لبنان بين السنيورة والمعارضة الراكبة موجة إنتفاضة شعبية

حجم الخط
0

لبنان بين السنيورة والمعارضة الراكبة موجة إنتفاضة شعبية

د. عصام نعمانلبنان بين السنيورة والمعارضة الراكبة موجة إنتفاضة شعبية فاجأ إغتيال الوزير الشاب بيار أمين الجميل أركان المعارضة اللبنانية وأصابهم بشيءٍ من الإرتباك. كانوا قد فرغوا للتوّ من الإعداد لتحركات شعبية سلمية كانوا خططوا لها كي تشمل جميع انحاء البلاد. إغتيال الجميّل إضطرهم الي تجميد حركتهم من دون إعطاء أي إنطباع بأنهم في صدد تأجيلها. تجميد النشاط لازمه صمتٌ شبه كامل مراعاةً لمشاعر أهل الفقيد وتأثراً بالحزن العام الذي لفّ البلاد. غير ان موقف الصمت اخذ يتقلّص تدريجاً تحت وطأة كلام غير مسؤول صدر عن قياديين وجهات محسوبة علي قوي 14 آذار (مارس) الداعمة للحكومة. ومع تعالي نبرة الإتهام والتقريع في صفوف هؤلاء وبلوغ بعضها عتبة الشتيمة الفاقعة أخذ بعض المعارضة يزيد جرعة القسوة في الردّ علي الخصـوم متحججاً بـأن الباديء أظلم. لكن، ألا تعلم المعارضة، وفيها قادة مجرّبون، أن من مصلحة الجهة الأجنبية التي تقف وراء جريمة الإغتيال، ممارسة الإستفزاز بكل الوسائل المتاحة من اجل تأجيج الصراع وتحويله من صـراع سياسي إلي آخر طائفي؟مهما بالغت قوي 14 آذار في تحميل خصومها السياسيين مسؤولية إرتكاب الجريمة النكراء فإنها تبقي هي المسؤولة بالدرجة الأولي. لماذا؟ لأنهـا هي السلطة شكلا ومضموناً منذ مطلع حزيران/ يونيو 2005، وتُمسك بمقاليد الأجهزة الأمنية كلها ولا تني تضخّمها، عدداً ومدداً. أليس لافتاً ان جميع عمليات الإغتيال ومحاولات الإغتيال جرت في عهد حكومة فؤاد السنيورة، بل في مناطق محسوبة علي أركان قوي 14 آذار ؟ أليس مثيراً للعجب والإحباط في آن معا ان تخفق أجهزة الأمن في الإمساك بخيط واحد يقود إلي المجرمين أو إلي الجهة التي خططت للجرائم النكراء وربما أشرفت علي تنفيذها؟ وهل يكفي لوقف مسلسل الإجرام ان تنبري قوي 14 آذار مباشرةً، كما حكومتا أمريكا وفرنسا مداورةً، إلي إتهام سورية أتوماتيكيا كلما حدث إغتيال أو عملية تخريب؟يُخشي ألاّ تبقي لهذه الأسئلة فعالية أو حتي مشروعية بعد إغتيال الجميّل وتزايد الإحتقان وإتخاذه وجهة مذهبية وطائفية فاقعة. فما أن وقعت جريمة الإغتيال النكراء حتي بادرت عناصر محسوبـة علي حزب القوات اللبنانية إلي مهاجمة مكاتب وشعارات حزب التيار الوطني الحر في منطقة الاشرفية وغيرها وأعملت فيها تخريبا. ذلك كله جري وسط حملة مذهبية واسعة لإظهار احد ابرز اركان المعارضة العماد ميشال عون بمظهر الخارج علــــي إرادة الإجماع المسيحي لمجرد انه وقّع ورقة تفاهم مشتركة مع حزب الله قبل قيام إسرائيل بشنّ حربها العدوانية علي لبنان.هذه التطورات المتلاحقة تلقي علي المعارضة أعباء إضافية في مواجهة التحديات الماثلة أمامها. آخر التطورات إعلان مسؤول رفيع المستوي في إدارة بوش ان الولايات المتحدة مع لبنان وحكومة السنيورة سياسيا وعسكريا علي حد سواء ، وانها تعتزم منح الحكومة اللبنانية مزيداً من المساعدات العسكرية… . تري، هل يصل الدعم العسـكري الأمريكي إلي حدّ إنزال قوات أمريكية في لبنان؟ليس من المستبعد حصول ذلك. لعل الإستخبارات المركزية الأمريكية منهمكة في هذه الآونة بهندسة صدامٍ بين القوات الدولية وأفراد من سكان القري المؤيدين لحزب الله في جنوب لبنان، تقوم بعـده واشنطن بعرض القضية علي مجلس الأمن لإستصدار قرار يعتمد الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. الغرض من القرار تمكين القـوات الدولية من ممارسة حق الدفاع عن النفس بفعالية وبإستقلال عن الجيش اللبناني. حتي لو تعذّر علي واشنطن الحصول علي القرار المطلـوب فإنها قد تُقدِم، بالتعاون مع دول مشاركة في القوات الدولية، علي إنزال قوات ضاربة في أمكنة متعددة في لبنان من دون إجازة من مجلس الأمن. ألم تشن الحرب علي العراق العام 2003 من دون إجازة الأمم المتحدة؟ من يقدر علي الأكثر يقدر علي الأقل.إزاء هذا التحدي البازغ وغيره، لاسيما إعتزام قوي 14 آذار البقاء في الشارع لغاية إقرار اتفاق المحكمة الدولية في مجلس النواب، ستجد المعارضة نفسها مضطـرة إلي تسريع نزولها إلي الشارع قبل ان تسقط المبادرة من يدها. إذ تبدو حكومة السنيورة متلبّسة بخرق الدستور نصاً وروحاً، لا سيما لجهة اقرار المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري بمعزل عن رئيس الجمهورية اميل لحود وصلاحياته موضع المادة 52 من الدستور، فإن تفاقم السخط الشعبي عليها من جهة ومخاطر مضاعفاته السياسية والأمنية في الشارع من جهة أخري تطرح علي المعارضة سؤالاً جدّيا : هل بإمكان رئيس الجمهورية إقالة حكومة السنيورة إنقاذاً للوحدة الوطنية وتفادياً لإرتكابها المزيد من المخالفات الدستورية وإلحاقها الضرر بالبلاد والعباد، إقتصاديا وإجتماعيا؟ليس في المادة 69 من الدستور نص صريح يجيز لرئيس الجمهورية إقالة حكومة فاقدة الشرعية سنداً للفقرة ي مـن أحكام الدستور الأساسية القائلة : لا شرعية لأيّ سلطة مناقضة لميثاق العيش المشترك . غير ان إتفاق رؤساء الحكومة السابقين ورئيس مجلس النواب وكثرة من النواب الحاليين والسابقين ورؤساء الطوائف والفقهاء الدستوريين والقوي السياسية والإجتماعية علي ان الحكومة فقدت شرعيتها، وان ذاك اقترن بجوّ عارم من السخط الشعبي والخشية المتعاظمة من مضاعفات النزول إلي الشارع والأضرار الاقتصادية والإجتماعية المحتمل وقوعها، ذلك كله يدفع إلي الواجهة رأياً مفاده أن الظرف الإستثنائي يجيز إتخاذ تدبير إستثنائي لتفادي المخاطر والأضرار الفادحة المحتملة. أما التدبير الإستثنائي فهو الإجتهاد، في معرض غياب النص الدستوري الصريح، بجواز إعتبار الحكومة مستقيلة بعد إستقالة الوزراء الشيعة الخمسة وتحولها الي سلطة مناقضة للعيش المشترك، خصوصا مع إصرار رئيس الحكومة علـي رفض استقالة الوزراء الخمسة لتبرير إلتئام مجلس الوزراء بغية إتخاذ قرارات أساسية مخالفة للمادة 52 من الدستور. من المنطقي والشرعي، والحال هذه، ممارسة ضغط شعبي بل قيام إنتفاضة شعبية ضد الحكومة وفريقها لحملهما علي التسليم بوجوب إستقالتها والقبول تالياً بتأليف حكومة وحدة وطنية إنتقالية مناصفةً بين قوي المعارضة وقوي 14 آذار من اجل وضع قانون إنتخاب ديمقراطي علي أساس النسبية ولإجراء إنتخابات نيابية مبكرة. وفي حال رفضت حكومة السنيورة وفريقها هذه الآلية، فإن قوي المعارضة سيكون في وسعها إعتبار حكومة السنيورة فاقدة الشرعية وبالتالي بحكم المستقيلة سنداً للفقرة ي مـن أحكام الدستور الأساسية، وذلك لتمكين رئيس الجمهورية، المتحالف ضمناً معها، علي إصدار مرسوم باعتبار الحكومة بحكم المستقيلة، وبإجراء استشارات نيابية، يسمّي في ضوئها رئيسا للحكومة مكلفاً تأليفها، ويصدر تالياً بالاتفاق معه مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة سنداً للمادة 53 بفقراتها الثانية والثالثة والرابعة من الدستور.سينشأ، بطبيعة الحال، وضع دستوري وسياسي ملتبس نتيجة هذا التدبير الإستثنائي إذ سيرفضه السنيورة وقوي 14 آذار، وسيجد المواطنون كما دول العالم حكومتين في لبنان تتنازعان السلطة. غير ان الحكومة الجديدة ستكون بالتأكيد في مركز أقوي من حكومة السنيورة كون قوي المعارضة قادرة ـ إذا اقتضي الامر ـ علي نشر عشرات الألوف من أنصارها وبالتالي السيطرة علي أكثر من 80 في المئة من مساحة البلاد الجغرافية ومرافقها العامة، كما ستكون في وضع أفضل للضغط علي السنيورة وقوي 14 آذار من اجل التسليم بضرورة تأليف حكومة وحدة وطنية بصلاحيات إستثنائية تحلّ محل الحكومتين وتقوم بوضع قانون ديمقراطي عادل للإنتخابات، تصدره بموجب مرسوم اشتراعي وتجري الإنتخابات علي أساسه، فتنبثق من المجلس النيابي الجديد حكومة جديدة، ويقوم المجلس النيابي تالياً بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد إنتهاء ولاية الرئيس الحالي. تكون للتدابير المار ذكرها مشروعية دستورية عندما تتخذها حكومة قائمة في ظل ظروف استثنائية تمرّ بهـا البلاد. فالظروف الاستثنائية تتطلب غالباً حلولاً أو تدابير استثنائية. وثمة إجتهادات عدّة لمجلس الدولة الفرنسي شرعنت تدابير استثنائية كانت سلطات الأمر الواقـع (منظمات المقاومة) قد اتخذتها إبّان الإحتلال الألماني النازي لفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. ولعل الأهم من هذا كله ان وجود رئيس الجمهورية خلال هذه الفترة وإستمرار ولايته لغايـة 24 تشرين الثانـي/ نوفمبر 2007 سيقلّص من مخاطر تقسيم البلاد ويساعد في تحييد الجيش اللبناني بين الفريقين المتصارعين، ويحفظ وحدة الدولة والبلاد.تبقي مسألة ردود الفعل الإقليمية والدولية علي الإنتفاضة الشعبية المرتقبة وعلي التدابير الإجرائية الاستثنائية التي ستتخذها المعارضة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية. الأرجح ان لا تتورط الولايات المتحدة وفرنسا عسكريا في دعم حكومة السنيورة والقوي المساندة لها أو في مدّها وفريقها بالسلاح والعتاد مخافة ان تفتح بذلك الباب لسورية وإيران للقيام بعمل مماثل لمصلحة قوي المعارضة. ولعل موقف أمريكا الفعلي في هذا الصدد يمكن إستشفافه من تصريح الناطق بإسم وزارة خارجيتها طوم كايسي بتاريخ 2006/11/20. فقد أبدي كايسي عدم معارضة حكومته نزول قوي المعارضة إلي الشارع مع الإشارة إلي ان أي تعبير عن الرأي السياسي يجـب ان يتّم بطريقة سلمية ووفقا لقوانين البلاد وليس بهدف ترهيب الآخرين . هذا التصريح يؤشر الي ان واشنطن ستنصح علي الأرجح أصدقاءها في قوي 14 آذار بإلتزام ضبط النفس والهدوء والمرونة وربما القبول أيضاً ببعض مطالب المعارضة.بقي ان تستفيد قوي المعارضة، بل اللبنانيون جميعا، من التوازن النسبي الراهن في موازين القوي الإقليمية والدولية من أجل الخروج من الأزمة المزمنــة بـ تسوية تاريخية تكفل إنتقال لبنان من النظام الطوائفي المركنتيلي الفاسد إلي الدولة الديمقراطية القادرة والعادلة المبنية علي حكم القانون والمؤسسات والعدالة والتنمية المستدامة.ہ سياسي وكاتب لبناني9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية