الموقف العربي من الحكم علي صدام حسين

حجم الخط
0

الموقف العربي من الحكم علي صدام حسين

د. يوسف نور عوضالموقف العربي من الحكم علي صدام حسينلم يكن الاختلاف حول الأحكام التي صدرت ضد الرئيس العراقي السابق وأعوانه قائما علي حقيقة ما ارتكبه من جرائم خلال فترة حكمه بل حول السياق الذي تمت في داخله هذه الأحكام، ذلك أن محاكمة صدام حسين تمت بعد احتلال بلاده بواسطة قوات الغزو الأمريكي، وليس هناك في العالم العربي من يعتقد أن الولايات المتحدة صديقة للعرب أو أنها جاءت للعراق من أجل تحقيق مصلحة لشعبه، وذلك بسبب الدعم السافرالذي تبديه واشنطن لإسرائيل وتحركها في جميع الاتجاهات التي تحقق فائدة إسرائيل وإضرارا بالعرب، وليس هذا موقف الشعوب العربية وحدها من الولايات المتحدة بل إن نتائج انتخابات الكونغرس النصفية تدل علي هذا الموقف نفسه، وبالتالي فعندما نقف أمام الأحكام التي صدرت فليس هدفنا إيجاد مبررات لصدام حسين بل تسليط الضوء علي الكيفية التي يمكن أن تتجاوز بها الولايات المتحدة شرائع القانون الدولي من أجل تحقيق مصالحها. وفي البداية نلحظ أن الولايات المتحدة رفضت تقديم صدام حسين إلي محكمة الجنايات الدولية ليلقي جزاءه أسوة بحكام آخرين لأنها تعرف أن محكمة الجنايات الدولية لن تصدر أحكاما بالإعدام في ظل القوانين السائدة دوليا ولأنها تريد أن تكون إجراءات المحاكمة خاضعة لتنفيذ اغراضها، وظهر ذلك في محاكمة مهزلة ليس فيها محلفون وليس فيها مساعدون للقضاة ولا حتي محاضر لإثبات الأقوال. وحين قررت الولايات المتحدة إصدار الأحكام علي الرغم من وجود قضايا أخري مرفوعة ظنت أن إصدار الأحكام قبل انتخابات الكونغرس وفي يوم الأحد الذي هو عطلة عامة في أمريكا سوف يساعد علي رفع شعبية الجمهوريين علي الرغم من أن الموقف الامريكي قد تحدد بشكل قاطع في مناهضته لموقف الحكومة الأمريكية، ولا شك أن قراءتنا للتعليقات الدولية التي صدرت بعد هذا القرار توضح كيف أن السياسة وليس العدالة هي التي كانت سيدة الموقف في هذه الأحكام.ويبدو في هذا السياق أن موقف الدول العربية كان الأكثر إثارة للاشمئزاز لأنه لم تتقدم أي دولة عربية للإعراب عن وجهة نظرها، وليس ذلك لأن لها موقفا من صدام حسين بل لأنها كانت تخشي غضبة الولايات المتحدة مع أن الدخول إلي أي بلد عربي ومحاكمة رئيسه هو اعتداء علي الكرامة العربية التي لا يبدو أن أحدا صار يهتم بها في هذه الأيام وحتي الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي فقد جاء موقفه مخجلا إذ قال إن إصدار الحكم بإعدام صدام حسين يشكل نهاية مأساوية لنظام حكمه وتمني ألا يكون ذلك سببا لازدياد العنف في العراق، فهل هذا تصريح يصدر من الأمين العام للجامعة العربية؟ لماذا لم يتحدث إذن عن انتهاك الأمريكيين لسيادة العراق ولماذا لم يتحدث عن هذه المحكمة الصورية التي تنتهك الكرامة العربية ؟ ولكن موقف الأمين العام للجامعة العربية لم يكن فريدا في نوعه فهو لا يختلف عن مواقف الدول العربية مجتمعة التي لم تجرؤ علي الاعتراض علي الحكم علي الرغم من أن جميع الرؤساء العرب معرضون للخضوع لمثل هذا النوع من المحاكمات خاصة بعد أن نشر سجل الفساد العالمي لتظهر فيه الدول العربية علي أنها الأكثر فسادا في العالم.وعلي الرغم من ذلك فقد كانت مواقف بعض الدول الغربية والزعماء السياسيين أكثر شرفا، فقد عبر رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد عن فزعه من هذا الحكم وقال إن مبدأ العدالة لا يتحقق في مثل هذه المحاكمة لأن الذين يقفون وراء المحكمة هم أعداء صدام حسين الذين لا يرغبون في أن يوفروا له أي قدر من العدالة. وقد أطلق علي المحكمة صفة محكمة الكانغرو التي هدفها الأساسي أن تصدر حكما بالتجريم، وقال مهاتير إن محاكمة رؤساء الدول أمر صعب لأنه ليست هناك وسيلة للتوصل إلي مسؤوليتهم المباشرة عن الجرائم التي ترتكب ولو كان ذلك ممكنا لعومل جورج بوش وتوني بلير علي نفس المستوي لأن عدد الجرائم التي ارتكبت بعد الاحتلال تبرر تقديمهما للمحاكمة.وإذا توقفنا لننظر في مواقف الدول الأوروبية من الأحكام التي صدرت لوجدناها أكثر شرفا وذلك بسبب المبادئ الأساسية التي تقوم عليها القوانين الأوروبية والتي ترفض أساسا توقيع عقوبة الإعدام في أي صورة من صورها تأسيسا علي مبدأ أن الجرم لا يعالج بجرم مثله وكان من الطريف أن من أوائل الذين وقفوا ضد أحكام الإعدام رئيس وزراء بريطانيا توني بلير الذي عارض الحكم وقال إن المحاكمة تفتح نافذة علي الجرائم التي ارتكبها صدام حسين وجاء موقف رئيس وزراء البرتغال أنيبال كافاكو أكثر وضوحا عندما قال يجب ألا تنفذ عقوبة الإعدام وهو موقف أكده أيضا رئيس وزراء إيطاليا رومانو برودي خلال زيارته للدنمرك وقد قال حتي في إطار ما ارتكبه صدام حسين فإن بلاده لا تؤيد عقوبة الإعدام وحذر وزير خارجية إيطاليا ماسيمو داليما من أن تنفيذ عقوبة الإعدام علي صدام حسين سيكون خطأ كبيرا يلقي بالعراق في حرب أهلية لا يعلم مداها أحد وهو موقف أكده وزير خارجية فرنسا فيليب دوست بلازي ورئيس وزراء إسبانيا ثباتيرو.ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن في المجتمعات الغربية من يؤيد هذا الحكم فقد قال جوزيه ماريا أثنار الذي كان حليفا قويا للولايات المتحدة أيام غزو العراق أن الحكم هو قصاص عادل من جرائم صدام حسين وقد أكد الرئيس بوش الموقف نفسه تبريرا لكل سياساته في العراق التي أدت إلي قتل وتعويق ما يعادل مليون عراقي في هذه المغامرة الفاشلة ولم يكن غريبا أن يؤيد رئيس الدولة البولندية الحكم فهو من المناصرين لتطبيق عقوبة الإعدام حتي في بلاده ولا يردعه عن ذلك شيء سوي أن القوانين الأوروبية بصفة عامة تمنع تطبيق هذه الأحكام علي التراب الاوروبي .ولم يكن الصمت العربي الرسمي هو الوحيد الملاحظ في هذه الحادثة، فقد كان هناك صمت مماثل من الجماهير العربية المحبطة التي كانت تتابع الاعتداءات الإسرائيلية علي بيت حانون والتي قصد منها أن تصرف الأنظار عن التفكير في قضية صدام حسين حتي يبدو الوضع العربي وكأنه موافق علي إجراءات المحاكمة وأنه لن يتحرك في أي اتجاه يزيد الموقف في العراق تعقيدا وذلك وهم لأن هناك فرقا بين أن يصدر الحكم علي الرئيس العراقي وبين أن ينفذ الحكم وسيري الأمريكيون حين ينفذ الحكم كيف سيكون وسيلة لتحريك الشارع العربي وازدياد موجات العنف في العراق علي الرغم من التوجه نحو إلغاء قانون اجتثاث البعث والتوجه نحو استيعاب عناصره في آلة الدولة ومنح من لا يرغب منهم المعاش المناسب.وكما أسلفنا فنحن لا نريد أن نبرر الجرائم التي ارتكبت في عهد صدام حسين وهي كثيرة ولكن محاولة لعب مسرحية المحاكمة لتبرير ما يجري في العراق هو أمر مفضوح ويجب الا يوافق عليه الموقفان الرسمي والشعبي في العالم العربي لأنه من الفضيحة أن يصل العرب إلي مستوي أن يحاكم رؤساؤهم بواسطة قوي أجنبية دون أن يتحرك ساكنهم. وإذا كان موقف إيران والكويت مؤيدا للحكم علي الرئيس صدام فإن ذلك يتم في إطار ما ارتكبه صدام في حق هذين البلدين ولا خيار أمامهما سوي أن يؤيدا الحكم ولكن أن تقوم الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل بتنفيذ سياستهما في العراق دون أن يتحرك ساكن العرب فتلك هي المصيبة التي تتجاوز الموقف من صدام حسين وبالطبع لا يأمل أحد في هذه المرحلة أن تتحرك الحكومات العربية لاتخاذ موقف إيجابي بكونها حكومات مرتعدة وخائفة وفاقدة للشرعية وهي بالتالي تعتبر السكوت وسيلة للاستمرار. ولكن المخجل حقا أن يكون ذلك هو موقف الأمين العام للجامعة العربية الذي يرفض أن يقدم استقالته في هذا الوضع العربي الرديء ويستمر في المزايدة بشعاراته القولية علي الشارع العربي.9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية