توم كروز اردني لانجاز مهمة تلفزيونية مستحيلة

حجم الخط
0

بسام البدارينحتى الأطباق التي يستخدمونها لالتقاط المحطات الفضائية في دابوق لا يمكن مشاهدتها في أي مكان آخر في عمان.. عملاقة وغالبا ما يجلس الصحن اللاقط كالأم وسط أطفالها .. والأطفال هنا عبارة عن عدة صحون لاقطة أصغر حجما لكن أصغرها يعتبر بمثابة ‘الجدة’ للصحن المتاح في بيتي او بيوت جميع أصدقائي.هل يوجد في العالم أصلا 5200 محطة فضائية؟ وهل يوجد صحن لاقط في الكون يمكنه التقاط هذه المحطات؟ السؤال المحير أكثر لماذا يحتاج سياسي أردني نجح بطريقة لا نعرفها في الانتخابات لصحن لاقط عملاق يمكّن حاشيته من مشاهدة فضائية غواتيمالا؟ هل المسألة متصلة بسعة ثقافة؟ يعني صاحبنا يريد ان يعرف ما الذي يجري في غواتيمالا مثلا على الحدود مع المكسيك حتى يتمكن من رعاية المصالح الأردنية في تلك الجغرافيا؟.فضائيات دابوق ‘حدوتة’ بحد ذاتها على رأي اخواننا المصريين .. وهي لمن لا يعرفها تلك الضاحية المتميزة ببعض الروابي والهضبات الصغيرة غرب العاصمة عمان، التي يتنافس للإقامة فيها أباطرة المال والسياسة وجنرالات الحكم وتستحكم فيها أساطير النخبة التي تقود شعبا مرهقا جدا في دولة يقول التقرير الأخير للأمم المتحدة انها ‘متباينة’ فيما يتعلق باستراتيجية مكافحة الفقر.دابوق ضاحية صغيرة نجحت في إسقاط ضاحية عبدون الراقية في كل الحسابات، فأصبحت الثانية تبدو ‘مراهقة’ في الفخامة قياسا بالأولى .. ودابوق هي نفسها التي خيضت معارك سياسية وتشريعية من أجلها قبل ثلاثة أعوام تحت عنوان ‘بيع الدولة الأردنية لعقاراتها’.طبيب جراح أردني شهير حدثني قائلا: اشتريت في دابوق أربعة دونمات من الأرض قبل ربع قرن بسعر لا يتجاوز 20 الف دولار للدونم الواحد.. السعر الان يتجاوز بقليل المليون دولار للدونم الواحد.رغم ذلك تجد دابوق من ‘ينتحر’ من سياسيي عمان ورموزها وقططها السمان لشراء قطعة أرض حتى يقيم عليها صرحا عملاقا أشبه بقبور الفراعنة او إقامات الإباطرة .. كل ذلك يحصل في بلد فقير كالأردن، والغريب ان دابوق التي كانت تسكنها الضباع خرجت من أحشاء عمان المدينة لكنها لا تشبهها إطلاقا ولا في أي شيء.المنازل هناك أصبحت كالمولات.. دائما عملاقة وفيها مساحات فارغة وشجر مستورد وأضواء لا تنعم بها القرى الأردنية وشوارع مغرقة جدا بالنظافة.. فهمت الان لماذا كانت أول عبارة لرئيس بلدية عمان الجديد عمر المعاني بعد تعيينه على شكل سؤال استنكاري عندما زار حيا اسمه جبل النظيف لا يحمل من اسمه أي نصيب.. يومها قال الرجل: معقول كل هذه القمامة في جبال عمان؟.. طبيعي ان يستنكر العمدة فهو يقيم بدابوق التي لا ترصد في شوارعها حتى أعقاب سجائر.نعود لموضوعنا.. أزعم ان اللواقط العملاقة في دابوق لا تهدف فقط لالتقاط عدد أكبر من المحطات، بل لالتقاط ما تيسر أيضا من أرزاق وأنفاس وأحيانا أرواح الأردنيين، فكل قطط الأراضي والعقارات والأسهم السمان لم يقترب منهم أحد بعد، وضجيج مكافحة الفساد المسيطر على إيقاع فضائية الحكومة لم ينته بعد برؤية أي شخصية بارزة خلف القضبان- إلا واحدة بطبيعة الحال.الفضائية اليتيمةوعلى ذكر فضائية الحكومة اليتيمة تحفل المواقع الإلكترونية في عمان بالرسائل والمذكرات والأسافين التي تستهدف المشاغبة على إدارة مؤسسة التلفزيون بعدما قررت الأخيرة التخلص من جزء من ‘الحمولة الزائدة’ في المؤسسة في واحدة من المهام التي توصف بانها مستحيلة منذ سنوات وتحتاج على الأقل للنجم توم كروز الذي شاهدنا أفلامه حول المهمة المستحيلة عشرات المرات على فضائيات العالم العربي.توم كروز بنسخته الأردنية يحاول تحقيق ما عجزت عنه طوال عقود حكومات بأكملها وهو حصريا توفير كادر ‘رشيق’ ومهني لإدارة شاشة الحكومة لا علاقة له بحسابات العشائر التوظيفية وكوتات المصالح الانتخابية، حيث يعمل في مؤسسة – يمكن ان يديرها مئة شخص مهني – فقط أكثر من 1600 موظف غالبيتهم لا يفعلون شيئا، وبعضهم أصبح هدفا لخطط الترشيق في مؤسسات الإعلام الرسمي.المهمة المستحيلة كانت تتمثل في إقناع المئات من الموظفين بالعمل في مكان آخر او الاستغناء عن العشرات منهم، وجميع الموظفين يعتقدون بان بقاءهم في كادر الشاشة اليتيمة في البلاد واجب وطني وهم بكل الأحوال ضحايا لرؤساء الحكومات في السابق الذين وزعوا الوظائف لاعتبارات مصلحية على مدار سنوات، فأسسوا للمئات مصالح معيشة تهددها الان المهمة المستحيلة. أنا شخصيا سمعت رئيس الوزراء سمير الرفاعي يقول: كل موظف مهني او تقني في جامعات القطاع العام يعمل حوله ثمانية موظفين آخرين لا لزوم لهم .. الرجل أضاف: هل هذا معقول؟… طبعا الحكومة تقول ان الحمولة في مؤسسة التلفزيون زائدة جدا ولا بد من معالجة الأمر.رصاصة بشلن من الزرقاءلكن من يتحدث عن هذا الموضوع لابد له من تذكر الحادثة الشهيرة .. نارت بوران وهو شاب متخصص في عالم التلفزيون اختارته مرة إحدى الحكومات رئيسا لمؤسسة التلفزيون.. درس الرجل الأمر باهتمام واكتشف ببساطة ان المشكلة الأولى تتمثل في الحمولة الزائدة التي تعيق العمل وتربكه، فاجتمع برئيس الوزراء انذاك وطلب منه الضوء الأخضر لإعادة ترسيم الهيكل والكادر بما يتطلب الاستغناء عن 300 موظف في الجولة الأولى. وافق رئيس الحكومة ومنح بوران الضوء الأخضر وفي اليوم التالي قيلت عبارة على لسان أحد الموظفين المهددين، حيث قاطع المدير العام الجديد وتردد صدى هذه العبارة في مواقع القرار الأولى وفي البرلمان .. كانت العبارة كالتالي: ‘إسمع يا أخونا .. ترى رأسمالك شلن من الزرقاء’.العبارة بطبيعة الحال مفهومة لكل أردني فالشلن هو خمسة قروش وهي سعر الرصاصة التي تباع في السوق السوداء في مدينة الزرقاء.. بعد أيام فهم بوران الطابق ونفذ بريشه وغادر البلاد حفاظا على رأسه.كلفة المشاهدةوعلى ذكر الأرقام والأسعار أرسل مواطن أردني رسالة طريفة جدا عن الفضائيات وتلفزيون الحكومة لعدة مواقع إلكترونية استعرض فيها حوارا مقنعا دار بينه وبين ولده.الأب مصر على مشاهدة نشرة الأخبار ‘المملة حسب الابن’ على تلفزيون الحكومة والابن يريد الانتقال لمشاهدة مسابقات رمضان على الفضائيات العربية وبعد حوار بين الرجلين قدم الابن للأب معادلة رياضية رقمية مثيرة وقال: بابا ركبنا الدش بـ 200 دينار أردني ونستطيع بهذا المبلغ مشاهدة 500 محطة عالمية وعربية مدى الحياة مما يعني ان الكلفة السنوية نظير ذلك هي 40 قرشا ندفعها سنويا لكي نتمكن من مشاهدة 500 محطة عالمية. أضاف الابن: ندفع على فاتورة الكهرباء شهريا دينارا واحدا بدل رسم تلفزيون الحكومة وبمعدل 12 دينارا سنويا ولا نشاهد شيئا حقيقيا فأيهما أوفر علينا مشاهدة 500 محطة بـ40 قرشا سنويا لخمسين عاما على الأقل أم نشرة أخبار مضجرة بـ12 دينارا سنويا؟’ مراسل ‘القدس العربي’ في عمّانqmaqpt

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية