هكذا عرفت البكر وصدام: رحلة 35 عاما في حزب البعث (9)

حجم الخط
0

هكذا عرفت البكر وصدام: رحلة 35 عاما في حزب البعث (9)

ليبيا امتنعت عن تقديم وديعة مالية للعراق واجواء ثأرية رافقت المفاوضات مع سورية حول اجور النفطفرانكو ساعد في بناء الاسطول النفطي العراقي وبغداد كافأته بناقلة نفط هدية ادهشت الاعلام الاسبانيهكذا عرفت البكر وصدام: رحلة 35 عاما في حزب البعث (9)اعدها: هارون محمدہ عقب تسلم حزب البعث السلطة عام 1968 وضعت الحكومة خطة لانشاء اسطول للناقلات يساهم في نقل النفط الخام المتوقع انتاجه وطنيا ويوفر المرونة في حالة الأزمات مع شركات النفط الأجنبية. تم الاتصال بمسافن بناء الناقلات في عدد من الدول ورست المناقصة علي المسافن الاسبانية. بتاريخ 26 أيار (مايو) 1970 تم التوقيع المبدئي علي تزويد شركة النقل البحري العراقية ـ المرتبطة بوزارة الاقتصاد آنذاك ـ بسبع ناقلات حمولة كل منها 35400 طن بكلفة اجمالية تعادل 25 مليون دينار، ويجري تسليمها الواحدة بعد الأخري وتسديد قيمتها من النفط العراقي. بعد اكمال ترتيبات الاتفاق ورد اشعار من تلك المسافن في آخر لحظة تشيرالي اعتذارها عن تنفيذ المشروع بحجة رفض البنوك الاسبانية منحها تسهيلات ائتمانية لبناء الناقلات. وكان هذا الموقف المفاجئ شكل صدمة لي، وكنت حينها وزيرا للاقتصاد، وفسرت الأسباب بضغوط مارستها شركات النفط الأجنبية علي المسافن والبنوك الاسبانية. في تلك الساعات الحرجة أيد صالح مهدي عماش وكان نائباً لرئيس الوزراء والمشرف علي الشؤون الاقتصادية في البلاد آنذاك ـ اقتراحي بارسال مبعوث الي الرئيس الاسباني فرانكو حاملا رسالة من الرئيس البكر برجاء التدخل في الموضوع. ولم تمر الاّ بضع ساعات حتي طلب عماش مني التهيؤ للسفر الي مدريد في اليوم التالي حاملا رسالة البكر. بقيت طيلة المساء منتظرا الرسالة دون نتيجة، واضطررت في صباح اليوم التالي للتوجه الي المطار الدولي. ارتقي المسافرون سلم الطائرة، وأخذت مقعدي فيها بعد أن علمت بعدم السماح للطائرة بالتحرك قبل وصول الرسالة. ظلت الطائرة جاثمة علي أرض المطارفترة طويلة. وأخيرا صعد موظف وسلمني الرسالة فتحركت الطائرة. لم أتمكن من معرفة محتوياتها، فالمظروف كان مغلقا باحكام، ولم تتيسر نسخة شخصية من الرسالة للوقوف علي محتواها. شعرت بحرج بالغ، وقررت الاعتماد علي اطار حديثي مع عماش وظروف القضية المعروفة لديّ. لدي وصولي الي مدريد أعلمني السفير العراقي آنذاك شفيق الكمالي أن الرئيس فرانكو حدد موعد المقابلة في اليوم التالي. كنا ثلاثة فقط في الصالة، جلس فرانكو بتواضع علي كرسي بسيط ببزة بيضاء وجلست علي كرسي قبالته، وجلس بجانب فرانكو رجل اسباني قام بالترجمة من الانجليزية الي الاسبانية وبالعكس. سلمتُ فرانكو رسالة البكر وشرحتُ له الأهمية الكبيرة التي يعوّل فيها العراق علي اسطوله النفطي الوطني وقيام المسافن الاسبانية بتنفيذ التعاقد علي بنائه، مؤكدا الصلات التاريخية الطيبة بين اسبانيا والعرب عموما. بقي فرانكو يستمع بعناية طيلة الوقت ولم يوجّه سؤالا او استفسارا خلال الحديث ولم ألاحظ أنه تململ قليلا عن كرسيه. وفي نهاية المقابلة أكد فرانكو اهتمامه بالموضوع، وأن وزير ماليته سيتصل بي لغرض المتابعة والتنسيق. في الأيام اللاحقة أعلمني الوزير الاسباني أن الرئيس فرانكو اتخذ قرارا هو الأول من نوعه يشير الي التزام الحكومة الاسبانية بتقديم الائتمان المطلوب الي المسافن الاسبانية، في حال امتناع البنوك عن تقديم هذا الائتمان. وفي ضوء هذا الموقف أصبحت مستلزمات بناء الناقلات العراقية في المسافن الاسبانية جاهزة، وتنفست الصعداء عندها. في آخر يوم لمكوثي نحو أسبوعين في مدريد كنت سعيدا بالعودة الي بلدي في اليوم التالي ومعي الأدوية التي كنت جلبتها من بغداد وما زلت اتناولها نتيجة آلام حادة في المفاصل، وأعلمت الخارجية العراقية بساعة وصولي الي بغداد. في المساء زارني في الفندق فجأة السفير شفيق الكمالي مبديا أسفه لالغاء الحجز علي الطائرة المتوجهة الي بغداد، وعوضا عن ذلك، تم حجز مقعد علي طائرة متوجهة الي موسكو، للالتحاق بوفد عراقي يغادر بغداد مباشرة الي موسكو في ذلك اليوم، وان سمة دخولي الي الاتحاد السوفييتي جاهزة في مطار موسكو، وهكذا تحولت فرحتي بالعودة الي بغداد لأخذ قسط من الراحة الي التمسك بالصبر لانجاز عمل مكثف في موسكو دام، هو الآخر أسبوعين آخرين، وهكذا كانت دوامة العمل الرسمي آنذاك!. وأعود بالحديث عن الناقلات بعد انجاز بنائها. فحين وصلت آخر ناقلة الي العراق عادت الي اسبانيا محملة بالنفط العراقي هدية الي فرانكو تقديرا لموقفه، وعلقت الصحف الاسبانية علي الهدية بتأكيد استثنائيتها، واستحالة استيعابها لمن يجهلون قصص (ألف ليلة وليلة)! وهكذا وضع حجر الأساس للاسطول النفطي العراقي. ومع بداية استلام الناقلات تباعا عام 1972 تولت شركة النفط الوطنية العراقية مهمتها وأنشأت جهازا مستقلا لادارة الأسطول وتوسيعه، الذي تحول بعد فترة قصيرة الي شركة ناقلات النفط العراقية. ليبيا امتنعت عن مساعدة العراق ماليانتيجة للضغوط التي مارستها شركات النفط الأجنبية علي العراق قبل التأميم وأدت الي تقليص الانتاج وانخفاض الموارد الي حد مقلق، قرر العراق مفاتحة ليبيا بالمساعدة، علي أمل أنها ستلبي الطلب فورا، خاصة وهي في عهد ثورتها ـ الفاتح من أيلول (سبتمبر) 1969ـ وسياستها الجديدة التي تدعو الي مساعدة الدول الشقيقة في التحرر ومقارعة الهيمنة الأجنبية. تم تكليفي بالسفر الي ليبيا عام 1970 لشرح الظروف المالية الصعبة التي يمر بها العراق وكنتُ حينها وزيرا للاقتصاد. لم تكن طلباتنا تتمحور حول هبة او قرض طويل الأمد ، بل عون مؤقت تقوم ليبيا بموجبه بايداع مبلغ مالي لفترة مناسبة في البنك المركزي العراقي لدعم موجوداته من العملات الأجنبية، واقترح العراق أن يكون المبلغ خمسة ملايين دولار فقط ! بعد وصولي الي العاصمة الليبية طرابلس عقدتُ اجتماعا مع وزير التخطيط الرائد عمر المحيشي الذي كان يشغل في الوقت نفسه عضوية مجلس قيادة الثورة الذي أبدي تفهما للرجاء العراقي ووعد بنقله الي القيادة الليبية. ومرت الأيام وتكرر اللقاء مع الوزير الذي كان يفصح في كل مرة بأن الموضوع ما زال قيد المداولة لدي القيادة الليبية مما اضطرني الي تمديد بقائي هناك فترة اضافية لكن دون جدوي. وبعد أن أعلمت بغداد بالأمر أبلغت الوزير المحيشي باضطراري للعودة الي الوطن. وهكذا انتهت الزيارة دون أن يحظي العراق بهذا العون البسيط ! حاولت تفسير الموقف الليبي هذا، فلم أجد غير عوامل سياسية فحسب. وأتذكر في هذا السياق أن الرائد عمر المحيشي سرني في خلوة أثناء زيارتي لطرابلس بخطوة سياسية هامة آتية تتضمن قيام اتحاد بين ليبيا ومصر وسورية. وأخذت الانطباع عن رغبته في نقل الأمر الي القيادة في بغداد بأسرع وقت. وبالفعل قمتُ علي الفور بالابراق الي الخارجية العراقية عن طريق السفارة في طرابلس برجاء ايصال الموضوع الي رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر علي وجه السرعة. وفي اليوم التالي استفسر المحيشي مني في خلوة ثانية، راغبا في التأكد من احاطة بغداد علما بالأمر، فأجبته بالايجاب، ولم يعلق بكلمة ومضي يسير بخطوات بطيئة، وهو المعروف بحديثه المقتضب وحركته الهادئة. قرار سوري يحفز العراق لانشاء خطوط جديدة لتصدير النفطأعود بالذاكرة الي يوم 4 كانون الثاني (يناير) 1973 حين وصل الي بغداد اشعار مستعجل ومهم للغاية من السفارة العراقية في دمشق حول عزم الحكومة السورية علي فرض أجور نقل النفط العراقي عن طريق التشريع من جانب واحد. كانت القيادة العراقية في تلك الأيام تشعر أن أوراق الضغط التي بيدها قليلة جدا. فالنفط المنتج في شمال العراق ليس أمامه طريق آنذاك ـ للوصول الي ميناء التصدير السوري في بانياس وميناء التصدير اللبناني في طرابلس ـ غير التدفق في الأنبوب المار عبر الأراضي السورية. كما أن لجوء سورية الي انهاء الخلاف عن طريق التشريع من جانب واحد ترك في ذهن القيادة مخاوف مستقبلية. فهذا الاجراء من جانب سورية لم يكن الأول في الممارسة. واذا كانت سورية قد طبقته بحق شركة النفط الأجنبية قبل التأميم وأرغمتها علي زيادة العوائد، فان بغداد لم تكن تتوقع أن يمارس الأسلوب نفسه تجاه العراق وهو يخوض معركة التأميم ولم تكن نتائجها محسومة بعد. كما ورد في الذهن أن هذا الأسلوب ـ أي التشريع من جانب واحد ـ يحمل في طياته تهديدا لأية مسألة مشتركة يدور حولها خلاف في الرأي في المستقبل. كانت هذه هي الخلفية التي دفعت مجلس قيادة الثورة الي تبني نظرة جديدة تقوم علي توفير المرونة لمنافذ تصدير النفط. وشكل ما يعرف بـ (الخط الاستراتيجي) الذي يربط نفط الشمال بنفط الجنوب العمود الفقري للشبكة الاستراتيجية الخاصة بالنفط.. صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بتأليف لجنة مهمتها وضع الشبكة والاشراف علي تنفيذها بأسرع وقت، وتولي صدام حسين رئاستها، وكنتُ وعدنان الحمداني من بين أعضائها. وأتذكر أن قرار مجلس قيادة الثورة لم يعلن عنه مباشرة عند اتخاذه ولم تكن هناك نية لاصداره علانية، وجري التعامل معه كقرار داخلي يكتفي بنشره في الجريدة الرسمية ويبلغ ذوي الشأن به. في ذلك اليوم كان صدام واقفا في مكتبه، وعلامات وجهه تكشف بوضوح عن مدي انشغاله بمشكلة مرور النفط عبر سورية. فهذه المشكلة كانت تمثل احدي الحلقات الهامة التي يجب تذليلها لانجاح التأميم الذي أولاه صدام اهتمامه الأول. في تلك الساعة كنتُ والحمداني واقفين أمامه نتشاور في الموضوع. وحين أوضح صدام أن قرار مجلس قيادة الثورة بتأليف اللجنة قرار داخلي، بادرتُ الي اقتراح جعله قرارا علنيا ينشر بكافة وسائل الاعلام الممكنة. فهناك فائدة جمة من تعريف الرأي العام علي الخطوات المتخذة لمجابهة المشكلة علي الأمدين القصير والبعيد، فاقتنع صدام فورا باقتراحي وأوعز عندها بالاعلان عن تأليف اللجنة ومهمتها عن طريق اذاعة بغداد. مشروع الخط الاستراتيجيبدأ عمل مكثف لوضع الخطوط العامة للشبكة الاستراتيجية، وانشغل معنا كبار المختصين في قطاع النفط أسابيع عديدة، واستقر الرأي علي المحاور الأربعة التالية: الأول ـ جعل منافذ التصدير ثلاثة عوضا عن اثنين. ويعني هذا فتح منفذ جديد للتصدير علي البحر المتوسط عبر تركيا الي جانب المنفذين القائمين في جنوب العراق وعلي البحر المتوسط عبر سورية ولبنان. وبذلك يتدفق النفط العراقي المصدر عبر أنابيب باتجاهات ثلاثة: جنوبا وغربا وشمالا. الثاني ـ ربط هذه الخطوط مع بعضها البعض عن طريق مركز متوسط الموقع في العراق له قابلية تحريك النفط المنتج في الجنوب او الشمال وضخه في أي اتجاه تصديري تقضي الضرورة اليه. والحكمة من صيغة الربط هذه هو تفادي أية أزمة تقع علي منفذ للتصدير لأي سبب من الأسباب، حيث بالامكان عندها توجيه ضخ النفط عبر الشبكة الي أي منفذ آخر دون ان تتأثر طاقة التصدير الاجمالية تأثرا جسيما. وبذلك أصبح مشروع الخط الاستراتيجي (الفاو ـ حديثة) الرابط بين الحقول الجنوبية والشمالية لولب الخطة (1). الثالث ـ جعل طاقات الأنابيب واسعة بحيث تستوعب زيادة طاقة الانتاج المتوقعة من ناحية، وتكفل تحويل تدفق النفط من اتجاه الي اتجاه آخر قدر المستطاع من ناحية اخري. الرابع ـ جعل طاقة التحميل في الخليج للميناء العميق الجديد ـ الذي سمي ميناء البكر ـ عالية لاستيعاب تصدير نفط الحقول الجنوبية الغنية، الي جانب ميناء التحميل العميق القائم في خور العمية ، وامكانية استخدام ميناء البكر لتصدير نفط الشمال أيضا في حالة الأزمات(2). كان صدام يتابع ويناقش الأمور دوما بصفته رئيسا للجنة والحامل لواء التأميم، وكنت أنا وعدنان الحمداني في دوامة العمل ليل نهار . بعد اقرار المحاور المذكورة انشغلت الجهات الرسمية والخبراء والمهندسون والقانونيون بوضع خطة التنفيذ التفصيلية، وأعطيت مشاريعها أولوية قصوي، ودعيت كبريات الشركات العالمية لتنفيذها، وخصصت لها امتيازات في حالة الانجاز بمدد أقصر(3). وأخيرا تم انجاز الشبكة بعد جهود مضنية واستثمارات هائلة، ووقف كامل المشروع علي نظرة استراتيجية لضمان تدفق النفط وتوفير المرونة له عند الأزمات. فالنفط ، كما هو معروف للجميع، يشكل عصب الحياة المالية للعراق، حيث تمثل ايراداته ما يزيد علي 90 بالمئة من اجمالي مدخولات البلد من العملات الأجنبية. مع ذلك كان هناك عنصر هام بقي متلازما مع عمل الشبكة منذ بداية وضعها، وظل محل تأكيد ضمن المداولات مع صدام نفسه ومع أعضاء من مجلس قيادة الثورة، حيث كانت القناعة به قائمة بسبب طبيعته الموضوعية المتمثلة بما يلي: من أجل تحقيق النتائج المرجوة من الشبكة، لا بد أن يسعي العراق دوما لابقاء منافذ التصدير الثلاثة تعمل بصورة اعتيادية وبأفضل درجة استخدام ممكنة. وفي حالة وقوع أزمة علي منفذ تصدير وغلقه لأي سبب، فلا بد أن يسعي العراق لحصر الأزمة علي منفذ واحد فقط، بحيث يستخدم المنفذين الآخرين للتعويض وتحريك اتجاه النفط اليهما، ذلك أن غلق منفذ واحد يسبب ارباكا، ولكن غلق منفذين في آن واحد يسبب خطرا جسيما وربما كارثة. كان هذا هو العنصر الهام المتلازم مع الشبكة الاستراتيجية. وبطبيعة الحال فان الالتزام به يدخل في صلب السياسة العامة للبلد، وهي بيد مجلس قيادة الثورة وليس بيد المستشارين والفنيين. اما علي صعيد الواقع فقد دخل العراق بعد اكمال المشروع في أزمات مع جيرانه أدت الي تعطيل منافذ التصدير الواحد بعد الآخر، فذهب مفعول الشبكة والحكمة منها في ادراج الرياح. فالشبكة الاستراتيجية ـ بما فيها من خطوط أنابيب ومحطات ضخ وتوزيع ومنشآت تحميل وغيرها ـ كانت قائمة علي الأرض لكنها كانت بحاجة الي نظرة استراتيجية في الذهن لكيفية التعامل المرن مع الغير. لم تمض أربعة شهور علي تدشين الخط الاستراتيجي حتي تعرض النفط عبر سورية الي أزمات طويلة بسبب الخلافات بين البلدين(4). فأوقف العراق نفطه خلال الفترة من نيسان (أبريل) 1976 الي كانون الأول (ديسمبر) 1981، ثم أوقفت سورية النفط في نيسان (أبريل) 1982 أي بعد نحو أربعة أشهر من اعادة التدفق. وعند نشوب الحرب العراقية الايرانية في أيلول (سبتمبر) 1980 أصبح النفط سلاحا في المعركة وتعرضت منشآت تحميل نفطه علي الخليج الي التدمير. وهكذا شُلت مــنافذ التصدير غربا وجنوبا. أجواء ثأرية في المفاوضات السورية العراقية انتقلت ورقة الضغط من يد سورية الي يد العراق بشأن تحديد الأجور للفترة اللاحقة. وتولي عدنان الحمداني وزير التخطيط العراقي ـ الذي كان ما يزال سكرتيرا عاما للجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات ـ مهمة المفاوضات مع الجانب السوري بتنسيق وتوجيه مباشر من صدام حسين. وخيمت علي المفاوضات أجواء الثأر من الموقف السوري المتصلب قبل ثلاثة أعوام بشأن تحديد الأجور بعد التأميم الذي جري الحديث عنه سابقا بتفصيل. عندها لجأ النظام في العراق الي وضع استراتيجية جديدة لمنافذ تصدير النفط يمكن تسميتها خطة ظروف الحرب، وكأن ظروف النزاعات هي الظروف الاعتيادية في حياة العراق. فاعتمدت هذه المرة المنافذ السعودية عن طريق خطين، واضافة أنبوب ثان عبر تركيا، واقامة منفذ عند العقبة عبر الأردن الذي صرف النظر عنه في النهاية بسبب عدم توفر الضمانات الأمنية لقربه الشديد من اسرائيل. وحتي هذه الخطة الجديدة، التي جري تنفيذها خلال الفترة 1984 ـ 1987، لم تدم الاّ فترة قصيرة. فعقب احداث الكويت في اليوم الثاني من آب (أغسطس) 1990 شلت منافذ التصدير وأصبح النفط العراقي محكوما من قبل مجلس الأمن الدولي. في نهاية المطاف لم تعد هناك جدوي: لا من شبكة لظروف السلم ولا من شبكة لظروف الحرب، ما دامت تقود الأمور سياسة عوجاء ! مشروع استراتيجي نفطي لم يكتب له النجاحتجدر الاشارة هنا الي مسألة أخري ذات صلة بالتخطيط الاستراتيجي لتسويق النفط. كان العراق يسعي بعد التأميم، لايجاد أسواق كبيرة تعتمد علي نفطه بصورة مستقرة، فطرح مشروع تجهيز الدول الأوروبية الوسطي والغربية بالنفط العراقي عبر أنبوب يبدأ في أحد موقعين بحريين، في جنوب ايطاليا او جنوب يوغوسلافيا آنذاك، ويتوزع عن طريق شبكة تمتد الي الدول الراغبة في هذا المشروع الذي أبدي العراق استعداده للاسهام فيه.. وكان العراق يسعي أيضا، من خلال المشروع، الي ربط المصالح الحيوية لتلك الدول به وكسبها الي جانبه في المجالات السياسية والاقتصادية والتقنية. خاض بالاتصال مع الجهات الايطالية وفد برئاسة مرتضي سعيد عبد الباقي عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الخارجية، وكنتُ عضوا فيه. وتوليتُ رئاسة الوفد العراقي في المحادثات الرسمية مع يوغوسلافيا في العاصمة بلغراد آنذاك وشارك فيها عن الجانب اليوغوسلافي وفد برئاسة وزير التجارة. وابدي الطرفان، الايطالي واليوغوسلافي، اهتماما بالمشروع ووعدا بالدراسة والجواب. الا أن تطور سوق النفط العالمية في الفترة اللاحقة جعل هذه المادة سلعة نادرة تتلهف البلدان علي توفيرها بأي ثمن، فأضعف حماس العراق في المشروع الذي أطلقه هو من حيث المبدأ، ولم يعد يتابعه رغم اعتباراته القوية ذات الأمد البعيد. ومن الناحية الأخري أدت الحرب العربية ـ الاسرائيلية في تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وجعل النفط العربي سلاحا في المعركة، الي نشوب أزمة نفطية حادة في السوق العالمية مما أثار مخاوف الدول الأوروبية من المقترح العراقي بمد الأنبوب الي أراضيها وتجهيزها بالنفط. وهكذا طوت الأحداث المتتالية ملف المشروع العراقي بصورة نهائية. الهوامش:(1 اختير مركز الربط بالقرب من مدينة “حديثة ” الواقعة علي نهر الفرات شمال غربي بغداد التي يمر عندها الأنبوب الناقل للنفط من منطقة كركوك باتجاه سورية الي البحر المتوسط، وبذلك تمثل أفضل موقع وأقصر مسافة لربط الحقول الجنوبية بنفط الشمال، كما تتواجد بالقرب منها محطة ضخ نفط كركوك الثالثة (ك ـ 3) عند الأنبوب باتجاه سورية. (2 خطط لجعل طاقة التحميل للميناءين العميقين ـ البكر وخور العمية ـ بنحو 160 مليون طن سنويا. (3 بتاريخ 27/ 12/ 1975 رعي صدام حسين نيابة عن رئيس الجمهورية الاحتفال بتدشين الخط الاستراتيجي. أما مشروع الأنبوب عبر تركيا المقترح عام 1973 فقد تمت المصادقة علي الاتفاق مع تركيا عام 1975، وعند تنفيذه بدأ الضخ فيه شهرايار (مايو) 1977. (4 كان الاتفاق بين العراق وسورية أوائل عام 1973 حول أجور مرور النفط العراقي ينتهي في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1975. 7

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية