بين القرم والقدس

حجم الخط
0

قبيل الاستفتاء الشعبي الذي أجري في شبه جزيرة القرم حول الانضمام الى روسيا او البقاء جزء من اوكرانيا، صرخ الغرب بان الاستفتاء ليس قانونيا وانه لا يعترف به. أما بوتين فاستهتر. وهاكم خمس نقاط في الموضوع الاوكراني ينبغي أن تهمنا في دولة اسرائيل:
الاولى تتعلق بالتعهدات. ‘في ميثاق بودابست’ في 1994، بعد ثلاث سنوات من تفكك الاتحاد السوفييتي، تعهدت روسيا، بريطانيا والولايات المتحدة (الرئيس كلينتون) بالحفاظ على سيادة اوكرانيا، استقلالها، وحدودها. وفور بدء الروس بـ ‘غزوهم الهادىء’ الى القرم، لوحت حكومة اوكرانيا بهذه المعاهدة. وبالفعل، فقد انتهكها الروس ولكن في نفس الوقت لم يفِ الامريكيون والبريطانيون هم ايضا بتعهداتهم حسب المعاهدة، باستثناء الاقوال. مما يعلمنا بان كل معاهدة جميلة في ساعتها، في ظروفها وفي مصالح الموقعين عليها.
الثانية تعنى بالحجج. حجة الغرب تجاه روسيا هي حول الشرعية. فالغرب يكرر الادعاء بان الخطوات الروسية في القرم تنتهك القانون الدولي والدستور الاوكراني. ولهذا فان الاستفتاء الشعبي هو ايضا غير قانوني. اما الروس بالطبع فيدعون بان ليس هكذا هو الامر، والحكومة الاوكرانية الجديدة ليست قانونية على الاطلاق. ولكن لب الحجة الروسية هي في مصلحتهم العليا: القرم هي جزء لا يتجزأ من الوطن الروسي منذ نحو 250 سنة؛ القرم هي البوابة الاستراتيجية لروسيا نحو ‘المياه الدافئة’ للبحر الاسود ومنه الى البحر المتوسط؛ أغلبية سكانها هم روس (باللغة وبالاصل العرقي) وهؤلاء السكان يعربون عن ارادتهم في شكل استفتاء شعبي. بالمقابل، كل علاقة اوكرانيا بالقرم هي في انها أخذت شبه الجزيرة هدية في حينه (1954) بصفتها جزء من الاتحاد السوفييتي وليست دولة مستقلة.
الثالثة موضوعها في الازدواجية المعروفة للغرب. كيف؟ وبالفعل، في 1999 ادعى الاوروبيون والولايات المتحدة (كلينتون) بانه كونه توجد اغلبية ألبان في الاقليم المسمى كوسوفو، والذي كان جزء لا يتجزأ من الصرب، وكونه توجد فقط اقلية صربية هناك، وكون الجيش الصربي المتواجد في كوسوفو يذبح الالبان المساكين فان على الجيش الصربي ان يغادر كوسوفو. الصرب رفضت، وعندها على مدى نحو شهرين ونصف قصفت طائرات الناتو تقريبا كل منشأة مدنية وعسكرية في الصرب الى أن استسلمت الصرب. وبقيت كوسوفو على الورق جزء من الصرب، ولكنها اخضعت لادارة الامم المتحدة، والى الجحيم بالسيادة الصربية ودستورها! في 2008 أعلنت كوسوفو عن استقلالها، واعترفت الدول الغربية بها. ومن لم يعترف؟ روسيا وبالطبع الصرب. هكذا هو الحال: كله موضوع مصالح وظروف.
الرابعة تتعلق بالعقوبات. اذا كان ثمة شيء من شأنه أن يكون له، برأيي، اثر سلبي للغاية على دولة اسرائيل، فهو يتعلق بهذا الموضوع. كيف؟ وبالفعل، الغرب يهدد كل الوقت روسيا بالعقوبات. ويرد الروس بقولهم للغرب ان هذا سيف مرتد. السؤال الكبير هو بالطبع هل سيكون الغرب مستعدا لان يخاطر ويتخذ عقوبات حقيقية واليمة على روسيا أم سيكتفي بخطوات رمزية من العقوبات ضد بعض الروس. واذا ما سار، حتى وان كان بالتدريج، نحو الطريق الاول، فان الروس من شأنهم ضمن أمور اخرى أن يردوا ايضا من خلال كسر العقوبات على ايران، كسر الاتفاق على تفكيك السلاح الكيميائي في سوريا، توريد صواريخ مضادة للطائرات اكثر تطورا الى سوريا وايران. ما هي احتمالات ذلك؟ لا يمكنني أن اقدر، ولكن واضح أن النتيجة ستكون غير سارة جدا لنا وللولايات المتحدة.
الخامسة، لغرض الاجمال. السفيرة الامريكية في الامم المتحدة قالت أول أمس في مجلس الامن ان شبه جزيرة القرم كانت لاوكرانيا. هي الان لها، وفي المستقبل ايضا ستكون لها. وهي على ما يبدو لا تعرف التاريخ وتعيش في وهم عن المستقبل. في الكثير من الحالات في الماضي كان هذا يميز جدا السياسة الخارجية الامريكية.
معاريف/الموقع 19/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية