة من الاتفاق و’ان الرئيس عباس وافق على الطرح القائل إن دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي ولا يجوز في أي حال من الأحوال التنازل عن هذا التعريف’. وجاء في الخبر ان الصحافي الاسرائيلي ‘شدد على أن الاتفاق كان جاهزا وحاضرا للنقاش فيه، ولكن الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفشل حركة فتح وصعود حركة حماس الى السلطة بعد الانتخابات أفشل المخطط بين سنيه وعباس ودفعهما الى تأجيل النظر فيه’.عندما قرأنا هذا الخبر نشرنا في ‘القدس العربي’ مقالا بتاريخ 10 ايار/ مايو 2007 تساءلنا فيه عن مدى صحته، حيث ان البنود التي قيل إنهم اتفقوا عليها في غاية الخطورة وتدل على أن المفاوض الفلسطيني ما زال،على الأقل، عند عادته من عدم فهم النصوص التي تعرض عليه وفشله في تحليلها وادراك آثارها القريبة والبعيدة. وطلبنا نفيا أو تأكيدا للخبر. وانتظرنا، فلم يصدر لا نفي ولا تأكيد. ازاء هذا نشرنا في ‘القدس العربي’ ايضا تحليلا لما قالت الصحيفة الاسرائيلية انه تم الاتفاق عليه. وكان عنوان المقال ‘هل تم اتفاق على حل نهائي للقضية الفلسطينية’؟إننا لا نريد اعادة نشر المقال ولا حتى تلخيصه، ونترك هذا لـ’القدس العربي’. ويكفي الاشارة الى عناوين عامة. ففضلا عن الاعتراف بيهودية اسرائيل تعرض الاتفاق لقضايا اخرى منها مثلا ‘إن الوطن التاريخي للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني يقع بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط’. ما دخل هذا الكلام في اتفاقية لانهاء احتلال غير شرعي؟ ولكن هكذا تم الاعتراف بالحق التاريخي الذي تُطالِبُ به الحركةُ الصهيونية ورَفَضَهُ الفلسطينيون منذ بداية الادعاء به، ولم يعثر الباحثون منذ أن بدأ البحث في اواخر القرن التاسع عشر حتى اليوم على أي دليل علمي ذي قيمة يؤيد وجود الهيكل أو حتى دولة سليمان أو داوود. ويقول المؤرخون الاسرائيليون المحدَثون الذين درسوا جميع ما يقال بأن كل هذا اساطير في اساطير. ومع ذلك، وحسب ادعاء الصحافي الاسرائيلي، فإن الجانب الفلسطيني في هذه المفاوضات وافق على هذا الطرح الاسرائيلي والطرح الخاص بيهودية دولة اسرائيل الذي سبقت الاشارة اليه لاعطائهما الشرعية الفلسطينية، وهي الشرعية الوحيدة التي تحتاج لها اسرائيل للاطمئنان على مسيرتها في تحقيق المشروع الصهيوني. ويلاحظ أنهم تجنبوا ذكر اسم فلسطين، والسبب هو أن العهد القديم يسميها ‘أرض كنعان’ وهم لا يريدون تسميتها بفلسطين لارتباط الاسم هذا بسكان اصليين هم الفلسطينيون، وليسوا اليهود او العبرانيين. كما تجنبوا عبارة ‘ارض اسرائيل’ لأن هذا التعبير هو من ابتكارات الحركة الصهيونية ولم يرد في التاريخ على الاطلاق. اغراءات هذه النصوص للمفاوض الفلسطيني، الذي لا ندري بماذا نَصِفُه، أنها تقر للفلسطينيين، على ما يبدو، بحقوق كتلك التي لليهود في فلسطين، ومن ساواك بنفسه ما ظلمك، ولا نستبعد أن يكون المفاوض الاسرائيلي قد استعان بهذا المثل العربي، حين لعب اللعبة ذاتها بالنسبة للقدس كذلك. – بالنسبة للقدس، نص الاتفاق، كما جاء في الصحيفة الاسرائيلية، على ما يلي ‘مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي يجب أن تكون مدينة سلام بحيث تكون عاصمة لاسرائيل وأيضا عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن السيطرة السياسية على الاحياء المختلفة تكون وفق تركيبة السكان’. نص مُغرٍ كذلك، فقد قبلت اسرائيل بسهولة أن تكون القدس، القدس كلها، عاصمة لفلسطين أيضا، كما قبلت أن ما بين النهر والبحر وطن مشترك اي اعترفت بحق الفلسطينيين التاريخي. وبدا أن قصة ابوديس عاصمة قد انتهت. وغاب عن المفاوض الفلسطيني أن القدس كلها تحت السيطرة الاسرائيلية وأنها غيرت كثيرا من طبيعتها السكانية والعمرانية وما زالت مستمرة في ذلك بشراسة، وهدفها افراغ الاحياء العربية من سكانها وازالة كل أثر عربي أو اسلامي أو مسيحي في المدينة بحيث تبدو المدينة كلها وكأنها كانت يهودية سكانا وتاريخا منذ الازل، وستبقى كذلك الى الأبد. ازاء هذا لم يفطن المفاوض الفلسطيني عند التوقيع على هذا الاتفاق أنه لن يبقى في القدس حي عربي واحد تكون للدولة الفلسطينية عليه سيطرة سياسية، وتجاهل او لم يعرف ان مجلس الامن اتخذ قرارات بالنسبة للقدس واعتبرها ارضا محتلة يجب اخلاؤها وطالب اسرائيل بالغاء ضمها وازالة كل ما احدثته من تغييرات سكانية او غير ذلك. السلطة الفلسطينية وممثلوها ينادون بتطبيق الشرعية الدولية، ولكنهم ينسون هذه الشرعية عندما يتفاوضون ويوقعون. مرة أخرى نسأل هل هذا الاتفاق ببنوده التي وردت في الصحيفة الاسرائيلية هو من بين التفاهمات التي جرت ويطالب الجانب الفلسطيني المفاوض التمسك بها؟ (هـ) تبادل الاراضيكنا نسمع عن تعديلات ‘طفيفة’ في الحدود وما زلنا نسمعها خاصة من الوزير أبو الغيط، دون أن يُعَرِّفَ أحَدٌ عبارة ‘طفيفة’ هذه أو يجيب على السؤال: متى تعتبر التعديلات ‘طفيفة’ ومتى لا تعتبر كذلك؟ وهل جرى الاتفاق على تعريف محدد أم إن الامور، كالعادة، تركت عائمة يستغلها الاسرائيلي لمصلحته كما فعل بخصوص خط سير الجدار الذي يقيمه، فضم من الاراضي ما يدعي أنها تعديلات ‘طفيفة’ للحدود فيكون بذلك قد حسم الموضوع على الارض؟ ثم بدأنا نسمع عبارة ‘تبادل اراض’ مع التأكيد على أن التبادل سيكون بنفس المساحة والقيمة. ثم صرح أبو الغيط بأن العملية ستعود على الفلسطينيين ببلايين الدولارات. السؤال الذي يحتاج الى اجابة هو هل دخلت القضية سوق العقار، ونسينا أننا نتحدث عن مصير وطن؟ هذه سابقة في غاية الخطورة، قصة تبادل الاراضي. صحيح أنه في تعيين الحدود بين دولتين تجري تفاهمات حول وضعها، ولكن الموضوع لا يكون عملية تجارية. التحديد يتم بناء على اعتبارات قانونية في الأساس لتحديد من له السيادة على المنطقة المختلف عليها فيسترد سيادته. وهذا يتم عند رسم الحدود، ولا غبار عليه ولا يجري فيه ‘تبادل’ للاراضي. كل جانب يأخذ ما هو حق له ولا يأخذ شيئا من أرض جاره بدلا لأرض تنازل عنها لجاره. ولذا كثيرا ما تسوى الخلافات على الحدود عن طريق التحكيم الدولي. أما الحالة التي نحن بصددها فانها ليست خلافا على حدود. فحدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 هي حدود هدنة 1949 وهذه موثقة لدى الامم المتحدة وأطراف النزاع. هدف تبادل الاراضي إضفاء الشرعية على ما هو غير شرعي، وهو المستوطنات، وإرساء سابقة في غاية الخطورة. ماذا لو عرضت اسرائيل، بناء على هذه السابقة، على سكان باب خان الزيت أو باب العمود أو حارة النصارى أو باب حطة، وكلها أحياء فلسطينية بالكامل في القدس الشرقية ماذا لو عرضت اسرائيل على هؤلاء مبادلة بيوتهم ودكاكينهم ببيوت ودكاكين من ذات المساحة والقيمة خارج القدس؟ ماذا لو قبلوا هذا العرض استنادا الى السابقة الخطيرة هذه التي يُرَوَجُ لها واخليت القدس، وغير القدس بنفس الاسلوب، من سكانها الفلسطينيين بموافقتهم وأنزلت اسرائيل محلهم مواطنين اسرائيليين؟ هل قيمة هذه الأحياء المقدسية مادية فقط تقدر بالدولارات؟ أهلنا في القدس وغير القدس عرضت عليهم الملايين والتوطين ورفضوا، ثم تأتي السلطة ‘الوطنية’ فتطبق على الوطن معايير تجارية بالدولارات. أهلنا المسيحيون الارثوذكس لم تهدأ ثائرتهم بعد على البطريرك اليوناني الذي باع جانبا من أملاك الكنيسة لليهود من دون علم الطائفة. ألا ترون أنه من السهل جدا على اسرائيل وأنصارها أن يخطوا الخطوة القاتلة التالية وهي الاستملاك بطرق مختلفة في مقابل تعويض مالي سخي يكون فيه المال بديلا عن العقار مهما كان نوعه فيبدأ مسلسل الافراغ الكامل لفلسطين من سكانها الفلسطينيين؟ لا لتبادل الاراضي لأن الوطن ليس أرضا تباع وتشترى بالمال او بالمقايضة. هذه لعبة التجار، ونعم لرفض اعطاء الشرعية للمستوطنات وإن غضبت امريكا وحلفاؤها. الحدود في هذه المرحلة من النضال الفلسطيني هي حدود اتفاقيات الهدنة لعام 1949، وهي الحدود التي تشير اليها دائما محكمة العدل الدولية. أما المستوطنات فلتبقى، فانها ستبقى غير شرعية مهما طال الزمن، ولا تسقط جريمة اقامتها بالتقادم، وسيأتي يوم للمحاسبة. أما قبض الثمن وإعطاؤها الشرعية فلا. (رابعا) الاستفتاءوختاما فاننا نحذر من مسرحية استفتاء على النمط الساداتي المضلل، ونعتقد أن هذا ما يجري طبخه ليس اليوم وانما منذ سنوات في المطبخ الاسرائيلي الامريكي. اننا لسنا ضد الاستفتاء المستوفي لشروط الصحة. ولكنــــنا بكل تأكيد ضد الاستفتاءات التي تطبخ لتمرير ما لا يمكن او يجوز تمريره. وقد عالجنا هذا الموضوع في مقالين نشرناهما في ‘القدس العربي’ بتاريخ 13 و14 ايار/مايو 2008. كما أننا لسنا ضد مفاوضات يجري الاعداد لها اعدادا سليما ويتولاها من هم قادرون عليها وفي ظروف تتهيأ فيها فرص تحقيق أهداف فلسطينية من دون تفريط بأي ثابت من الثوابت.خاتمة هذه مواقف مسجلة على المفاوض الفلسطيني، ولا ندري ماذا تم من تفاهمات أخرى لا يعرف الشعب الفلسطيني شيئا عنها. لقد بدأت المواقف تتغير شيئا ما فيما يصدر من تصريحات من الوفد المفاوض، ونرجو أن يكونوا قد أدركوا ضخامة الأخطاء التي وقعوا فيها، وأنهم ليسوا نداً للمفاوض الاسرائيلي، بغض النظر عن شرعية تمثيلهم للشعب الفلسطيني. الأخطاء التي ارتكبوها حتى الآن تثير قلقا جديا حول أدائهم وما ســـيلتزمون به ويحاول الجانب الاسرائيلي الزام الشعب الفلسطيني به، خاصة في هذه المرحلة الخطيرة التي يبدو فيها أن الرئيس الامريكي مصمم على انهاء القضية لحسابات خاصة بامريكا. في هذه الظروف، فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يصر على دعوة المجلس الوطني الفلسطيني للاجتماع خارج الاراضي الفلسطينية المحتلة وذلك (أولا) لاستكمال عضوية المجلس باختيار أعضاء جدد وفقا لنظامه الداخلي. و(ثانيا) لتدارس الاوضاع الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة واقرار البرنامج السياسي المناسب، و (ثالثا) لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ومجلس مركزي جديد ولجان دائمة جديدة و(رابعا) للنظر في اجراء انتخابات جديدة للمجلس واتخاذ ما يلزم من القرارات في هذا الشأن. وفي الوقت ذاته انهاء تعطيل المجلس التشريعي عن العمل وأداء دوره في المحاسبة عما يجري في الاراضي الفلسطينية. والى أن يتم ذلك المطلوب من الجميع ممارسة اليقظة التامة لما يجري على الساحة وما يقوم به الوفد الفلسطيني على وجه الخصوص ولجنة المتابعة العربية. الوعي ثم الوعي ثم الوعي. لقد آن الاوان لهؤلاء الفرسان أن يترجلوا قبل أن يورطوا الشعب والقضية في مآزق إضافية بتوقيعهم على اتفاق أو تفاهمات ينقلان القضية الى متاهات جديدة من صنع فئة من أبــــنائها. أمريكا واسرائيل والأنظمة العربية تريد هذا الـــــتوقيـــع، كُلٌ لأغراضه الخاصة، وبعد التوقيع لا يهمهم ما يجري للشعب الفلسطيني ولمن فاوضوا ووقعوا. الجميع يريد التخلص من هذه القضية، والتوقيع، التوقيع فقط، هو الغاية، والمفاوض الفلسطيني هو وحده الذي سيحملونه المسؤولية الكاملة استنادا الى قاعدة نحن نوافق على ما يوافق عليه الفلسطينيون، ولن نكون ملكيين أكثر من الملك.’ أحد مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية qmdqpt

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية