‘انقلاب’ ميلشيا ‘الصواعق والقعقاع’ في ليبيا

حجم الخط
9

كان مشهدا دراميا جديرا باثارة الاحباط وربما الرعب، وان لم يخل من السيريالية والكوميديا السوداء، في مزيج قد يكون الاقرب لوصف الواقع الليبي مع مرور الذكرى الثالثة لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي كانت مقدمة لاطاحة حكم العقيد القذافي.
قادة ميلشيات ‘الصواعق والقعقاع’ يقفون امام وسائل الاعلام امس الاول مكشوفي الوجه، بينما يوجهون انذارا صارما للمؤتمر الشعبي العام او البرلمان ‘لمُغادرة السلطة خلال خمس ساعات، مؤكدين أنهم سيعتقلون كل من يرفض الاستقالة من أعضاء البرلمان بعد هذه المدة استعداداً لتقديمهم إلى المُحاكمة وتسليم السلطة لجهات أخرى، دون تسميتها’.
اما مصدر الرعب فان الانذار جاء من هذه الميلشيات التي تعد من الاقوى في ليبيا، حتى انه يعُهد لبعضها بحماية مسؤولي الحكومة والمجلس الانتقالي.
اما مظاهر السيريالية في هذا المشهد السياسي الامني الملتبس فلا يمكن حصرها في هذه العجالة. ويكفي ان نتأمل رد فعل الحكومة على هذا التهديد للبرلمان، فقد اعلن رئيسها علي زيدان رفضه لمحاولات ‘الانقلاب على شرعية الدولة’، كاشفاً عن التوصل إلى ‘تفاهم’ مع الميلشيات، وهو ما نفته الانباء الواردة عن نتائج اجتماع الممثل الخاص للامم المتحدة طارق متري مع ممثليهم (…) ومفادها انهم وافقوا فقط على تمديد المهلة الى غد الجمعة.
وكان من المقرر أن تنتهي الفترة الانتقالية للبرلمان الليبي في السابع من شباط/ فبراير الجاري لكنه قرر تمديد فترة عمله، بمبادرة من اعضاء الكتلة الاسلامية، لضمان ‘استمرار العمل على الدستور والانتخابات’، وهو ما ادى الى اندلاع مظاهرات غاضبة ومعه شبح مواجهة مسلحة بين الميلشيات المؤيدة والمعارضة للبرلمان.
ومن الواضح ان البرلمان فشل في الوفاء بالاستحقاقات السياسية الموكلة اليه، بالاضافة الى فشله في تلبية طموحات الليبيين في حد ادنى من الامن او الاستقرار او التنمية او تأسيس دولة قانون، الا ان تنفيذ ‘الصواعق والقعقاع’ تهديدها لا يمكن الا ان يزيد الاوضاع سوءا.
كما ان لجوء البرلمان الى التمديد وسط تدهور امني وتفاقم للازمة الاقتصادية، بدلا من الرجوع الى الشعب الليبي، بعث برسالة سلبية بل ومستفزة مفادها، ان هموم المواطنين غائبة عن اجندات بعض الاحزاب التي لا تريد الا الوصول الى السلطة، ثم البقاء فيها حتى اشعار اخر.
وفي المقابل يطرح حديث رئيس الوزراء عن ‘التفاهم’ مع ميلشيات تطلق علنا تهديدات باستخدام العنف ضد ‘برلمان منتخب’ اسئلة جدية بشأن اهلية هذه الحكومة في تنفيذ مهمتها الاساسية المتمثلة في بناء الدولة، ناهيك عن توفير الشروط الضرورية لعملية التحول الديمقراطي، وعلى رأسها: احتكار الحكومة للقوة المسلحة واستخدام الحد الادنى من العنف القانوني، وتأسيس جهاز بيروقراطي محايد، وبناء المؤسسات الديمقراطية، ثم بناء الثقة في تلك المؤسسات، واخيرا اجراء انتخابات نزيهة.
اما الواقع فهو انه في قلب هذا الدائرة الجهنمية من غياب الدولة، واستئساد الميلشيات، وتشابك خطوط التقسيم العرقي والقبلي والايديولوجي، وصراع المصالح وتناحر الاقاليم، تكمن اليوم معاناة الشعب الليبي الذي ظن ان التخلص من القذافي سيكون ايذانا بالانعتاق بعد اربعة عقود الديكتاتورية والقمع والفساد.
والى حد كبير يواصل الليبيون، وبعد نحو ثلاثين شهرا من سقوط القذافي، دفع ثمن جشعه وهواجسه وامراضه النفسية التي منعته من تأسيس جيش قوي محترف، او بناء مؤسسات دولة حقيقية، او حتى تأمين حد ادنى من الرفاه الاقتصادي لهذا الشعب الغني بموارده الطبيعية وعلى رأسها النفط، سعيا للبقاء في السلطة لاطول زمن ممكن.
كما ان تدخل حلف الناتو وما صاحبه من انهيار لنظام القذافي كان بمثابة دعوة مفتوحة للتنظيمات المتشددة لتفرض سيطرتها على الارض، فيما انشغلت الاحزاب والقوى السياسية، كما حدث في بلاد اخرى، في التناحر على الوصول الى السلطة وتقاسم كعكتها متناسية اولوية بناء الدولة.
وهكذا اصبحت الاحزاب تختبئ او تتحاور او تتصارع عبر الميلشيات صاحبة الكلمة على الارض، ما ادى الى الايغال في تغييب مفهوم الدولة.
ومن هذا المنطلق جاء اعلان بعثة الامم المتحدة ‘قلقها حيال استخدام القوة لحسم الخلافات السياسية’، مطالبة’بـ’ضرورة العودة إلى الحوار الوطني وعدم الانزلاق إلى الانفلات الأمني والفوضى وتجنيب البلاد للأزمة الخطيرة’.
وان كان هذا ‘القلق’ يبدو متأخرا كثيرا في بلد تتوسع فيه سطوة الميلشيات الارهابية بسرعة هائلة، وبينها ‘انصار الشريعة’ التي قامت بقتل السفير الامريكي في بنغازي في العام 2012، ولم يعد غريبا ان تتعرض فيه البعثات الدبلوماسية للخطف او الاعتداء (كما حدث مؤخرا مع الدبلوماسيين المصريين)، بعد ان تعرض رئيس الوزراء شخصيا للاحتجاز، ناهيك عن عمليات القتل والتعذيب الواسعة التي تقوم بها تلك الميلشيات ضد بعض الليبيين والاجانب على السواء.
للاسف لقد باتت ليبيا بعد ثلاثة اعوام على الثورة ابعد ما تكون عن تحقيق اهدافها، واقرب ما تكون الى حرب اهلية لايمكن التنبؤ بمسارها او نتائجها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رضوان بن الشيخ عبدالصمد:

    تحياتي لقدسناالعزيزة
    مقال أكثر من رائع يتسم بعمق وصدق وشكرا لكاتب(ة)المقال.
    ليبيا تحررت من حكم الدكتاتور .
    للأسف تحولت إلى دولة فاشلة ودولة مليشيات .
    1 ليبيا بحاجة إلى ثورة ثانية لإنهاء هذه المليشيات التي تهدد الشعب بقوة السلاح
    2 الشعب الليبي لم يفوضهم
    3 البرلمان كان فاشلا والنخبة السياسية في ليبيا أيضا فاشلون ولكن لا يحق لتلك العصابات أن تفرض أجندتها بقوة السلاح.لأن هذه المليشيات أصبحت خطرا على ليبيا.

  2. يقول أبو أحمد:

    خُدع الشعب الليبي من أولئك الذين جاءوا من مهاجر الصقيع يتأبطون صديقهم برنار، قدموه نصيرا للشعوب و أنه جاء لأجل أن يكفّر الليبيين عن خطيئة الأجداد في القرضابية و نتحرر و نقوى على المشاركة الفاعلة في الحضارة الإنسانية ، صدقهم الشعب و مضوا به بعيداً قبل أن يكتشف أن برنار جاءهم لأجل أن يتشظى و يهان هذا الشعب و ينسى ما تشربه من ثقافات استقلال الهوية ، من أجل التقسيم بدءً بالـفيدرالية ، من أجل إنهاء جيشاً عربياً آخر ، من أجل التفخيخ و القبض العشوائي و الموت الجزاف.

  3. يقول ﻋﻤﺮ:

    ﺣﺎﻟﻜﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻪ ﺍﻟﺪﻣﻴﻪ ﻛﺤﺎﻝ ﺍﻫﻞ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ.
    ﻧﺼﺐ
    ﺍﺣﺘﻴﺎﻝ
    ﺧﺪﻳﻌﻪ
    ﺍﺳﻼﻣﻴﻮﻥ ﺟﻬﻠﻪ
    ﻓﺴﺎﺩ ﺍﺩﺍﺭﻱ
    ﻭﻛﻞ ﻣﺎﺗﺸﺘﻬﻲ ﺍﻻﻧﻔﺲ.
    ﺷﺨﺺ ﻣﻊ ﻋﺎﺋﻠﺘﻪ ﺫﻫﺐ ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺧﺮﺝ ﻟﻨﺎ ﺍﻟﻤﺌﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ.

  4. يقول سامح // الامارات:

    واضح للجميع أنّ ( ليبيا ) …ما زالت تتأرجح بين ( الثورة والدولة )
    ولم تحسم خياراتها بعد …؟؟؟!!!
    * القوى السياسة ع الأرض الليبية ( عاجزة ) عن التوصل لحلول ( وسط )
    ترضي عموم الشعب الليبي الشقيق الأبي …( المظلوم ) ف الحالتين :
    قبل الثورة …وبعد الثورة …أعانه الله .
    * أقترح : أن تقوم ( الجامعة العربية ) بتشكيل ( لجنة حكماء وخبراء ) من
    العالمين ( العربي والإسلامي ) وإرسالهم الى ( ليبيا ) لمساعدة :
    السياسيين والعسكريين ع الوصول لأفضل الحلول لمشاكل ليبيا والليبيين .
    وأن لا تكتف بالمتفرج والمراقب من بعيد وكأنّ ( ليبيا ) في كوكب آخر …؟؟؟!!!
    * إذا لم تسارع الدول( العربية / الإسلامية)…بمساعدة ( ليبيا ) :
    هذا يعني الموافقة ع تدخل ( الناتو ) والقوى الغربية في شؤون ليبيا
    وهنا مكمن الخطر وضياع ليبيا وثروة ليبيا …ولن ينفع بعد ذلك
    البكاء ع ( اللبن المسكوب ) …؟؟؟!!!
    حياكم الله وشكرا …والشكر موصول لقدسنا العزيزة التي تتحفنا كل يوم
    بمقالها الجميل الرائع المفيد …بارك الله فيها وزادها الله نجاحا فوق نجاح .
    حياكم الله وشكرا .

  5. يقول أبوجعفرالعويني:

    للأسف عدوى الكره للإخوان انتقلت إلى ليبيا منذ الزيارة التي قام بها علي زيدان إلى مصر ,و اجتمع مع السيسي المنقلب على الرئيس الشرعي و لا نري ما دار بينهما,و عند رجوعه تبيّن الهدف و أيّده اختطاف المواطن الليبي من طرف الامريكان وهي عملية إرهاب دولة دون شكّ,هذا الوزير فاشل و اللوم على الائتلاف الذي لم يغيّره في الوقت المناسب كما جرى لمن قبله ,و خاصة حزب العدالة و البناء,لم يتحرك و ينادي بعزله بعد الزيارة المريبة,و كان تحييد المقريف خطئا كبيرا خسره الشعب الليبي الأبيّ,نسأل الله أن يحميها و يحمي شعبها و يجنبهم الفتن ما ظهر منها و ما بطن.

  6. يقول عبدربه خطاب:

    السلطة الانقلابية العسكرية في مصر تلاحق الاسلاميين في كل من غزه وليبيا بعد ان وصمتهم بالارهاب واعتقلت وقتلت الآلاف منهم. وبالتأكيد هنالك تدخلا مصريا في الشؤون الليبية رغم وجود اكثر من مليون مصري يعمل في كل المجالات في ليبيا. أن اي انقلاب ميليشياوي في ليبيا سوف يعني نشوب حرب اهلية تشمل كل البلاد ولسوف تتطور بحيث تصبح مشابهة تماما لما يجري حاليا في سوريا. لذلك اعتقد بان احدا من تلك الميليشيات لن يرمي بنفسه في لظى تلك الدائرة الجهنمية وان تهديدات البعض للحكومة مجرد تخويف لن يصل لحد الفعل !! اتركوا الليبيون وحدهم -ولا مانع من النصح والارشاد- فهم قادرون على حل مشاكلهم وهم ايضا اكثر الشعوب العربية حرصا على وحدتهم وسلامة بلادهم. تحياتنا لكل ليبي وليبية من قطاع غزة الصامد وتمنياتنا الصادقة لكم بتحقيق اهدافكم في الحرية والعيش الكريم.

  7. يقول حسين خميس - المنصورة:

    احيي الكاتب الذي نريد ان نعرف اسمه على هذا التحليل المهم. واقول ان فشل الحكم وليس مصر هو السبب في غضب الناس هناك من الاسلاميين. بالاضافة الى تصرفات الميليشيات التي لاتخضع لاي قانون.

    1. يقول Asi:

      Who told you that islamist are in power there ?

  8. يقول Hassan:

    أيها الليبيون لقد دبر لكم أمر. أمريكا تستعد لتقطيع ليبيا إربا إربا. فماذا أعددتم لما ينتظركم وكل المؤشرات تدل على أن المنطقة كلها سوف يدخلها الأعداء في أتون حرب لن تبقي ولن تذر من أجل ما قرب نفاذه وللسيطرة عليه بالقوة واستنزافه ألا وهو بحر النفط الذي يعوم عليه غرب الوطن العربي.

إشترك في قائمتنا البريدية