صراعاتنا يا عرب أصيلة

حجم الخط
0

ما اشد تعلق البسطاء من أبناء وطني المغدور المنهك بالأمل القادم، بالحلم الذي كان بعيد المنال اليوم تلامسه الأحاسيس وتشتاق للقائه النفوس الطامحة والشغوفة، وفي قلبها الحياة تضخ في عروقها دماء الحرية تغذي فيهم الروح الثورية التي وجدت لتقتلع الماضي الأليم، وتحطم قيوده التي كبلتهم سنوات ضاعت من عمر الوطن، وجعلته أسير الجهل والصراع والخنوع والاستسلام، مما خلق بيئة خصبة لنمو فئة أنانية جشعة متخلفة ميزت نفسها بالعرق والسلالة وهيمنت على الخير والأرض والحياة وتسلطت على القرار وأعاقت النمو والنهوض والمستقبل، استغلت القيم النبيلة للوطنية والإسلام والعروبة شعارات تضحك بها على الجماهير التي جعلت منها مطية ووسيلة لصراعاتها ووقودا لحروبها. اليوم هذه الجماهير استطاعت تحطيم قيودها وتدمير معوقاتها. من دون شك ان الانتقال للمستقبل يتطلب تجاوز الماضي وصراعاته وأسبابه وتداعياته، وأهمها العنف والعنف المضاد بكل أشكاله، وهو ظاهرة خطيرة ومدمرة للحياة السياسية والاجتماعية وأساس الإرهاب بإشكاله. وكانت هذه الظاهرة السبيل المستخدم لإخضاع المجتمع وإضعافه ليسهل انقياده والتسلط عليه.
والعنف هو كل سلوك يتضمن إيذاءً أو حرماناً أو إهمالاً يمارسه فرد تجاه فرد آخر او جماعة ضد جماعة.. بهدف إجبارهم على القيام بفعل أو تبني موقف يتناقض مع رغباتهم بأسلوب يتجاوز التأديب المقنن شرعاً، مما يعاقب عليه التشريع في حال إثباته.
هو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون الأذى جسدياً أو نفسياً. وهناك أشكال للعنف منها، العنف الاجتماعي والسياسي والنفسي ويعتبر العنف السياسي الأهم لأنه ينتج تسلط فئة على الحياة السياسية ويلغي الآخر. ، ، يختلف ـ الأنواع الأخرى ، المعتدي. ا ـير الا الا ويؤدي ا ميا طيا بين مختلف ، الجماهير ـ باعتباره مسؤولا ـ وتلبية حاجياتها، وحين الأجهزة السياسية ـ الآخر بنظر أو تعامل بعض النخب السياسية بسلوك البيروقراطية تتكون طبقة مهيمنة مستبدة وطبقة مضطهدة محرومة.
والخروج من دائرة العنف هذه يتطلب إيجاد نظام سياسي يرتضيه الكل بتشريعات يتوافق عليها الكل، تدير العلاقة بين الافراد والجماعات وتشكل أسس النظام السياسي الذي يؤدي للتعايش والعيش بسلام ووئام لكل الأطياف السياسية والفكرية، وهي دولة المواطنة المتساوية، دولة النظام والقانون، الدولة المدنية الحديثة، وهذه لن تكون واقعا معاش من دون أن تتولد قناعات بقبول الآخر كما هو لا كما نريده نحن. والمؤسف جدا أن ديننا الإسلامي الذي أتى ليوحد الامة الإسلامية قاطبة صار اليوم مصدر خلاف وتناحر وشقاق. المواطنة المتساوية هي ما تسعى إليه المجتمعات الحديثة والدول العادلة. وهي نقيض لنظم التمييز والامتيازات. المواطنة المتساوية هي التي تعزز الانتماء الوطني الشامل لأبناء الوطن الواحد، على الرغم من تعدد أصولهم وانتماءاتهم وأديانهم ومذاهبهم وأجناسهم وقومياتهم ومكانتهم الاجتماعية والاقتصادية، وعلى النقيض من ذلك، فإن الطائفية والمذهبية تضعف روح الانتماء الوطني وتعزز الانقسام بين أبناء الوطن الواحد، وتقوّي روح الانتماء للطائفة والمذهب على حساب الانتماء إلى الوطن، وتعزز الهوية الطائفية والمذهبية الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وما يلاحظ في بلادنا العربية اليوم انه بعد ثورات الربيع العربي للأسف لم نستطع تجاوز هذا العنف السياسي ضد الآخر بسب اعتناقه للفكر والمذهب والدين، وبالتالي وُلد عنف مضاد ولازال الصراع يدور في هذه الدائرة المعيقة للنمو والتطور، أي لم نتجاوز الماضي وصراعاته للانتقال إلى الدولة المدنية التي كانت شعارا للجماهير الثائرة ضد الماضي، الا ان النخب السياسية لم تستطع تجاوز هذه الصراعات والقبول بالآخر، بل صار الانتماء للفكر والمذهب جريمة وتهمة تستخدم للإقصاء والإبعاد، مما ولد مقاومة وعنفا مضادا لإثبات وجود ودفاع عن الحق، هذا ما يجعلنا نعيش صراعا محتدما.
هذه هي المعضلة الحقيقية التي تواجهها دول الربيع العربي وأعاقت نجاح ثورات الشعوب، وقللت واضعفت من الاصطفاف الجماهيري لتحقيق أهداف الثورات، ورفعت من مكانة رموز الأنظمة السابقة الذي ثار الشعب ضدها، لان البعض انتابه اليأس وفقد الأمل في عملية التغيير، فالصراع من اجل السلطة هو نفسه بل تعززت الطائفية والمذهبية والدينية باسوأ صورها، كل هذا بسب النخب السياسية التي كانت ولازالت جزءا من الماضي وتعيش صراعاته. العالم المتحضر تجاوز هذه الصراعات ولم يعد لها اثر في حياته وسياساته بل تمكن من التعايش وقبول الآخر وفق المواطنة المتساوية وانتقل إلى عصر النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ونحن لازلنا نعيش في ماضينا وصراعاتنا المدمرة، المتابع للإعلام العربي يجد انه أداة خبيثة للترويج لهذه الصراعات، وما يؤسف جدا أن اللغة المستخدمة هابطة لدرجة مقززه تبث سموم الفتن وثقافة الكراهية والعداء وتعزز الشقاق والتمزق والصراع المدمر للمجتمع والحياة. لا مستقبل من دون تجاوز إلغاء الآخر وإقصائه من الساحة السياسية.

‘ كاتب يمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية