العلاقات المصرية – الفلسطينية بين حدود المنطق واللامنطق

حجم الخط
1

كل مواطن فلسطيني، وبشكل خاص المقيم داخل أسوار قطاع غزة، يشعر بشديد من الأسى لما آلت اليه العلاقات المصرية- الفلسطينية من تدهور وهبوط في المستوى، خاصة منذ وصول حركة حماس للسلطة في القطاع وفور اسقاط حكومة محمد مرسي في القاهرة. ونعني هذا المواطن بالتحديد لأنه أكثر من غيره يعيش تحت طائلة الكم الهائل من التأثيرات الناتجة عن وضعية هذه العلاقة. في الواقع أمنية أبناء فلسطين عامة والقطاع خاصة هو أن تبقى هذه العلاقة في قمة زخمها، لان ذلك يعود عليهما بالمنفعة الدائمة. والعكس صحيح، ان حدث خلل ترى القطاع أكثر من يتأثر منها سلباً. يتأثر بعقله، بروحه وبجسده أكثر من أي مواطن آخر، بحكم علمه أنه المتضرر الأساسي وأن المستفيد هو طرف ثالث يراقب الوضع عن كثب.
هنالك حالة من الارتباك ناتجة مما يحصل في السر والعلانية من تأرجح وتزعزع في العلاقات المشتركة. رغم ذلك، بالنسبة للمواطن الفلسطيني عامة ولأبناء القطاع خاصة، مصر كانت وسوف تبقى شريان الحياة وحبل النجاة. إن ترخي هذا الحبل تراه يشعر كما لو انه اقترب من الغرق، وأن بقي متيناً استشعر بالأمان والاطمئنان. مثل هذه الحالة أشبه بالنادرة وقليلا ما تحصل بين مناطق معينة من الوطن العربي، بل يمكن ألا تجد لها مثيلا على مستوى العالم. نتيجة لهذا الارتباط الدائم تراه فعلاً يتأسف، يتألم ويغضب حين تتبدل الأحوال أو تنقلب الأمور رأساً على عقب. حالياً وصلت العلاقة لدرجة عالية من التأزم، لذلك يثمن كل مجهود يحاول منع انحدارها نحو الهاوية. لكن يبدو كما لو أنه ليس هنالك جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي- من يتأثر لما يحدث. المؤكد هو أن هنالك فعلاً من يتمنى وينتظر أن تصل الأمور لحد القطيعة التامة، لا قدر الله.
معظم الفلسطينيين يجهلون الاسباب التي أدت بالعلاقة مع مصر نحو هذا الاتجاه. بغض النظر عن تلك، تراهم حقاً ساخطون على الوضع القائم، كما أنهم مندهشون من كل ما يلاقيه كثير من اخوانهم من سوء معاملة، حصار، تعسف، ضغط وتشهير من قبل بعض الجهات الرسمية وشبه الرسمية. مثل هذا السلوك يتناقض تماماً مع ما يصرح به، من جهة أخرى، من تضامن ووقوف بجانبهم ضد المحتل. ذلك لا انكار له ولا غبار عليه. المؤسف هو أن الغالبية لا تعلم ما إذا كان التأزم القائم ناتجا عن وقائع حقيقية أم مجرد اتهامات تخفي أبعد من ذلك. أكان هذا أم ذاك، الأهم هو تجنيب المواطن العادي نتائج الافعال المشجوبة ضمنياً والمرفوضة مسبقاً. لا أحد يرضى أو يتمنى الشر لمصر أرضاً وشعباً. في النهاية هذا المواطن ليس سوى ضحية التجاذبات السياسية التي تحدث هنا وهناك، وهو وحده من يتحمل تبعة افرازات النزعات الجارية، بل تراه يعتقد بأن هنالك من يراهن على معاقبته شخصياً وجماعياً لتصفية حسابات فئوية والدفاع عن مصالح ذاتية.
لقد وصل هذا المواطن لأقصى مستوى من الاشمئزاز والإحباط النفسي مما يلاحظ من علاقة تشابك وتنافر في المصالح، والمأساة التي يعيشها يومياً ومنذ سنوات. ما ذنبه إن وقع هو تحت طائلة مخالب جهات متخاصمة سياسياً وأيديولوجياً. المواطن الفلسطيني المقيد والمحاصر من كافة الجوانب، الذي طالما اعتبر مصر عنصراً أساسياً في عملية تحريره من قيود المحتل، حريص أكثر من غيره على سلامة وأمن شعبها وأرضها. وهو رغم كل الويلات على يقين من أن حريته مرتبطة بشكل مباشر بأمن وسلامة هذا البلد بالتحديد، بغض النظر عمن يحكمها. هذا واقع لا يختلف عليها اثنان من أهل فلسطين، الذين دوماً وأكثر من غيرهم تغنوا فخراً بكونها – تاج العلا في مفرق الشرق- الآن إن كان هنالك من لا يعي حقيقة ذلك أو يتصرف بشكل يتناقض مع الفكر والشعور العام، فهذا لا يعني أن الجميع يوافقه على ذلك. في المقابل، ليس من المنطق أن يدفع الجميع ثمن كل ما يقترفه الغير من أفعال غير متزنة أو مقبولة.
ان ثبت حقاً أن هنالك من تجاوز الحدود، فالمسؤولية تقع على عاتقه فقط وليس على عاتق الجميع، أو من يدور بفلكه. من غير المعقول أن يقع الفلسطيني ضحية حملة تشهير وتشويه لا مثيل لها. الجميع يعلم أنه يكن كل الوفاء لمصر بقدر وفاء وفداء أبناء مصر لفلسطين. يبدو كما لو أن هنالك طرفا ما لا يريد أن يستمر الوضع بهذا الشكل.. طرفا يجيد فن خلط الأوراق والتحرك بصمت. المؤكد أن ما يسمع فى بعض وسائل الإعلام من خزعبلات وتفاهات لا يعبر بتاتاً عن الإرادة العامة. الأفضل أن يتوقف ذلك كي لا يؤثر فعلاً على التناغم الشعبي. وللتذكير فقط، كافة حملات القذف والتجريح تهدف إلى تعكير أجواء العلاقة المشتركة. وما التصريحات التي تدوي من بعض الأبواق الإعلامية المطالبة بغزو القطاع وتعطيل تنقل البشر وتدفق سبل الحياة، ليست سوى تصريحات مؤلمة وغير مسؤولة. فمصر الشامخة لا تحتاج لمثل هذه الأفعال وغيرها لكي تثبت قوتها. مثل ذلك يكمن في تاريخها العريق، مقدرتها الهائلة على العطاء ونضوج شعبها وخيرة كوادرها.
الترابط بين مصر وفلسطين، عبوراً الى القطاع، أمر أكثر من حيوي. لذلك يجب عدم فتح المجال لأي جهة تحاول عرقلة التكاتف والتواصل بينهما. يوماً ما هذا الترابط سوف يصل إلى حد الاندماج. من يعتقد غير ذلك يريد أن يعرقل المسار الطبيعي لمجرى الأمور، من خلال جر الطرفين لمربع من الزوابع والهواجس. فعلاً، مصر أكبر من أن تجعل من أهل فلسطين والقطاع بالتحديد أداة تلاسن وتصفية حسابات بين القوي المتنازعة. وهي قادرة على التمييز وتحييد كل من يريد أن يمس هذه العلاقات بسوء. من المؤكد أن كل مواطن سيقف معها ضد كل من يحاول تعكير صفو الانسجام المتبادل الذي يضرب بجذوره في عمق التاريخ المصري- الفلسطيني المشترك. كما أنه سيرفض حتماً أي قرار لا يدخل ضمن حدود المنطق والمعقول.
انطلاقاً من الحيثيات المعروفة، يمكن القول بأن الغالبية من أهل مصر وفلسطين تطالب بإبقاء العلاقة المشتركة فوق كل الاعتبارات، بل وهنالك من يذهب أبعد من ذلك ويحث على ألا ترتكز هذه العلاقة على المعايير السياسية البحتة، كما هي حتى الآن، وإنما أن تأخذ في الحسبان وتتعمق حسبما يوازيها من معايير اجتماعية، دينية، ثقافية، اقتصادية واستراتيجية. مثل ذلك سيجعل من شبه المستحيل فك الارتباط الطبيعي بينهما. هذا الارتباط سيساهم حتماً في انهاء الاحتلال. الإنسان الحر فعلاً هو القادر على المقاومة والعمل في آن. أما المكبل فغير قادر على هذا ولا على ذاك. وهذا ما يحصل حالياً لأهل فلسطين عامة وقطاع غزه خاصة، الذين رغم كل الصعوبات اليومية كانوا وسيبقون خط دفاع مصر الأول. أياً كانت الظروف الطارئة التي تتجاوزها حالياً العلاقات المصرية – الفلسطينية، فستبقى هذه أكثر من مجرد علاقات حيوية واستراتيجية.

‘ كاتب فلسطيني- إسبانيا

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmad Omar:

    يعني اذا السيسي وشلة الأنقلابيين سرقوا ارادة الشعب المصري وقتلوا الفين مصري مسالم، هل تتوقع منهم ان يرحموا أهل غزه؟ لن يقوم لمصر مقام حتى يحاكم الأنقلابيون ويعود الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي.

إشترك في قائمتنا البريدية