معلومات ‘مضللة’ عن التجنيس في الأردن قدمت لبشار الأسد وصحافة إسرائيل تعزز نفوذها وغياب الشفافية يثير شكوك الشارع بخطة كيري

عمان- ‘القدس العربي’ تقود ملاحظة تلفزيونية قدمها السياسي الأردني المخضرم الدكتور ممدوح العبادي إلى الخلاصة التي تحاول تفسير أسباب عودة النقاش التجاذبي في المجتمع بعنوان ‘الهوية الوطنية’ وحتى الوطن البديل على أساس الغياب التام للشفافية والمصارحة من قبل الحكومة والمسؤولين.
العبادي تحدث مرتين وفي مناسبتين الأسبوع الماضي عن التأثير السلبي لغياب الشفافية في الخطاب الرسمي على ‘تسميم’ الأجواء الداخلية في نقاشات سلبية بالضرورة تنمو وتتغذى حسبما قال لـ’القدس العربي’ على غياب المعلومات وشيوع التكهنات في قضايا مفصلية تخص المجتمع والدولة وجميع الأطراف.
الكلام لا زال متواصلا في الأردن عن خطة كيري ‘الغامضة’ والعبادي وآخرين بينهم رئيس مجلس النواب الأسبق طاهر المصري يلمحون لآثار غياب المعلومات على رسم سيناريوهات وتكهنات تقلق المواطنين وتثير التجاذب وأحيانا التنابز.
حتى ان برلماني كبير من وزن عبد الهادي المجالي إنضم للمحذرين من سلبيات الإحتفاظ بالمعلومات في القنوات والأدراج البيروقراطية عندما يتعلق الأمر بقضايا وملفات أساسية لابد من إطلاع الرأي العام عليها وعلى أساس أن المخيلة ستؤسس روايتها للأحداث عندما تغيب الرواية الحكومية الصلبة.
خلال اليومين الماضيين رصد شيء من هذه ‘التخيلات’عندما تم إبلاغ الرئيس السوري بشار الأسد من قبل نشطاء أردنيين قابلوه في دمشق أن مليون فلسطيني تم تجنيسهم في الأردن مما دفع الرئيس الأسد لإعلان تضامنه مع الشعب الأردني ضد سيناريوهات الوطن البديل. هذه معلومة ليست صحيحة ولا يمكنها أن تكون، حيث حصل ما هو معاكس تماما من سحب للجنسيات حسب النائب محمد الحجوج الذي يشارك في الملاحظة التي تقول أن المسائل تبقى ضبابية لأن الجانب الرسمي لا يرد على الروايات التي تحكى بين الحين والأخر.
شخصية مركزية في الطاقم الإستشاري في القصر الملكي تبدو مهتمة بالمتابعة وتعبئة الفراغات وتقديم رواية متماسكة حيث يقوم مدير مكتب الملك الدكتورعماد الفاخوري بنشاط واضح ضمن إستراتيجية توضيح الأمور وشرح الرؤية الملكية بعيدا عن الإستعراض والعبارات المبهمة في الحلقات المفصلية لدوائر القرار أو للإطار النخبوي وبعيدا عن الأنظار.
في المقابل لا يقوم كثيرون بواجبهم ودورهم المفترض في التعاطي مع الحالة الشعبية المتنامية التي تبحث عن معلومات والتي ينتهي غيابها بتجاذبات سلبية في المجتمع كما يقول المجالي وباتهامات معلبة تطال كل صاحب فكرة نبيلة أو إصلاحية حسب الحجوج.
وزارة الداخلية مثلا لا تعلن الأرقام الحقيقية المتعلقة بمن سحبت منهم جنسياتهم ولا من تم تجنيسهم ردا على البيانات الرقمية المتذاكية التي تطرحها بعض أطراف المعارضة، ووزارة الخارجية تكتفي عندما يتعلق الأمر بكل ملفات جون كيري بعدم تقديم أي وجبة من أي نوع للهوس الجائع للمعلومات في الرأي العام.
النائب محمد هديب لاحظ أن النواب يسألون وزير الخارجية ناصر جودة في الأروقة عن ما يقال أو يتم تسريبه عن خطة كيري فيما تتردد العبارات الإنشائية نفسهاالتي لا تجيب على أي سؤال فتبقى الروايات الحكومية قاصرة حتى عندما يسأل البرلمان كممثل للشعب.
هذا الصوم الكلي البيروقراطي عن الكلام الرسمي في قضايا محورية وأساسية دفع – في رأي محللين- الملك عبدلله الثاني شخصيا للقيام بمهمة التحدث للرأي العام نيابة عن عشرات المسؤولين المعنيين بالأمر فاضطر الملك للإجابة عن مخاوف الرأي العام وبجرأة لا يحاول بعض الوزراء حتى تقليدها.
في ندوة نقابية نظمها العبادي عن الشفافية وتحدث فيها طاهر المصري مكرسا الإنطباع بعدم وجود معلومات مما يطلق العنان للمخيلة غير المنظمة ألمح الكاتب والمحلل السياسي محمد أبو رمان لتأثيرات غياب الرواية الرسمية على أساس أنه من غير المعقول أن يأتي نتنياهو لزيارة عمان ويلتقي الملك فيضطر الشعب الأردني لإنتظار ما ستقوله الصحافة الإسرائيلية عن الزيارة وسط صمت متكامل ‘لجماعتنا’.
هذا هو الأسلوب الذي لا زال معتمدا في المؤسسة الرسمية مما جعل للصحافة الإسرائيلية المغرضة حضورا واضحا في مخيلة الرأي العام الأردني وأبو رمان سجل أن هذا الأسلوب من الواضح أنه سيبقى.
أذرع الإعلام الرسمي لا زالت تسير بخطوات أبعد عن خطوات حتى المصارحة الملكية.
وقد رصد المراقبون ما حصل على هامش عشاء كاليفورنيا الشهير مع أوباما قبل نحو أسبوعين حيث حجب المسؤولون البيروقراطيون المعلومات واقتصر النشاط الأردني على ‘دور مهم’ في الكواليس مع الأمريكين لتوضيح وشرح الزاوية الأردنية قام به الدكتور فاخوري فقط فيما كان جنرالات أمريكيون يتحدثون في التفاصيل مع صحافيين أردنيين لم يتحدث لهم أي طرف في وزارة الخارجية.
لذلك إضطر الملك شخصيا للتدخل وتعويض قصور المؤسسات التنفيذية المعنية في الوقت الذي اعتمد فيه الوسطين الإعلامي والسياسي على مداخلات مثمرة قدمها رئيس الوزراء الدكتور عبدلله النسور عندما اشتبك مع التساؤلات الحائرة بإجابات شكلت رواية تبدو مقنعة في بعض الأحيان.
الإنطباع يتكرس وسط النخبة الأردنية اليوم أن وصفة الصمت وحجب المعلومات مجربة طوال عقود ولم تعد تنتهي بأي آثار إيجابية لصالح الشعب أو النظام فيما لم تجرب بعد ولو مرة واحدة وصفة ‘المكاشفة والشفافية’التي يمكنها أن تعيد في حالة اعتمادها مستوى النقاش لصالح المساحات الإيجابية كما يصر العبادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية