حرية المرأة والعدوان على الحاج عثمان

للشيخ التسعيني الجليل مصطفى الفيلالي ـ الذي شاءت الشائعات الفيسبوكية أن تخصه قبل أيام بـ’أخبار وفاة مبالغ فيها’، وهو الأشبّ بتوقد الفكر وذكاء القلب من الشباب ـ فصل طريف في كتابه ‘موائد الانشراح’، بعنوان ‘الحاج عثمان ومجلة الأحوال الشخصية’، يصف الرجة الكبرى التي أحدثتها هذه المجلة (القانون) في ذهنية المجتمع التونسي إبان صدورها عام 1956. رجة اجتماعية ليس من السهل اليوم تصورها واسترجاع أجوائها بعد أن صارت أحكام هذا القانون، المحرر للمرأة من كثير من عادات التسلط الذكوري الموروث ومؤسساته، عنصرا ثابتا في الثقافة التونسية المعاصرة لا تطاله الأيادي والأمانيّ مهما أتى من الأحزاب والإيديولوجيات ومهما ذهب.
لقد كان لهذا القانون وقع الصاعقة على مجتمع أبوي تقليدي مخلد إلى طمأنينة أنه يطبق شرع الله. فلماذا قرر بورقيبة خوض معركة الإصلاح الاجتماعي فور نيل الاستقلال، بل حتى قبل أن تستكمل تونس استرجاع جميع مجالات السيادة من فرنسا؟ لقد أراد اقتناص فرصة تاريخية نادرة سنحت كالومض بينما كان ما يزال في عز شعبيته: ‘إذا لم ينجز هذا الإصلاح الآن فربما لن يكون في الوسع إنجازه أبدا، بل إني لست واثقا أني سأكون أنا نفسي قادرا على إنجازه بعد ستة أشهر من الآن’. كان بورقيبة وريث تراث فكري إصلاحي بلغ تمام تعبيره في كتاب الطاهر الحداد ‘امرأتنا في الشريعة والمجتمع’ – مجتمع ذكوري ينوء بركام تاريخي من كسل الفهم المصلحي للدين. إنه مجتمع الحاج عثمان.
يروي الأستاذ مصطفى الفيلالي أن الحاج عثمان زهد في ابنة عمه، أم الأولاد، فقرر الزواج ثانية من فتاة في عمر إحدى بناته. ذهب إلى الشيخ زياد بن غانم، عدل الإشهاد في القرية، لإبرام العقد. فإذا بسفيان، المحامي المتخرج حديثا، يدخل عليهما ويخبرهما بسن مجلة الأحوال الشخصية المانعة للتطليق (الطلاق التعسفي) ولتعدد الزوجات.
– سفيان: يا حسرة على أيام زمان.. تأتي على الزوج سورة من غضب، فيصرخ في وجه عشيرته مزمجرا: أنت طالق، طالق بالثلاث، ويخرجها إلى بيت أهلها باكية. الأمر غير ذلك اليوم. لا طلاق إلا بحكم المحكمة، ولا فراق من غير تعويض.
– الحاج عثمان: تعويض عن ماذا إذا فارقتها وقد ساءت العشرة؟ وما الذي في هذا القانون من مصائب أخرى أفدح من تحريم ما أحل الله، وسلب الزوج حقه في فراق أهله؟
– سفيان: فيه يا حاج أن الطلاق، وهو كما قال رسولنا الكريم أبغض الحلال عند الله، لم يبق طوع غضبة مزاجية من الزوج لسبب تافه، أن يكون لحم العشاء أفسده فرط ملح مثلا. فراق الزوجة أصبح يبرمه حكم صادر من المحكمة.
– الحاج عثمان: وما الداعي إلى تعويض بالمال؟
– سفيان: إذا كنت القائم به، أعني المتقدم به وحدك دون رضاها، يفرض عليك الحاكم أن تمنح زوجتك مسكنا لائقا لها ولأولادها وأولادك مع، يا مرحوم الوالدين، جراية شهرية للإنفاق على حاجيات عيش كريم.
– الحاج عثمان: جراية شهرية؟ إذن هي أصبحت موظفة عندي، وأنا أصبحت دولة’.(…)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ياسير كزار المغرب:

    استاذ مالك انت لا تكتب مقالات وانما روائع.

  2. يقول الهادي المزوغي:

    مقال ممتع وطريف …جرأة الرئيس لتغيير العلاقة بين الزوجين في اتجاه رفع الضيم عن المرأة …هذا ماكان يكرره الزعيم صعوبة تغيير العقليات

  3. يقول من تونس:

    الله يرحمو بورقيبة وربي يغفرلو، أغلق علينا باب من المشاكل و الهموم لا قبل لنا بيها، لأنه فهم أنّه لن ينصلح حالنا إلاّ بإصلاح وضع المرأة…. تدور الأيام و السنين، لنعلم كم كان بورقيبة محقّ في ذلك شاء الحاج عثمان أم أبى!!
    اليوم الذي يسود فيه العدل في البلاد العربية، ويعطى للمرأة حقها ، عندها إذن سنكون أمة مرموقة بين الأممّ، إلي حين ذلك وقت، دمتمّ في تبعية و إستعمار، تصبحون على خير!

إشترك في قائمتنا البريدية