شبكات التواصل الاجتماعي في إسرائيل ملاذ العنصريين

حجم الخط
0

في صفحة الفيس بوك ‘انتقام اليهود’ يوجد نحو من ألف عضو يحصلون على تحديثات مصورة لآخر ما تم تنفيذه من هجمات على ممتلكات وأجسام فلسطينيين ونشطاء يسار، ويشجعونها شفهيا. ‘يا لها من صورة لذيذة حقا’، كتب أحدهم تحت صورة ظهر فيها انسان ضُرب ضربا شديدا في رأسه فسال الدم من وجهه وكان ينام في سرير مستشفى. ‘هكذا يجب أن يُفعل بكل العرب أيتها العاهرات. ليمت محمد يا شراميط’، كتب آخر من بين المبتهجين الكثيرين.
ويتابع صفحة ‘كلنا مع الموت للمخربين’ أكثر من 60 ألفا. وقد كتب بالقرب من صورة مظاهرة في النبي صالح رُفعت الى صفحة المجموعة ‘مخربات يساريات يجابهن قوات الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود’. وقد كانت لغة أحد الردود يمكن أن نُعرفها بأنها تميز هذا النشر: ‘ليُمحَ اسمهم وذِكرهم!!! لتمت هاااااؤلاء اليساريات… أقتلوهن!! فهن اسوأ من العرب!’.
إن الشبكات الاجتماعية بخلاف الانترنت في نسخاته السابقة تُمكّن مستعمليها من نشر كل شيء يخطر ببالهم فورا دون وجود وسائل الغربلة التي ما زالت تستعمل في مواقع اخبارية تقليدية. وهكذا أصبحت التصريحات التي تدعو الى القتل وتحرض على العنصرية مهما تبلغ من العنصرية، أكثر رواجا في الشبكة الاسرائيلية مثل الرد غير المبالي نسبيا على هذه اللغة: فقد أصبحت اقوال مضادة للعرب ونشطاء اليسار والمثليين والمثليات والمهاجرين من افريقيا والحريديين والازواج المختلطين، أصبحت أمرا راتبا يحظى بـ الاعجابات، لكنه لا يحظى برد سلطات القانون في الدولة. وهكذا تحظى صفحة منظمة ‘لهفاه’ (منع ذوبان اليهود في غيرهم في الارض المقدسة) التي كتب فيها من بين ما كتب: ‘ليس العرب بشرا بل حيوانات’، تحظى بأكثر من 21 ألف إعجاب. وهناك صفحة اخرى تحظى بنجاح عام وبأكثر من 22 ألف إعجاب وهي ‘كلنا ضد اليسار المتطرف’.
‘يوجد هنا مسار تضخمي’، يقول البروفيسور يئير عميحاي هامبورغر، رئيس مركز بحث علم نفس الانترنت في معهد الاعلام في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا. ‘إن ما قلته أمس وهو ذو أهمية لا يكون كذلك اليوم، فنحن ندمن الانتباه إلينا ويجب أن نتطرف في الآراء لنحصل على نفس العدد من الاعجابات’.
ويُبين البروفيسور عميحاي هامبورغر أنه يوجد من يرون تعبيرات الكراهية في الشبكة ‘تنفيسا للغضب’، ‘لكن ذلك ليس في واقع الامر كتريزيس محررا بل هو دفيئة. فالمجموعة تسير معنا الى كل مكان وهي حاضرة عتيدة 24 ساعة كل يوم. وينشيء ذلك سُما يتراكم ويسبب في الكثير جدا من الحالات انفجار الاشخاص. نحن نعلم اليوم أنه كان للكثير من الجرائم العنيفة في العالم فترة حضانة في الفيس بوك’.
وهذا بالضبط هو الخوف الذي يقلق علاء يونس، وهو طبيب اسنان في الـ 32 من عمره من عارة (المثلث) وهو نشيط في شبكة مضادة للمتصفحين المتطرفين. ‘تلقيت تهديدات على حياتي وحياة زوجتي وحياة ابنتي التي عمرها سبعة اشهر’، يقول. وهو يرى أنه لا شك في أنه يجب على سلطات القانون أن تتطرق الى العنف الكلامي في الشبكة الاجتماعية: ‘تعمل في الفيس بوك مجموعات هي الموازية للتجمعات غير القانونية في ميدان المدينة، وينبغي العمل ضدها بكامل القوة. يجب على الشرطة أن تحذر كل انسان يعبر بهذه الصورة’.
وجد يونس في الشهر الماضي مدونة نشرها شاب يتابع عددا من الصفحات توجد فيها تعابير عنصرية كثيرة جدا.
وقد كتب هناك: ‘واو، يا له من حلم كان لي. إنني رأيت أنني أدخل الى مستشفى قسم الولادة ويوجد هناك كل الصناديق التي في داخلها اطفال صغار. وأخرجت سكين نحر من المعطف ومررت بالقرب من كل طفل صغير وحيثما وجدت طفلا عربيا قطعت رأسه وحيث وجدت طفلا يهوديا هيأت حاضنته بشكل جيد… إنه الحلم الاكثر وردية مما حلمت’. وأثار نشر هذه المدونة أصداءً بل أفضى بكاتبها الى تحقيق قصير في الشرطة بشبهة التحريض. لكن هذا التدخل وإن يكن محدودا لسلطات القانون هو الشاذ.
‘إن قضية فرض القانون في الشبكات الاجتماعية التي هي بطبيعتها وسط للتعبير الذاتي تنطوي على تعقيد يتعلق بحرية التعبير والحق في الخصوصية’. وكي لا يتم المس بحرية التعبير يجب أن يمر كل تحقيق في شبهة تحريض في اسرائيل بوزارة القضاء وأن يحصل على موافقة المستشار القانوني للحكومة. وقال عاملون في الوزارة لصحيفة ‘هآرتس’ إنه يوجد في السنوات الاخيرة زيادة في عدد توجهات مواطنين يشتكون من تصريحات في الشبكات الاجتماعية، لكن السياسة المستعملة ‘مقلصة’ ـ فلا يتم البدء بتحقيق كثير، ولا تُقدم لوائح اتهام كثيرة في هذا المجال. ويؤكدون في وزارة القضاء أنه حينما يُستعمل المسار الجنائي يأتي الانتقاد على المس المحتمل بحرية التعبير من اليمين ومن اليسار ايضا.
‘يعتمد المجتمع كثيرا جدا على القضاء الجنائي’، يقول عامل في الوزارة مطلع على هذا الامر. ‘إن الحوار في الشبكات الاجتماعية جد عنيف ومؤذٍ ولا يستطيع القضاء أن يرد على آلاف التصريحات العنيفة والعنصرية الموجودة في الشبكة. وليس هو ايضا الوسيلة المناسبة لعلاج جميع أمراض المجتمع. فالحل للتعبيرات العنيفة والمؤذية والعنصرية في الشبكات الاجتماعية موجود في الميدانين العام والتربوي، وفي سياسة الشبكات الاجتماعية التي يمكنها أن تمنع تصريحات شديدة العبارة’. ويؤيد هذا الكلام البروفيسور ميخائيل برنهيك من معهد الحقوق في جامعة تل ابيب الذي يقول إنه يُخشى من ‘تشدد زائد’. ويقول إن الشرطة والقضاء ‘ليسا ذوي صلة بصورة عميقة’ لمواجهة التحريض في الشبكات الاجتماعية.
ليس في اسرائيل وحدها تواجه سلطات القانون معضلات في مواجهة ‘الاستغلال الزائد’ لحرية التعبير في الانترنت: فليست المدونات المعادية للسامية والملاحظات العنصرية الموجهة على أقليات اخرى في العالم أمرا نادرا وراء البحار ايضا. لكن فيما يتعلق بتطبيق القانون يبدو أنه توجد اماكن ينجحون فيها في ارسال المخالفين للقانون من المتصفحين وراء القضبان. فقبل أقل من اسبوعين أصبحت البا غونزاليس كامتشو، ابنة الـ 21 من اسبانيا التي دعت في تويتر الى قتل ساسة، أصبحت أول محكوم عليها في دولتها بالتحريض في الشبكة الاجتماعية؛ وأفاد تقرير في الولايات المتحدة قبل شهرين عن أمر ارسال مواطن امريكي للسجن 16 شهرا بعد أن هدد في تويتر حياة الرئيس اوباما؛ أما في بريطانيا فأرسل في 2011 شابان ليقضيا اربع سنوات في السجن لنشرهما مدونات تحرض على العنف في الفيس بوك حينما جرت اضطرابات في الدولة.
ويبدو في اسرائيل أن السلطات تفضل أن تصرف انتباهها الى طرق غربلة الشبكات الاجتماعية، ويثور في الخاطر أنه لا يجب الاجتهاد كثيرا جدا من اجل أن توجد الصفحات والاشخاص الذين يدعون الى العنف. إن الفيس بوك يستعمل طريقة الشرطة الجماهيرية، فالمتصفحون يؤدون الى الشبكة الاجتماعية أمر وجود مدونات مقلقة وتقرر هي هل تزيل المدونات أم لا. ‘إن الفيس بوك، مع اكثر من مليار مستعمل، أقامت منظومة قواعد كونية للسلوك في الشبكة الاجتماعية تعرف باسم معايير الفيس بوك الجماهيرية’، جاء من قبل الفيس بوك، ‘ونحن نزيل مضمونا اذا كان يخل بقواعد الاستعمال كأن يصبح المضمون تهديدا مباشرا وحقيقيا. ومع ذلك لا نسقط مضمونا لأنه مؤذٍ فقط’. ويحذر برنهيك في هذا السياق من أنه ‘حتى لو كانت قيم الفيس بوك ومارك سوكربرغ تناسبني اليوم، فقد لا يكون الوضع كذلك غدا’.
ويقول البروفيسور رفائيل كوهين المغور، رئيس قسم السياسة في جامعة هال في بريطانيا إن ‘نقطة الانطلاق هي حرية التعبير ـ فنحن لا نريد أن نسكت الناس. فالقاعدة هي حرية التعبير والشاذ عن القاعدة هو الحد منها’. لكن يجب أن يُقال بصورة واضحة أنه ‘توجد امور هي بمثابة ما لا ينبغي فعله. فكما لا يمكن أن يطبخ الناس في حافلة أو يمارسوا الجنس علنا، ينبغي أن يُقال إنه لا مكان في مجتمعنا لعبارات العنصرية والكراهية. فينبغي مكافحة ذلك من الرأس كأن يكون ذلك بواسطة جهاز التربية وفي وسائل الاعلام حتى يبلغ ذلك رويدا رويدا الى السكان’.
ويربط كوهين ـ المغور بين المعايير في الشبكات الاجتماعية وتلك المعايير الفاشية على نحو عام في المجتمع، ويقول إن مؤسسات الدولة تعامل الجهات المتطرفة بصورة متسامحة. ‘لا اعتقد أننا استدخلنا في انفسنا مقتل رابين. فمن المحتمل اكثر اليوم أن يوجد قتل سياسي لأنه أصبحت الظواهر في الشبكات الاجتماعية أشد، فتوجد كراهية موجهة على العرب وعلى الفلسطينيين وعلى مبادرة كيري السلمية، وعلى منظمات حقوق الانسان، وعبارات شديدة موجهة الى كل من يحاول فصم العلاقة القوية بين شعب اسرائيل وتوراة اسرائيل وارض اسرائيل’.
ويتفق كل المطلعين على هذا الامر الى الآن على أن الحل للتحريض العنصري في الشبكة الاجتماعية موجود في التربية قبل كل شيء. لكنه يوجد الى ذلك من يؤمنون ايضا بأن مواجهة هذه المشكلة يجب أن تكون عالمية. ‘يجب ترتيب ما يجوز وما لا يجوز’، يقول البروفيسور عميحاي ـ هامبورغر، ‘توجد حرية تعبير، اجل، لكن يجب وضع حدود لها ايضا. ويجب على حكومات وجهات كبيرة أن تبذل جهدا معا للرد على ذلك. وقد رأينا في الماضي ـ مع اغتصاب الصغار والموسيقى المرفوعة في الشبكة والارهاب ـ أنه حينما يريدون ينجحون في تقديم حلول في الشبكة الاجتماعية ايضا. وحينما تتجند جهات كبيرة معا يكون النجاح غير سيء’.

هآرتس 5/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية