لوحات الليبي عدنان بشير معيتيق: احتفاء بالعفوية ورسم الملامح الجمالية للجسد للتعبير عن الباطن

حجم الخط
0

تتميز لوحات عدنان بشير معيتيق بهذا الطابع الدرامي، فهي في معظمها تجسد التوتر والصراع ويبدو ذلك جليا في المفردات التي يجسد بها المبدع رؤاه ونظرته إزاء مجريات الواقع عبر تصوراته التخييلية، فكل وضعيات شخوص لوحاته وضعيات تحيل على اللاأمن وعلى السعي نحو التعبير عن نفسها انطلاقا من الحركة في اتحاد مع اللون المختار والذي يؤدي دورين متكاملين هما الإيحاء بالمضامين وجمالية الملمح المشخص على أديم اللوحة. لوحات أشبه بنقوش وحفريات تحَدَّتْ عاديات الزمن كي تسجل حضورها بين مشاهديها. في لوحاته يتقاطع على وجوهها الحاضر والماضي والمستقبل من خلال التعابير التي تشي بها إلى العين التي تتفرج عليها.
الفنان يبدي في كثير من أعماله عفوية حركة الريشة بشكل لا يخفي خبرته في رسم الملمح الجمالي الحامل لما يؤثر ويستفز المشاهد بشكل ما.
يتعامل الفنان مع موضوعات ومفردات لوحاته تعاملا تجريبيا فرغم التشابه الواسم لبعضها فإن كل لوحة تستقل بتلويناتها وخلفياتها المتأرجحة بين التداخل والاحتشاد اللوني وبين نصاعة وصفاء الألوان.
يترك المبدع فراغا يملأه التأمل في لوحاته، فالأشكال غير المكتملة تدفعك كمشاهد كي تتخيل الناقص والمحذوف وفق قصدية المبدع الفنية والتي تدفع بالمتفرج على اللوحة كي يكون فاعلا مشاركا في تكوين تيمات مضامين بطريقة تصورية تخيلية. اللوحة بهكذا شكل تجعل المشاهد يتفاعل إيجابيا معها عكس اللوحة التي تقول كل شيء فتجعلك مشاهدا فحسب.
وبالصيغة الإبداعية والتشكيلية والتركيبية تصبح مفردات اللوحة تطل عليك ببعض مكوناتها وكأنها تظهر بعض أسرارها وتخفي الكثير منها. المبدع يحمله الاجتهاد إيمانا منه بعدم محدودية التشكيلي للأوجه الإبداعية، فالإبداع هو المختلف، والمختلف لا يكون كذلك إلا بعيدا عن التقوقع والتقليد والمحاكاة للأشكال والتركيبات المفردية الجاهزة أو المعروفة.
يمتلك الفنان لمسات إبداعية تحمل بساطة ومقصدية تفرضها التجربة الفنية عبر التجريب والمحاولة الجادة من أجل إحداث التوازن الفني المنشود على صفحة اللوحة.
الفنان يجسد مشاعره عبر الحركات الجسدية التي بقدر ما تتعالق متصارعة بقدر ما تعيش الصراع مع ذاتها، يتكرر ذلك في أكثر من لوحة ولو بتشكيلات مختلفة اختلافا طفيفا.
الأجساد في لوحاته عارية من ملابسها التي عوضتها باللون باعتباره المعبر المباشر لمكنونات النفس، وما اللباس سوى تغطية لما يخشى البوح به، فالمبدع من هذا المنظور يحاول تعرية ما يعتلج في نفوس أشخاص لوحاته من خبايا، أو لأن المبدع يرى في الإنسان جوهره بعيدا عن القشور التي تكون الملابس طبقة منها.
وكان اهتمامه بوضعيات الجسد غايته تتجاوز الإغراء لتتحول عبر اللون وحيدا أو ممتزجا بغيره إلى التعبير عن أثر وضعيته النافذ والمتعدد التاويلات، خاصة والفنان يقدم شخوصه بطابع وملمح كاريكاتوري مجرد من الأستار والحواجب المموهة لحقيقة الباطن ‘الجسد الذي تستره’. وقد يكون المبدع في هذا الإطار متاثرا بالإبداع الغربي المحتفي بتعبيرية الجسد مجردا وعاريا بلا قشور ولا سدود، ليعبر عبر ذلك عن مظاهر الفرح والطغيان والقهر والشر والخير …
هكذا يجد المتأمل في أغلب لوحاته :
ـ أجسادا متصارعة مع الذات.
ـ أجسادا تجري متجهة نحو المجهول.
ـ أجسادا متداخلة وكأن بعضها يحتمي ببعض.
ـ أجسادا تنط من هول ما .
ـ أجسادا تتناجى وتتبادل الحديث بصدد همٍّ مشترك ربما.
ـ أجسادا تتقافز تبدو وكأنها في قلب النار.
ـ أجسادا مشرئبة ترنو إلى مبتغى معين.
ـ أجسادا تختلط وتتكامل مع أشياء أخرى…
يصير الجسد القلب النابض بالأحاسيس والمشاعر المحمومة، وتصير اللوحة بؤرة تهييج خلجات الأحاسيس المتباينة وفق سيناريوهات ذاكرة المتلقي …كل ذلك يتم ضمن إيقاعية شكلية ولونية يغلب عليها التوتر واللاتوازن الباحث عن التوازن المفقود. وبذلك يستثير فينا بعضا من المشترك المستفز والمستقر في دواخلنا.
لوحات بهذا الشكل تشكل نموذجا تعبيريا خاصا من خلاله نعبر بالجسد نحو منغصاته وطموحاته وإرهاقاته في مجتمع تتقاطع فيه المصالح والهموم والطموحات.

*كاتب وتشكيلي من المغرب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية