روجيه عساف: لا أحصر نفسي بالمسرح وعملي الأكاديمي يثري هويتي الفكرية والانسانية

حجم الخط
0

كرِّم مؤخرا المسرحي الرائد روجيه عساف من قبل الجمهورية الفرنسية بمنحه وسام الفنون والآداب من رتبة كومندان. ونال قبلها عشرات الجوائز والتكريمات بينها الاسد الذهبي في بينالي البندقية. بعد مسرحية ‘مدينة المرايا’ قبل ثلاث سنوات وروجيه عساف متوارٍ مسرحياً، فهو ينشد العمل الجماعي ولا يجده في عالم ينشد الكل ذاته.
تاريخ روجيه عساف المسرحي يجمع أكثر من 40 عرضاً. ومسرحياته تصنف مرجعاً في المسرح اللبناني والعربي. مؤسس محترف بيروت سنة 1968، ومسرح الحكواتي سنة 1979، يسعى دائماً لشكل مسرحي وطني شعبي احتفالي، يؤدي دوراً فاعلاً في الوعي الاجتماعي. بعد تأسيسه مع آخرين مسرح دوار الشمس سنة 2005 .للتعرف على ما في جعبة أغزر المسرحيين العرب كان لنا معه الحوار الاتي:
تكريم من الجمهورية الفرنسية بوسام الفنون والآداب من رتبة كومندان. هل يحفزك التكريم للمزيد؟ وهل يرضي مساحة خاصة داخلك؟
بصراحة أكثر ما أثر بي استقبال الناس لهذا الخبر بفرح كبير مما أدهشني، واعتبرته أهم وأحلى وسام. أن يعبر الناس عن فخرهم بتكريمي فهذا أمر مؤثر أكثر من الوسام بحد ذاته.
هل للتكريم الفرنسي صلة بنصفك الفرنسي؟
الجواب لدى الفرنسيين. تفاجأت بالتكريم. ولا اعرف اللجنة التي قررت التكريم، وكيف ولماذا فكرت بي. ولم اهتم بالبحث في الأسباب.
لديك لائحة تكريم وجوائز منها الأسد الذهبي من بينالي البندقية والأرزة الذهبية اللبنانية. كيف تنظر الى التكريم الفرنسي بحد ذاته؟
وسام الأرز مسألة خاصة وتعود لأكثر من 50 سنة، وجاءت في بداياتي في التلفزيون. كانت مسابقة على الصعيد الوطني ونلت هذه الجائزة كممثل. في ذلك الحين فرحت كثيراً. وفي ذلك الحين كان الحماس موجوداً، وأكثر البارزين في النشاط الفني والثقافي في سنة 1960 وما بعدها، كانوا جدداً في مجالهم.
تقول ان العلاقة مع الناس والواقع المعيوش من ركائز المسرح. ماذا يشي لك الواقع المعيوش حالياً من أفكار مسرحية؟
هي من ركائز المسرح الذي أعمل به، وليست قانوناً عاماً للمسرح. يقول لي الواقع المعيوش عدة قضايا منها معاناة الناس، وأحلامهم، وآمالهم التي تجعلهم يفكرون، يعملون ويناضلون كي يستمروا، ويحاولون التأثير على المستقبل. الآمال تكون موجودة عندما تكون حول الناس حركة اجتماعية سياسية، تتركهم يتنشطون ويفكرون، ولا يقبلون الواقع كما هو. وفي أحيان تنطفئ هذه الشعلة أو تخفت. أو تدفعهم الظروف للإستسلام والبحث عن لقمة العيش، ونسيان القيم الأخلاقية التي كانت تحركهم من قبل.
ماذا يقول لك الواقع العربي الذي يغلي؟
جميعه نسبي وظرفي. في ما نعيشه اليوم، الواقع العربي أهم من الواقع اللبناني. أنا معني جداً بالواقع العربي، وأنسجم مع الحركات الشعبية التي قامت في تونس ومصر. لكن للأسف هي تغطي على الواقع الفلسطيني المهمل حالياً، وهو الذي يشكل أكبر مأساة. طبعاً هناك مأساة الشعب السوري، لكن أحداً لا يهتم بما يحدث في فلسطين، وما يحدث حالياً هو من أفظع مراحل القضية الفلسطينية. الدولة الاسرائيلية قادرة على الاستفادة من الظروف مهما كانت. وما هو حاصل عربياً لا شك يساعد اسرائيل، لكني لا أقول بوجود مؤامرة افتعلت هذه الأحداث. انما فعلياً ما يحصل حالياً هو لصالح اسرائيل تلقائياً. فهي دولة تمتلك امكانات الاستفادة من الظروف وتوظيفها لصالحها.
ألا يحبطك حياكة تسوية فلسطينية اسرائيلية في ظلام ومنع الفلسطيني من الانتفاض رفضاً؟
أعود ثلاث سنوات نحو الخلف فهل من أحد كان يمكن أن يتنبأ بما حدث؟ ليس لأحد أن يتنبأ بحركة التاريخ. نفهمها بعد حدوثها. نفكر قليلاً بالمستقبل لكن لا من يتنبأ به. جميعنا فاشل في تنبؤ الاحداث عندنا وخارج حدودنا العربية، خاصة الأحداث العظيمة التي نمر بها، والتي أعتبرها منعطفاً تاريخياً ليس فقط في العالم العربي بل في كل العالم. المحللون الاوروبيون كانوا يرون دولة الشاه في إيران متينة ولا تهتز. ولم ير هؤلاء المحللون أن فيتنام ستنتصر على الولايات المتحدة. كذلك حال حرب سنة 2006 على لبنان. هي محطات مهمة نفكر بها بعد حدوثها، ونرى أين نحن من الاحداث التي حصلت، أو التي تحصل. أقول مع من أقف، ولا أقول ضد من. ومع أي مبدأ أخلاقي وسياسي أكون مهما كانت النتيجة. ولا أعرف إن كنت مع معسكر المهزومين أو المنتصرين، فليس هذا المقياس. بل المقياس أين هو الموقف الذي اتعرف إلى نفسي من خلاله.
هل وجدت في أي من الدول العربية التي وصلها الحراك منطقة آمنة تتمكن من الانطلاق منها كفنان؟
اجمالاً تابعت ما يحدث في مصر. اشعر بوجود امكانيات هائلة لدى الشعب المصري. إنما هي امكانات تتعرض لضغوط كبيرة لمنع تفجرها. من هذه الضغوط الوضع الاقتصادي، الفتنة وغيرها. إلى الآن أشعر بهذه الامكانية في روح الشعب المصري. الحياة المتواضعة التي عشتها علمتني أن الموقف الصحيح هو دائماً من جهة المهزومين عسكرياً وسياسياً. الأفكار التي كانت في الثورة العربية من بداية القرن العشرين لا تزال حية، وهي كذلك جزء من الاحداث الحاصلة. نظراً لقصر صبرنا تتقدم الأشياء بشكل صغير جداً. التقدم موجود وقد لا يكفينا ولا يشبعنا. إنما المكاسب على الدوام معنوية وليست سياسية. انتصر الفرنسيون والانكليز وذهبوا. كذلك الناصرية والشيوعية. لكل ظروفه ووقته الذي ينتهي اجمالاً على هزيمة، خسارة أو ظلم، إنما يبقى جزء كبير من الافكار التي تقدمت وترسخت في المجتمع. وليس لنا التأمل أكثر. وفي التاريخ انتصرت ثورات وأدت إلى ظلم.
في واقعنا الحالي هل نملك ما يؤشر لوجود مسرح عربي؟
المسرح جزء من تعبير عن حياة اجتماعية وهي التي تحدد قيمة كافة الفنون. يستحيل أن يكون في لبنان مسرح مُوَحِد في مجتمع ممزق، وإن كان المسرح في لبنان بحالة جيدة فهذا يعني وجود ما هو غلط بهذا المسرح. أو هو يعيش في مكان لا يعطي للناس ثقافة حقيقية.
هذه قراءتك للمسرح اللبناني في حين ان المسرحيين العرب يرون المسرح اللبناني رائدا وهم معجبون به؟
لا شك أن في لبنان حتى الآن طاقات فردية قادرة على الابداع، إنما تبقى تلك الأعمال فردية، غير متواصلة ولا تتراكم، وليس لها فعالية سوى ضمن وسط ضيق جداً. وقد يكون مفعول هذا المسرح على صعيد أوسع من لبنان. وإذا رأي الجمهور النخبوي العربي ذاته في المسرح اللبناني فهذا مهم جداً ويعني شيئا. وأكثر من ذلك هذا المسرح خارج لبنان عليه اقبال أكثر من لبنان.
المسرحي، الكاتب، المخرج والممثل، وفي تاريخك أكثر من 40 مسرحية وفيلم واحد. هل تكفي اعمالك للتعريف عنك في الهوية، الانتماء، الفكر، والمعتقد الديني؟
لا طبعاً. لست محصوراً في المسرح. أنا رب عائلة أولا ودوري هذا هو جزء كبير من حياتي وهويتي. ليس لي فصل هويتي عن الوضع العائلي. لدي اصدقاء لا صلة لهم بالمسرح. أعز اصدقائي غير مسرحيين ولا يزورونه. وأنا استاذ جامعي ومكاني هذا مهم جداً في هويتي الفكرية، الاجتماعية والعاطفية. وأنا مرتبط بالتعليم بشكل عضوي. لا أحد نفسي ولا أحصر هويتي بالمسرح. ولا أحصر هويتي في مكان، ولا أعتبر نفسي لبنانيا أو عربي أو فرنسي. اعتبر نفسي منتمياً إلى مجتمع لا حدود له حتى لو كان صغيراً أو متواضعاً.
هل لا تزال تعتنق الماركسية كفلسفة إلى جانب اعتناقك للدين الاسلامي؟ وكيف يجتمعان؟
هويتي الثقافية والفكرية تجمع بين الثقافة اليونانية القديمة، الثقافة الانسانية الاوروبية التي عرفتها من خلال فرنسا والثقافة الفرنسية، الثقافة المسيحية، الثقافة الماركسية، والثقافة العربية الاسلامية. والعامل الذي يسمح لكل هذا بالتماسك هو الفكر الاسلامي. هذه الافكار تتوارد في مكان يسمح لها الاسلام بأن تكون وحدة قوية ومتينة. وأستفيد من هذا الحوار لأقول أن ما يحدث حالياً في الحياة الاسلامية من كارثة أنها تبحث عن إيجاد ذاتها بقوتها وبشكل مغلق، وبأن الاسلام هو الحقيقة المطلقة فقط لا غير، ولا عامل آخر يمكن أن ينسجم معها.
هل تحن إلى محترف بيروت أم مسرح الحكواتي أم أن الحالة المسرحية في دوار الشمس كافية؟
اتعلق بالماضي على مستوى الأشخاص فقط. خيط فكري وعاطفي يجمعني بالأشخاص الذين عملت معهم في تجربة ما. كل من عملت معهم تربطني بهم علاقة انسانية قوية.
ما هي احدى مسرحياتك التي تصطفيها لسبب ما؟
أكيد أكيد أيام الخيام وجنينة الصنايع. هما محطتان مميزتان لأن كافة الطاقات تواردت فيهما في تلك اللحظة وذلك الظرف. ومسرحيات أخرى كما مذكرات أيوب، بوابة فاطمة، مجدلون.
لمن المسرح العربي في الألفية الثالثة؟ وما هي قضيته؟
لا مسرح عربي بل مسرحيات. في العالم العربي حركات مسرحية. وفي لبنان أكثر من حركة. تتباين اهمية هذه الحركات. لا زال المسرح العربي يبحث عن صيغة تعبر بالعمق عن حالة عربية معنوية، اخلاقية، ثقافية تعني كل العرب. وهذا مستحيل حالياً. أفضل المسرحيات تعبر عن جزء من المجتمع الذي نعيش فيه، وجزء من حالته الفكرية والمعنوية. لتنمو الحركة المسرحية وتتوسع يلزمها وقت، تراكم وتواصل. وأن يكون لكل عمل علاقة بالعمل التالي. بين عمل يقدمه الفنان وآخر هناك قطع. ليست مسؤولية الفنان، بل الأماكن المتاحة للثقافة مجزأة.
كم هو المسرح قريب من الناس؟
كما أي امر آخر في عالم الابداع، من الأغنية إلى الفلسفة، إلى الفكر الوطني. إن كان العمل شعبي فقط فهو لا يتنفس، كذلك الأمر إن كان نخبوي وفكري. العلاقة بين الثقافة الطبيعية والتي هي ثقافة الناس، وثقافة الأفراد والتي هي ثقافة العالم أو المفكر أو الفنان، هي علاقة مزدوجة. أحياناً تتداخل وأحيانا يستقل بعضها عن الآخر، وأحياناً يتضادان. المجتمع الحالي غير قادر على بناء علاقة مع حياة فكرية فنية.
آخر اعمالك قبل ثلاث سنوات كان مدينة المرايا فمتى ستعود؟
هو العمل الوحيد في حياتي مبني على ممثل واحد. هو لا يشبه اتجاهي وطريقتي في العمل. وهو دليل أني لن أجد مكاناً لعمل جماعي. المجتمع غير مؤهل لأن يفرز عملاً جماعياً. هذه وجهة نظري وقد أكون مخطئاً. هذا ما أراه وأحسه.
وماذا عن شبيبة دوار الشمس؟
كل يعمل لنفسه. العودة ليست بيدي. إن شاء الله أعود وهذا أمل. حالياً كل مجموعة صغيرة تعمل لنفسها ولا تدوم.
هذا ما يخلف حسرة؟
حسرة على كل الحياة في لبنان المتجهة نحو الفتنة أو التعايش المصطنع. ولا ننسى أن قلب المجتمع العربي هو فلسطين، وإن لم يمر الدم في هذا القلب ليتوزع على كامل الجسم، فلا تأملي بحياة في المجتمع العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية