هل سيثمر اتفاق المصالحة هذه المرة؟

حجم الخط
0

معظم الفلسطينيين في الداخل الصامد او في الشتات الآمل سعيدون باتفاق المصالحة الذي عقد في مخيم الشاطئ في غزة الصابرة يوم الأربعاء الماضي، الثالث والعشرين من نيسان/ابريل الجاري، بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس. لا يخفي الكثيرون خوفهم من انفراط عقد هذا الاتفاق، فالشيطان في التفاصيل. الذاكرة الفلسطينية حادة ولم تنس بعد لقاء مكة 2007 واتفاق القاهرة 2011 واعلان الدوحة 2012. الجانبان يؤكدان ان الوضع مختلف هذه المرة، كيف؟
التعنت الاسرائيلي ازداد مؤخرا، والوضع العربي بعد موجة الثورات التي اجتاحت المنطقة انغمس في الاوضاع المحلية تاركا الفلسطينيين يواجهون مصيرهم وحدهم، تماما كأيام اجتياح بيروت عام 1982، وربما ان ثلاثة مقاطع صغيرة من قصيدة درويش الخالدة أحمد الزعتر تلخص الموقف آنذاك والآن..
وكنت وحدي
ثم وحدي
آه يا وحدي وأحمد’
وأعد أضلاعي فيهرب من يدي بردى
‘وتتركني ضفاف النيل مبتعدا
وأبحث عن حدود أصابعي
فأرى العواصم كلها زبدا
كلما آخيت عاصمة رمتني بالحقيبة’
الغريب في البيان المشترك أنه يثمّن ويقدّر الموقف المصري في رعاية الاتفاق واستمراريته، ويثمّن أيضا الدعم العربي الشامل. لسنا هنا في موقع نكء الجراح، ولكن أليست هي مصر نفسها التي صنفت حماس حركة ارهابية قبل أقل من شهرين؟! فكيف تدعم مصر اتفاقا مثل هذا أحد أطرافه حركة ارهابية كما تدّعي؟ ولا أفهم هذا الدعم العربي ‘الشامل’ للاتفاق كما جاء في نصه، هل هو من باب الاحلام والتمني؟ السيد اسماعيل هنيه طالب بشبكة امان عربية سياسيا وماليا، عمليا اعلمت حماس الحكومة التونسية بالاتفاق ولم يطري عليه غير مصر وقطر وتركيا. السعودية تعتبر حركة الاخوان المسلمين حركة ارهابية، وحماس هي حركة جهادية منبثقة من رحم الاخوان، فهل ستدعم ماليا اتفاقا كهذا؟ اذا فعلت فستكون مصابة بالفصام سياسيا. من الناحية العملية يبدو أن العبء المالي ستتكفل به قطر وحدها، ويبدو أنها مستعدة لذلك.
هل ستنفذ الولايات المتحدة الأمريكية تهديداتها بقطع أو خفض المساعدات للسلطة الفلسطينية كاجراء عقابي؟ أمريكا لن تفعل هذا اذا اعتقدت أن ذلك سيؤدي الى تفكك السلطة ووضع الفلسطينيين في موقف حرج ماليا قد يؤدي الى الانفجار، الذي ليس في مصلحتها او في مصلحة اسرائيل، ويبدو ان الاموال القطرية ستكون صمّام الامان’ للاستقرار الفلسطيني المالي والسياسي.
الرئيس عباس اعلن قبل يومين البدء بتشكيل حكومة خبرات (تكنوقراط)’من مستقلين (في أغلبها)’والتحضير للانتخابات الرئاسية والمجلس التشريعي والمجلس الوطني خلال الستة أشهر القادمة. المعروف ان آخر جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني عقدت في غزة 1996 وقد ألغت مواد من الميثاق الوطني الفلسطيني ما زال الفلسطينيون يتجادلون بشأنها حتى اليوم،’والمجال غير مناسب الآن للاستفاضة. المعروف أيضا أن أعضاء هذا المجلس، أكثر من 700، عيّنوا وبدّلوا ولم ينتخبوا مرارا منذ 1964! آخر انتخابات تشريعية كانت في 2006، بعدها بسنة حصلت المواجهة العسكرية في القطاع بين حماس وفتح وبدأت القطيعة. المطلوب الآن اشراك فلسطينيي الشتات في هذه الانتخابات (الرئاسية والتشريعي والوطني) انتخابا وترشيحا وتمثيلا كاملا، مساويا للحقوق التي يتمتع بها فلسطينيو الداخل.
للعلم’فان مجمل اعداد الفلسطينيين الآن يقارب الـ12 مليونا، ثلتهم فقط في الداخل ولا يعقل ان يقرر الفلسطينيون في الداخل مستقبل فلسطين وحدهم، مع احترام صمودهم وتجذّرهم ومعاناتهم وتضحياتهم التي لا ينكرها أحد، ولكن فلسطينيي الشتات لم يتوانوا يوما عن دعم قضيتهم ماليا واعلاميا وسياسيا، واظهار الوجه الحضاري المشرق للفلسطيني في الغرب. سيتنطّع من يقول ان اقتراع الفلسطينيين في الخارج سيكون شبه مستحيل بسبب الاجراءات اللوجستية، ونقول انه ممكن اذا توفرت الارادة (والمال) لحكومة الوحدة المنتظرة.
الموقف الاسرائيلي كان متوقعا، خيّر نتنياهو عباس بين الصلح مع اسرائيل أو مع حماس، وهذا سيضع عباس في موقف محرج لاحقا اذا فشل الاتفاق، لا سمح الله، ولكن عباس يوافق على تمديد المفاوضات بشرط تجميد الاستيطان واطلاق سراح الاسرى. عمليا انه يصّوب الكرة الان في المرمى الاسرائيلي ببراعة ويعرف ان اسرائيل لن تقبل بشروطه، ووضعها امام الامر الواقع في تصالحه مع حماس. انه الان يقف على ارضية صلبة، ولا مجال للتنازلات أبدا فالوحدة قوة. الموقف الامريكي طبعا متناسق مع الموقف الاسرائيلي، وهل كان يعتقد الرئيس الامريكي اوباما وجون كيري وزير خارجيته ان اتفاقا مع اسرائيل سيمر، وان لم يوافق عليه نصف او ثلثي الفلسطينيين. راهنت امريكا واسرائيل على استمرار الانقسام الفلسطيني، وخسرتا الرهان، وبدأ الفلسطينيون ربيعهم.
ثمة أمر آخر مهم لم يلتفت اليه المراقبون في غمرة انشغالهم بالوفاق، وهو أن بيان المصالحة الفلسطيني تضّمن في فقرته الأخيرة تفعيل لجنة الحريات، وللتاريخ فان’ حريات التعبير السياسي وحريات أخرى انتهكت من الجانبين في الضفة والقطاع، وحان الوقت لاطلاق الحريات كما يليق بتاريخ الشعب الفلسطيني الذي تشهد الاسرة الواحدة فيه تعايشا بين التيارات الدينية والعلمانية واليسارية والليبرالية.. على مر العقود الماضية، ونأمل في استمرار هذه الظاهرة الديمقراطية الفريدة.
عودة الى السؤال الملح هل سيثمر هذا الاتفاق أم سيلاقي نفس مصيرالاتفاقات والتفاهمات السابقة. لا نأمل فقط’ بنجاحه، بل نعتقد بذلك لأن الظرف الفلسطيني الآن حرج جدا وكما يقول البيان بأن المصالحة الآن أصبحت واجبا وطنيا. لقد لبّت حماس وفتح وباقي الفصائل الان نداء الواجب، ولا أظن أنهم سيخذلوننا مرة اخرى.

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية