‘القدس العربي’ تقتحم الأسوار وتستطلع الأوضاع لأول مرة في مدينة درنة ‘قندهار’ الليبية

حجم الخط
2

درنة ـ ‘القدس العربي’ ـ خاص: وادي الناقة ، تمسكت ، حي السلام ، بومسافر ، الجبيلة، المغار ، شيحا، البلاد، باب طبرق، بومنصور، الشلال، الساحل الشرقي، الحصيّن، الفتائح، الصحابة عبق الأندلس ، فوح التاريخ، الأزقة المسكونة بالفرح و الفن و الرقص. العريشة المكتظة بالثمر و الدعوات وبوح الليل. المسرح و الريادة والساسة الكبار البردقوش والياسيمن و النوار. هدير الشلال و حكايا الرمان وغنج إيراسا ووشوشات الجبل في أذن السماء.
درنة. كلمة سر البهجة ومفتاح الفرح. درنة وجهة العابدين و الدراويش و المتيمين و المحبين.
متهمة بالأنفة من يومها متهمة بالإباء و رفض الظلم.متهمة بالإسراف في محبة ليبيا متهمة بالثورة من يومها.
لم تسلم من مطاردة مباحث الملك إدريس وصنفها القذافي العدو الأول فدكها بالطيران و أحرق حرثها و غرسها و سجن أبناءها. استبقت لثورة شباط / فبراير و قدمت عشرات الشهداء.فجأة و ربما بترتيب لم يدركه الطيبون الراسخون في محبة الوطن ، اختطفت درنة و أمعن الخاطفون في قهرها و البطش بأهلها دون تفرقة أو تصنيف. هرعت الدولة للخلف و فرت بعيدا عن المدينة ، أسلمتها للمجهول ليعيث بها فساداً ليل نهار يذبح و يمثل بالجثث و يروع الأبرياء.
لم يجرؤ مسؤول على زيارة المدينة التي تنام على تفجير وتصحو على اغتيال.
مبادرات عديدة من أطراف كثيرة للخروج من المدينة من هذا المأزق الخطير بعضها تجاوز الخطوط الحمراء و تواصل مع رؤوس الجماعات الدينية المتشددة ، ربما لمحاولات يائسة للوصول إلى حل لإيقاف نزيف الدم.
في هذا التحقيق الصحافي نقتحم الأسوار ونصل الى مداخل المدينة التي يسميها البعض ‘قندهار ليبيا’ وما هي بقندهار هي مدينة الورد و الفوح و النوار.
سيتحدث مثقفون و فنانون و إعلاميون بعضهم وافق على ذكر اسمه و بعضهم احترمنا إرادته كي لا نكون سببا في قتله.

شاعر درنة الكبير عبد الحميد بطاو:
اسمح لي أن أبكي قليلا ثم أواصل النشيج…

درنه يا سيدي وأنا ابنها المولود فيها وقضيت طفولتي وسط أزقتها وشوارعها المتربة و أناسها الطيبين الذين يتوقفون أمام عبق الياسمين ليستنشقوه ويتمايلوا مع إيقاعات الأذكار والمدائح النبوية في المواسم ،والأعياد الدينية. درنه سيدي كانت مدينة صغيرة هادئة، لا يوجد فيها صخب السيارات ولا طرقعات الكيبورد ،ولا نهيق القنوات الفضائية ،كانت كلها تعرف بعضها حتى أن الغريب يشعر بحرج حينما يجد نفسه بين أهلها ،ولكنه بعد لحظات تغمره المودة والمحبة فينسى غربته. درنة رأت الكثير في عهد المملكة حتى أن رجال المباحث كانوا يكتبون على الحيطان عبارات ضد الملك ويصورونها ويرسلونها له باعتبارها من شباب درنة. فكنا ونحن أطفال يوقفنا المدرس أمام قصره وهو قادم من الغرب لعله يدخل قصره ونظل نردد مع الأستاذ المنفعل ( إدريس الامة قاطبة جاءت بالتاج تحييك) ولكن الملك لا يتوقف ولا ينزل بل ينخص سائقه بعصاه،لكي يواصل الرحلة إلى قصر الخلد بطبرق ،ويترك أستاذنا يلمنا ويلم حرجه أمامنا. درنة يا شاعري قاست الرعب والعسف والطغيان في زمن الطاغية ،فوالله ذات يوم دفع باب بيتي بعنف رهيب ،ودخل مجموعة مسلحين وفتشوا بيتي تفتيشاً دقيقاً حتى الغرفة التي بها أسرتي دخلوها بشكل مستفز وحينما خرجت يومها لأصلي العصر، رأيت مدفعاً موجهاً لبيتي والرصاص كان يدوي في كل الأنحاء ، فشعرت بغصة ومهانة.درنة يا سيدي حينما تفجرت ليبيا كلها في منتصف فبراير 2011م خرج شبابها بعد أن تحصلوا على السلاح إلى مطار الأبرق وبنغازي ورأس لانوف ومصراتة وسرت وطرابلس ،وقدمت درنة قافلة من الشهداء أكثر من مئة وخمسين شهيداً في كل مناطق ليبيا، من الأبرق حتى الجبل الغربي درنة اليوم سيدي ( اسمح لي ان أبكي قليلا ثم أواصل النشيج).

الإعلامي والفنان جمال النويصري تم اغتيال اثنين من أقاربه :

لك الله يا درنة لأن الدولة الليبية الهشة التي لا تملك أن تحمي نفسها

الأوضاع في درنة مدينة الفن والثقافة والعلم والإعلام والجمال سيئة للغاية كل يوم اغتيال وتفجير وترهيب ورعب.. الأوضاع في درنة لا تستطيع أي كلمات وصفها لأنها فوق الوصف قتل الأبرياء بدم بارد وبأسلحة كاتمة للصوت وأمام الناس ولا أحد يتحرك الأوضاع في درنة محزنة. المدينة وأهلها يدفعون ثمن لا علاقة لهم به، ويتمركز في أطراف المدينة كتائب مسلحة انتماؤها معروف تحلل وتحرم حسب ما ترى ،بعيدا عن الدين والعرف والأخلاق والمنطق والعقل..
الأوضاع في درنة مؤلمة اكتوت بنارها عديد من العائلات الدرناوية الأصيلة… الأوضاع في درنة مبكية مفزعة.. لك الله يا درنة لأن الدولة الليبية الهشة ،التي لا تملك أن تحمي نفسها ،لا تستطيع أن توفر لدرنة أدنى درجات الحماية.. أخيراً اللوم والعتاب على أهل درنة يجب أن يهبوا هبة رجل واحد ،ينتشروا في الشوارع والأزقة و الميادين ويفرضوا الأمن وأي تصرف خارج يتم إطلاق النار على الفور… درنة يا مدينة آبائي وأجدادي درنة يا مدينة الشلال والوادي…
درنة يا عبير الزهور الفواح يا روح الزهر والرمان درنة يا حاضرة ليبيا وأملها رعاك الله وأزال الغمة من على جبينك لتعودي درنة الزاهرة الزهرة الفواحة ويعود ربيعك الزاهي المخضب بعطر الزهر والريحان والبردقوش والنعناع.. يا رب.

أحد الصحافيين الكبار في درنة رفض ذكر اسمه:

أصبحت درنه أسيرة منعطف خطير..

درنة مدينة من الأربعينيات وهي تعيش إرهاصات الثورة. وحينما فجّر عبد الناصر ثورة 23 يوليو كانت درنة مع الموعد ،وهي التي خرجت تؤيد ثورة مصر وفي العدوان الثلاثي طردت معسكرات الانجليز. وفي 67 أخرجت اليهود من شوارعها عاجلا لسفن في البحر. حلمت بالثورة ككل المدن.لكن الانقلاب في 69 شكل لها خطراً محدقاً في بداية القذافي حيث أخرجت كتيبته من درنة والنظام الفاشي في قمة عنفوانه. وقاتله شبابها في الوديان والجبال في التسعينيات وحرق غاباتها واقتحم بيوتها وأعدم شبابها.
كانت مواجهات عدة مع النظام لم تركن فيها درنة للاستراحة أبدا. وحينما قامت ثورة فبراير كان شبابها على جسر ‘طابلينوا ‘ بمدينة بنغازي ،يقاتلون بصدور عارية. تحقق الحلم وانتصرت ليبيا على الطاغية. لكن الثورة سرقها صعاليك ريكسوس الجدد وحرمت درنه من جديد من حق الاستقرار والاهتمام بها. واستغلت أطراف متعددة وتيارات مختلفة وضع وطوبغرافية المدينة، وأصبح القتل والسرقات والانتهاكات، تأخذ مكانها المتقدم وانتكست المفاهيم الكبيرة للثورة وسط هذه الاحتقانات. وأصبحت درنه أسيرة منعطف خطير.
هناك من يعتبرها حاضنة القاعدة وهناك من يقول إن التطرف هو السائد في غياب الدولة. اختلطت الأوراق وانتشرت ضبابية الأحداث المتلاحقة. وشكّلت درنة دوامة حيرة بسبب وضعها الاستثنائي.وأكبر الأسئلة الصعبة التي تتردد فى كل مكان. لماذا القتل. ولمصلحة من.ومن يديره متطرفون أم بقايا النظام الذي تحدته درنة. هل هو ثأر قديم بين نظام ومدينه أم تصفية حسابات بين جماعات وأجهزة أمنية. ؟ كل شيء حائر في درنة وعلى مفترق الأسئلة إجابات باهتة. لأن الدم يحيل كافة الأشياء إلى إحباط وطني شامل لا تعرف نهاية أنفاقه المغلقة.. في كل الأحوال تظل هذه المحطة في تاريخ درنة سوداء بمعنى الكلام ، لأنها بددت أحلاما كثيرة في عقول أهلها. وخشي الكثيرون أن تنتكس الثورة في أعماقهم ويكفروا بها.

الناشط السياسي والكاتب عبد الناصر الباح:

لا أثر للدولة الليبية في درنة

الحقيقة لا يستطيع أي كان نكران ما يحدث في درنة من اغتيالات و حمام الدم المتدفق كشلالها.. ربما فاق من حيث العدد عدد ما قدمته هذه المدينة من شهداء إبان فترة التحرير رغم كثرتهم ،بل فاقت مدناً أخرى أكبر منها مساحةً وعددا.. و تبقى الحقيقة الوحيدة هي الضحية.. دون جان محدد يمكن الإشارة إليه و أنت موقن بالإجابة.. رغم التكهنات التي تراوح ما بين أقصى اليمين ، وأقصى اليسار.. كانت هذه الاغتيالات و التفجيرات و الاختطافات تطال فئة محددة في البدايات ،إلا أنها تعدت إلى باقي الفئات من المواطنين القاطنين في هذه المدينة كافراد الشرطة و الجيش و قضاة و أعيان و مثقفين و مفتشين تربويين و مؤسسات مجتمع مدني بل حتى الإسلاميين و طلبة و أفراد آخرين بسطاء.. ما أدخل التكهنات في بلبلة لا ندري ما إذا كانت متعمدة أو مصادفة أو أنها مؤامرة أكبر من المواطنين و فهمهم لمجريات الأمور و ضبابية ما يحدث فوق الطاولة و تحتها لا ندري أ كانت من الداخل أم الخارج أم كليهما معا.. ما يستوجب قيام الدولة والتي ليس لها أثر في هذه المدينة عدا مؤسساتها التعليمية و الصحية و شبيهاتها التي تسير بعزيمة و شجاعة أبناء هذه المدينة و تمسكهم بالله العلي القدير و المستقبل المأمول.. هذه الدولة التي خرج علينا مسؤولوها من الحكومة ليبلغونا بعديد من الوعود الأمنية و التي لم يتحقق منها شيء حتى الآن على أرض الواقع ، بل حتى لم تستطع استخباراتهم الوصول الى الجناة رغم خروج بعض مسؤوليها من أعضاء المؤتمر الوطني العام علينا في شاشات التلفاز لإبلاغ المواطنين معرفتهم بالجناة إلا أنهم عاجزون.
فالجناة لديهم أسلحة! و يخرج علينا آخر له علاقة باللجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني العام ليقترح علينا ‘حل التل’ العجيب الغريب !!!!.. و طائرة بلا طيار هي الأخرى لا ندري كنهها و دورها تُـضج فوق رؤوسنا المتعبة و المستهدفة صباح مساء بدوار، و استفهام ، و استغراب..و بين هذا و ذاك يبقى الوطن و المواطن و أمنهما الضحية لحكومة عاجزة و جاني مجهول الهوية يضرب بشراسة في كل مكان و اي كان و بلا هوادة.. فلك الله يا درنة ، لك الله يا كرسة، لك الله يا وادي الناقة ، لك الله يا تمسكت ، لك الله يا حي السلام ، لك الله يا بومسافر ، لك الله يا الجبيلة ، لك الله ياالمغار ، لك الله ياشيحا ، لك الله يا البلاد ، لك الله ياباب طبرق ، لك الله يا بومنصور ، لك الله يا الساحل الشرقي ، لك الله يا الحصيّن ، لك الله يا الفتائح.. يا الله يا غياث..يا الله يا غياث.. درنة تعاني فهل من مجيب ؟
ليبيا يا سادة في مهب الريح فشكرا لكل الخونة كل القتلة كل الفاسدين كل السارقين المتسربلين بظلام الليل. أفشلتم ثورتنا و اغتلتم فرحتنا و تركتم لنا الهباء و صحراء الموت و البكاء بلا صوت. نورثه لغد أولادنا كحلم كسيح اغتيل في مهد الولادة.
ليبيا يا سادة في مهب الريح فعذرا لكل الشهداء كل الشرفاء أناسنا الطيبين أحفادنا القادمين المتسربلين ببصيص الضوء حين تبصروننا حين تقرأوننا أننا بدمائنا قاتلنا العتاة ثم ابحناها بلا إرادة و صرنا اشباه شيء نجيد الغناء نجيد العواء نسير في ركب الذل قتلى بلا شهادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الرزاق الخالدي:

    حسب إحصائية لما يسمى لاب توب سنجار وهو جهاز كمبيوتر استولى عليه الأمن العراقي بعد غارة على وكر للقاعدة على الحدود السورية فقد وجدوا أن أغلب الانتحاريين الذين فجروا أنفسهم بالعراق أتوا من مدينة درنة الليبية !! هذه المدينة الصغيرة خرجت انتحاريين وتطرف ما لم تخرجه الرياض والقصيم معقلا الوهابية. فعلا أمر محير ويثير الاستغراب ؟؟

  2. يقول بلال نصر:

    اذا كنت تريد ان تعرف لماذا مدينه درنه هكذا .هذه سؤال صعب جدا من الصعب الاجابة عليه

إشترك في قائمتنا البريدية