تونس… العقلية الأمنية تفرّخ الإرهاب

حجم الخط
0

منذ سنين عديدة طفت وطغت كلمة الإرهاب او مصطلح الإرهاب وأصبحت تتردد على كل لسان من عامة الناس ومن خاصتهم ومن كل أنحاء العالم. ظهر مصطلح ‘الإرهاب’ للسطح في بدايات هذا القرن، بل انفجر مع أحداث الحادي عشر من ايلول/سبتمبر من عام 2001. وأصبح مرتبطا آليا بالجماعات الإسلامية او ‘الإرهاب الإسلامي’ فاتفق من لم يتفقوا يوما على انه الخط الاحمر الذي يجب أن تشنّ عليه حرب لا هوادة فيها ومن ليس ضد الإرهاب فهو بالضرورة معه.
في تونس سيطرت العقلية الأمنية البوليسية بشكل كبير منذ التسعينات وحُظرت التيارات الإسلامية وضُيّق ونُكّل بكل شخص ذي توجّه إسلامي، فكانت النتيجة أن تبنى أشخاص أفكارا راديكالية وحتى متطرفة، اي تبنوا مقولة مواجهة العنف بالعنف، ولسنا هنا لنحكم على مدى أحقّيتهم في ما ذهبوا إليه.
إذن، سيطرت العقلية البوليسية بشكل غريب حتى على نفوس العامة الذين بات الواحد منهم لا يثق في اقرب الناس إليه وسادت مقولة ‘للحيطان آذان’ أي انّ المنهج البوليسي فرض الوشاية وأفشاها وفرض الخوف منها.
أما المعارضون الحقيقيون فكان البوليس يحاصرهم في كل زقاق وينال من أعراضهم و كراماتهم وأعراض من يحيطون بهم، وأحيانا بشكل مقزز تقشعر له أبدان الإنسان، هذا فضلا عن ان يكون مسلما.
اذا تحدّثنا عن الانسان الشرطي او البوليسي فنعلم جميعا ان وزارة الداخلية غالبا ما تستقطب الشباب الفاشل في دراسته والذي عرف عنه التسكع والفظاظة واغلبهم من المناطق الداخلية الفقيرة.
ثم أن العقيدة التي يتربى عليها هؤلاء الشباب داخل أسوار الداخلية تغرس فيهم ثقافة الغطرسة والهيمنة والكبر والتجبر.. ثقافة تشربوا بها في العهد البائد كثيرا وأعطوا صلاحيات غير محدودة لجلد المواطن، خاصة المواطن غير العادي أو المسيّس الذي ‘لا يمشي تحت الحائط’.
علاقة المواطن التونسي برجل الامن لم تكن يوما سوية، بل كانت قائمة على خوف رهيب وكره مستبطن من الطرفين ويزيد الكره خاصة بين الامن والشباب الملتزم دينيا بلغ حد التطرف من الطرفين.
ومن يعرف المراكز الأمنية حتى العادية منها يعرف جيدا ويسمع أكثر الكلمات الساقطة أخلاقيا ويعرف جيدا أن سبّ الجلالة أمر أكثر من عادي عند رجل الأمن إن لم يكن مستحبا ومأمور به الأمني من كبار المسؤولين، وعند بعض الأمنيين حتى سمات الغلظة والشدّة بادية على الوجوه والجسوم الضخمة.
وما تربى عليه رجال البوليس كذلك هو الربط الآلي بين ‘الارهابي’ و’السلفي’. هذا الربط موجود حتى بعد الثورة وما زال ينغرس في عقل وتفكير رجل الأمن بل الأمرّ من هذا انّه ينغرس بشكل كبير في ذهن الإنسان العاميّ بفعل وسائل الإعلام، خاصة اذا علمنا ان من سمات العامة الجهل بالأمور والضعف الشديد في ملكة النقد.
هذا الربط كان سابقا بين ‘الإسلامي’ هكذا بصيغة التعميم و’الإرهابي’ مع التذكير بأن مصطلح الإرهاب لا تعريف له في مختلف القوانين .
إذن سادت ثقافة الإقصاء ونظرية الاستئصال بشكل كبير وعادت لتتصاعد الآن بعد أحداث إرهابية راح ضحيتها أبرياء من الأمنيين ولم يظهر بعد البرهان القاطع والدليل الساطع على متورط بعينه وما زال الغموض يلفّ مختلف الأحداث.
وسائل الإعلام أيضا كان لها دور سلبي في معالجة ظاهرة العنف، هذا ان لم نقل انها ساهمت فيه بشكل كبير. وكانت مختلف وسائل الإعلام عاملة على ربط التيار السلفي هكذا بشكل مجمل بالإرهاب والتسويق لصورة بشعة وعنيفة للملتحين. فلم يكن للسلفي في منابر الإعلام في أغلب الأحيان رأي في السياسة أو الاقتصاد أو التربية بل حضوره كان مرتبطا بالعنف وموجاته، وهاهي الآن ظاهرة جلية في الإعلام مسألة تصوير الأمني في صورة البطل الضحية وبالمقابل ضرورة تصوير عدوه وهو السلفي الملتحي شيطانا وجب قتاله.. والأصح وما سيكون عبر هذه المخططات هو استئصال فكر بعينه، ولنتذكر جيدا التقارير الأمريكية التي تعتبر التيارات الجهادية الخطر الأول والإرهاب الذي لا هوادة معه، مهما كانت درجة تطرف هذه التيارات موضوعيا.
الحرب على النقاب حلقة في سلسلة ‘الحرب على الإرهاب’ وممارسات رجال الأمن فيها مشينة كما تعودّناها وكافية هي شهادة المرأة المنتقبة التي أجبرت على ركوب سيارة الشرطة وبوليسي بدأ في نزع سرواله ربما تهديدا لها باغتصابها والسؤال: هل يقضى على الإرهاب بنزع النقاب؟
ما قيل هنا ليس استنقاصا من الدور العظيم الذي قامت به قوات الأمن كافة لحفظ الامن، ولكن يحق لنا كما يجب علينا القول للظالم يا ظالم وللمفوّت قد فوتت، من باب الإنصاف.
تكررت اعتداءات البوليس على المواطنين بتعدّد صفاتهم ووظائفهم وكان الصحافيون، كما كانوا قبل الثورة، اكثر الناس عرضة لسياط الشرط والأولى والأجدى في البلاد التي تحترم نفسها أن يُكرم الصحافي و يُحمى نظرا لكونه الناطق الرسمي باسم التعبير وحريته.
أهل الحقوق و القانون كثيرا ما اعتبروا البوليس عدوّا لحقوق الإنسان وأحيانا أخرى يصبح دولة داخل دولة ويصبح الأمني فوق القانون وها إنّ الممارسات الأخيرة للبوليس تذكر بأنّ القطيعة بين التونسي والشرطي لم تزل.. وأنّ اعتذار بعض الأمنيين أيام الثورة والتباكي ربّما كان فقط لحظة انفعال وحماسة ثورية هي الأخرى أو خوفا من ثورة قامت أساسا ضدّ الإرهاب البوليسي.
حمزة اللطيفي – تونس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية