الغموض الذري من الخطط السياسية الأنجح لاسرائيل منذ اقامتها وأي تغيير الان سيمنح ايران ذريعة اخري لاحتياجها الي التسلح بالنووي

حجم الخط
0

الغموض الذري من الخطط السياسية الأنجح لاسرائيل منذ اقامتها وأي تغيير الان سيمنح ايران ذريعة اخري لاحتياجها الي التسلح بالنووي

الادارة الامريكية جهدت كثيرا لمنع تل ابيب من تطويره الغموض الذري من الخطط السياسية الأنجح لاسرائيل منذ اقامتها وأي تغيير الان سيمنح ايران ذريعة اخري لاحتياجها الي التسلح بالنووي في الثاني من نيسان (ابريل) 1963 كان المدير العام لوزارة الدفاع شمعون بيريس يخطو في أروقة البيت الابيض. كان يصحبه مئير فيلدمان، مستشار الرئيس جون كنيدي للشؤون اليهودية.مكث بيريس في واشنطن من اجل التفاوض في شراء صواريخ مضادة للطائرات من طراز هوك ، وهي اول صفقة سلاح مهمة بين الدولتين. مشي بإزائهما الرئيس كنيدي عرضاً، وطلب من فيلدمان ان يُرتب لقاء غير مخطط له مع بيريس ـ رُتب فورا واستمر نحو عشرين دقيقة. لقد خُصص في أكثره للبرنامج الذري الاسرائيلي: فقد كان كنيدي قلقا جدا من انتشار السلاح الذري في العالم، بل عبر وزير دفاعه، روبرت ماكنمارا، عن خوف انه ستكون حتي بدء السبعينيات 16 دولة تملك سلاحا من هذا النوع.منذ دخوله البيت الابيض في 1961، ضغط كنيدي وحكومته علي اسرائيل للحصول علي توضيحات تتعلق بالنشاط في المفاعل الذري في ديمونا. تم الكشف عن حقيقة بناء المفاعل في طلعات تصوير للاستخبارات الامريكية، ونتيجة ذلك اضطر رئيس الحكومة دافيد بن غوريون الي الاعتراف في كانون الاول (ديسمبر) 1960 بأن اسرائيل تبني في المنطقة مفاعلا ذريا لا مصنع نسيج كما حاول ناطقون اسرائيليون الزعم قبل ذلك.بعد ان اصبح بناء المفاعل حقيقة، جهدت الادارة الامريكية لمنع اسرائيل من ان تطور فيه منشأة لفصل البلوتونيوم ومنشآت اخري، معناها في الحقيقة سعي الي بناء قنبلة ذرية. نضجت هذه الضغوط حتي أصبحت اتفاقا فُرض علي بن غوريون، علي زيارة مراقبين من قبل لجنة الطاقة الذرية في الولايات المتحدة. كانت الزيارة الاولي في 1961، وكانت بعدها زيارة اخري في 1962، علي حسب وثائق في مكتبة كنيدي في بوسطن، قال كنيدي في لقائه بيريس في البيت الابيض في 1963 أنت تعلم أننا نتتبع باهتمام كبير جدا تطور القدرة الذرية الكامنة في المنطقة. لهذا نفحص من قريب جهودكم في المجال الذري. ماذا تستطيع ان تقول لي عن ذلك؟ . أجاب بيريس، الذي فاجأه السؤال بلا تلبث: استطيع ان اقول لك بوضوح اننا لن ندخل سلاحا ذريا في المنطقة. لن نكون أول من يفعل ذلك . كان ذلك جوابا لوذعيا لحظيا هدف الي رد ضغط الرئيس والي منع سوء العلاقات في هذا الموضوع بالولايات المتحدة، في فترة بحثت فيها اسرائيل عن حليف بديل من الصلة الخاصة التي كانت لها وانقضت بفرنسا، التي أعطتها المفاعل في ديمونا.بعد ذلك انتقد خلف بن غوريون في رئاسة الحكومة، ليفي أشكول، بيريس للاقوال التي أسمعها لكنيدي. اعتقد اشكول انه بالغ وتحدث أكثر مما يجب. لكنه بعد ذلك أخذ هو وجميع رؤساء الحكومة الذين تلوه بهذا القول، وجعلوه سياسة اسرائيل الرسمية.تقف سياسة الغموض الشهيرة الآن في وجه العاصفة في أعقاب تصريح رئيس الحكومة ايهود اولمرت، في يوم الاثنين مساء في مقابلة مع محطة تلفاز المانية. اعترف بيريس (في مقابلة في 1991 مع أفنير كوهين، مؤلف كتاب اسرائيل والقنبلة )، بأن الصيغة التي صاغها كانت ثمرة ارتجال وولدت بتفوه لحظي. لم أُرد ان أكذب علي الرئيس ، قال، لكنني لم استطع ايضا ان أُجيب علي سؤاله اجابة مباشرة. وللخروج من الورطة حاولت ان اقول شيئا ما أصبح سياسة اسرائيل لسنين . بكلمات اخري، التعبير العام عن سياسة اسرائيل الذرية، التي قد تكون أهم ركن في الاستراتيجية الأمنية للدولة، ولد في الحقيقة كزلة لسان، وربما الآن في إثر زلة لسان اخري ـ لاولمرت ـ غُرز دبوس آخر في بالون الغموض.كان الاسبوع الأخير اسبوع زلات اللسان الذرية . بدأ ذلك مع المرشح لولاية وزارة الدفاع في الولايات المتحدة، روبرت غيتس. عندما سُئل غيتس في مساءلة في الكونغرس لماذا تسعي ايران الي سلاح ذري، أوضح انها محاطة بدول أصبحت تملك سلاحا كهذا ذكر اسرائيل بينها. اول أمس فعل اولمرت ذلك مرة اخري. لقد استشاط غضبا لمحاولة تسويغ سعي ايران الي سلاح ذري بحقيقة أن اسرائيل ايضا تملك سلاحا كهذا، وذكر اسرائيل كدولة ذرية في نفس واحد مع فرنسا وروسيا والولايات المتحدة.ان ما بدا زلة لسان لرئيس الحكومة أثار عاصفة هوجاء، لكن يبدو انها ليست في محلها. اسرائيل في الحقيقة هي الدولة الوحيدة من كل اولئك التي تملك سلاحا ذريا التي لا تُصدق ذلك، حتي هذا الاسبوع علي الأقل، لكن العالم كله في الواقع يفترض انها تملك سلاحا ذريا. علي حسب ميثاق منع انتشار السلاح هذا NPT في 1968، اعترف العالم بحق الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي (وروسيا كبديل منه)، والصين وبريطانيا وفرنسا في أن تكون قوي ذرية.ان الهند وباكستان ايضا، اللتان أجازتا انهما تملكان سلاحا ذريا وقامتا بتجربة ذرية، هما قوتان ذريتان كاملتان، ورغم ان العالم لا يعترف بحقهما في ذلك، فانه يقبل ذلك كحقيقة. في المدة الأخيرة انضمت كوريا الشمالية ايضا الي النادي الذري كما يبدو. اسرائيل، بمقابلة ذلك، تمسكت طول السنين بسياسة غموضها، التي تدع منفذا للتأويل ولعدم يقين ما، وهو شيء يفترض ان يردع أعداءها. وفي الحقيقة ان المركب المهم في صوغ سياسة اسرائيل الذرية هو مركب الردع. مع السنين وجد غير قليل من الاصوات في اسرائيل طرحت صياغة سياسة مغايرة. من بين ما اقتُرح الحديث عن تعديل الغموض بصياغة مبدأ قنبلة في القبو . اي ان تعلن اسرائيل بأن لها قدرة علي تطوير سلاح ذري، أو بكلمات اخري ان لها خيارا ذريا. تلهي موشيه ديان بهذه الفكرة. اعتقد آخرون ان علي اسرائيل ببساطة ان تعلن بأن لديها سلاحا ذريا.لكن جميع حكومات اسرائيل، سواء كانت من اليمين أو اليسار، تمسكت نهاية الأمر بالغموض. كان الانجاز الأكبر لهذه السياسة في مجالين: لقد أفضت الي تخفيف ضغط الولايات المتحدة عن اسرائيل والي موافقة صامتة من قبلها في الواقع علي الذرة الاسرائيلية، وردع الدول العربية.صاغ الرئيس ريتشارد نيكسون وهنري كيسنجر، مستشاره للأمن القومي، الموافقة الامريكية في لقائهما رئيسة الحكومة غولدا مئير في 1969، قُطعت زيارات المراقبين الامريكيين للمفاعل في ديمونا (لم تكن مجدية لسببين خاصة: أحدهما أن اسرائيل كما اعترف آبا ايبان في حينه في حديث معي، قد بنت نظاما كاملا من المنشآت الوهمية في المفاعل لكي لا يستطيع المراقبون ملاحظة الشيء الحقيقي . والثاني ان المراقبين لم يتوقوا حقا الي الكشف عما يحدث، لانهم أدركوا ما الهدف من المفاعل في الحقيقة).أوضح الامريكيون انهم سيوقفون الضغط، أما اسرائيل فالتزمت من جانبها ألا تجري تجربة ذرية، وألا تصرح عن تصريحات وألا تطلق في الأساس تهديدات يُفهم منها وكأنها تريد استعمال السلاح الذري الذي في حوزتها.لم تُمس هذه المباديء، كشيء يصحب سياسة الغموض، حتي عندما زلّت ألسن قادة اسرائيليين خرجوا عن الخط الرسمي. قال الرئيس افرايم كتسير في كانون الاول (ديسمبر) 1974 ان لاسرائيل قدرة ذرية كامنة . وعندما سأله صحافي الا يمكن ان تثير اقواله القلق، أجاب: ليقلق العالم .عرف كتسير فيما يتحدث. كباحث في معهد وايزمن شغلته موضوعات تتصل بالقضية الذرية، وفي 1962 عُين مرافقا رسميا من قبل حكومة اسرائيل لزيارات المراقبين الامريكيين في زيارتهم الاولي للمفاعل في ديمونا. بعد ذلك بـ 16 سنة، في 1990، بعد زمن قصير من ولايته منصب وزير العلوم، صدر عن البروفيسور يوفال نئمان ايضا، الذي كان عضوا في لجنة الطاقة الذرية ومشاركا سريا في كل ما يتعلق بالسياسة الذرية، تصريحات كان يمكن أن يُفهم منها أن اسرائيل سترد ردا قاسيا جدا علي مهاجمتها. قيلت هذه الاقوال علي خلفية تصريحات حماسية صدرت عن صدام حسين في نيسان (ابريل) 1990، قبل اربعة اشهر من غزوه الكويت، ان العراق يستطيع ان يحرق نصف اسرائيل . ولكن بعد مرور نحو تسعة اشهر، عندما هاجم صدام اسرائيل بصواريخ سكاد، حملت سلاحا تقليديا علي نحو تام لا سلاحا كيماويا، رغم أنه كان في حوزته. قدّر محللون كثيرون أن صدام حسين لم يطلق صواريخ مع رؤوس حربية كيماوية أو بيولوجية لانه اعتقد فقط أن اسرائيل سترد بالسلاح الذري الذي تكهن بأنها تملكه. اذا كان الأمر صحيحا فان سياسة غموض اسرائيل أثبتت جدواها هنا.يري بعض المحللين سياسة اسرائيل هذه ايضا سببا في ان الرئيس أنور السادات عندما قرر الخروج الي الحرب مع اسرائيل في 1973، نصب غايات محدودة فقط للحرب، من بينها تحريك العملية السياسية. اعتمد هذا التقدير علي تصريحات السادات بعد ذلك، الذي خلص الي استنتاج ان الدول العربية لن تستطيع القضاء علي اسرائيل بسبب السلاح الذري الذي تملكه.في كل نقاش لسياسة غموض اسرائيل، يجب أن نضيف ايضا ما يمكن ان نسميه مبدأ بيغن . أوضح رئيس الحكومة مناحيم بيغن ان اسرائيل لا تستطيع أن تسمح لنفسها بأن تكون في الشرق الاوسط دولة مع سلاح ذري يهدد وجود دولة اليهود. وعلي ذلك أمر سلاح الجو بأن يهاجم المفاعل الذري في العراق في 1981. يبدو ان سؤال الي أي حد يتمسك قادة اسرائيل اليوم بهذا المبدأ سيُمتحن في السنين القريبة، علي خلفية سعي ايران الي تطوير سلاح ذري.بسبب حساسية اسئلة هل تستطيع اسرائيل ان تهاجم ايران وهل ستقرر فعل ذلك اذا لم تنجح الأسرة الدولية في منع ايران من التسلح بالسلاح الذري، توجد أهمية كبيرة لاستمرار التمسك بسياسة الغموض. ان أي تغيير سيمنح ايران ذريعة اخري لاحتياجها الي التسلح بالسلاح الذري، وسيجعل من الصعب علي اسرائيل أن تُبين موقفها. الغموض الذري هو من خطط السياسة الأنجح لاسرائيل منذ اقامتها. يبدو أن حكومة اولمرت ايضا ليست لها أية نية لتغييرها وبحق.يوسي ميلمانمراسل للشؤون العسكرية(هآرتس) 13/12/2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية