الفلنتاين ألوان ‘أون لاين’ وقلوب ‘أوف لاين’

حجم الخط
0

ان كنت ترى عيد الحب لونه أحمر، فلعلك تعلم ايضاً ان الأحمر والأبيض لونان لا يتجانسان قدر مجانسة أبيض وأسود في المحاكم أمام القضاة من الإبتدائية للإستئناف والتمييز، و أحمر وأخضر في الشوارع أمام سيارات السير ومشاة المرور..!
ورغم ذلك نزل بابا الفاتيكان وهو أبيض وأبيض من الرأس لأخمص قدميه إلى ساحة الحب المكتظة بأحمر وأحمر يدعو لبطولة عيد الحب، ويرتل تراتيله للبطل والبطلة وهما أيضاً من الرأس للقدمين أبيض وأبيض، مهما تعددت أعدادهما إناثاً وذكورا، وتفاوتت أعمارهما شباناً وأهراماً، وتنوعت ألوانهما أعراقاً وألواناً.
واللون الأحمر ليس بالضرورة أنه رمز الحب في كل مكان، فإنه أحياناً مؤشر النزيف والإستنزاف في أسواق الأسهم والبورصات العربية من جانب، ومن جانب آخر قد يدل على شلالات الدماء في دول الربيع العربي!
على التيار المعاكس لما فعله بابا الفاتيكان بساحة الحب في الجبة البيضاء للورود الحمراء، قام ‘الآخرون’ بتفجير حافلة تقل سائحين كوريين بسيناء، فأسقوا عدسات الفضائيات الكأس الأحمر لثلاث جثث وأشلاء جثة رابعة، ونزيف اللون الاحمر لجروح العشرات في محافظة جنوب السيناء، حيث كان قد زارها 32 سائحا كوريا، لعلهم كانوا يبحثون عن عيد الحب السلمي بالورد الأحمر بين معتنقي مذهبٍ إسمه إسلام وشعاره سلام!
إلا أننا نتوقف هنا اليوم مع حرفين حاء وباء: حب لرأسين بحرفين حاء وحاء: حب حلال .. ونتساءل لماذا المحتفلون بحب فلنتاين الذين نعتبر حبهم من نوع آخر: حاء وحاء حب حرام، أن حمراوات حبهم الوردية تدوم دون خريف؟ .. وعيد حبهم ورورد تلو الورود حمراء وحمراء من المراهقة للشيخوخة ولحد دارالعجزة والنعوش.!
بينما حبنا حاء وحاء: حلال حلال يذوب ويتلاشى أحيانا في المهد قبل ان يلد أمام القاضي في المحاكم الشرعية، واحيانا في العش الزوجي قبل ان يفرخ، وأحيانا في القصور والفلل قبل أن يكتمل الديكور والأثاث، وأحيانا في الحفل قبل أن تطفأ الشمعة الأولى، ثم واحيانا في المطبخ قبل ان يتذوقا الكعكة الأولى!
وقد إلتقيت قبل أعوام، في ساحة الحب لمدينة بودابست الهنغارية بسيدة تسعينية على الكرسي المتحرك بجوار عجوز بعكازين، وضعت يدي على كتف العجوزة المرتعشة وأنا أمازحها، وكلي ثقة بأن مزحتي لا تقطع رقبتي بسكين الغيرة البدوية العراقية من موصل لبغداد، ولا يهشم رأسي ساطور السيناء من أسيوط لأسوان .. لامست كتفها وأنا أهمس في أذنها بشفتين كادت تلامسها انتِ نجمة يا سيدتي .. فهز لي العريس القعيد جنبها رأسه المرتعش محييا مبتسما شاكراً لي على غزلي لعروسته، وأدارت العجوزة هى الأخرى رأسها دوران الرقبة الهزازة بالبطارية المحتضرة وهي ترد على غزلي: وانت قمر يا أحمد .. طبعا هي تعرف إسمي لأننا كنا في رحلة بحرية معا منذ ثلاثة أيام في باخرة واحدة فوق نهر دانوب، ونزلنا منها تواً الساحة المشمسة لمدينة بودابست التي إحتفلت بعيد الحب في نهار مشمس يندر حصوله في الخريف الأوروبي، والكل سار يلوي على حبيبته إلا أنا المسكين العزوبي الوحيد بينهم في الباخرة وفي الساحة، وحبيبته في دبي، لا تحب الأسفار الا بين المطبخ وغرف النوم، ومذهبه لايسمح له التصويت للوجه الحسن أينما وجد على أنها تحفة عيد الحب دون عقد القران أمام لحية القاضي!
سألتها العجوزة كم رقم عيد حبكما هذا العام سيدتي.؟
فقالت انه الرقم 60 يا أحمد، تزوجنا قبل ستين عاما وكل منا كان في الثلاثين من العمر!
سألتها عن سر السعادة المستدامة منذ ستين سنة بإحمرار الورود، ودون إحمرار الخدوش والركلات.
فقالت وهى تشير الى العجوز القعيد، إنه يعاملني وكأنه لم يتزوجني بعد! .. وكأنه متحمس لخطبتي من بكرة! .. وفعلا إستمر يخطبني يوميا منذ ستين عاما، يهمس في أذني كل صباح ‘أنا معجب بك وسأتزوجك الليلة!’ .. وهكذا نحنا نحتفل كل صباح بفطور الخطبة، فيتبعها غداء النكاح وعشاء الزفاف، وهكذا من سفرة الفطور للعشاء يومياً كل منا يحاول ان يظهر للآخر أجمل ما فيه، ويتغاضى في الآخر أقبح ما فيه!
ومن الصعب جدا على طرف إخفاء عيوب طرف، إن لم يتغاض الطرف الآخر عن عيوب الطرف الأول .. وإن إجتاز تلك الصعوبة، فها هي الرحلة بدأت تتحول الى ثمن السعادة الزوجية الثمينة تعيد لهما عيد الحب كل صباح، ويتجدد لهما شهر العسل كل ليلة!
– إذن عيد الحب ليس يوم الفلنتاين في العام باللون الأحمر…
– ولا شهرا من العمر ببرطمان العسل…
– وإنما هو العمر كله بقلوب للود والحب البقاء بأون لاين…
– وللحقد والكراهية والعداء أوف لاين…
أحمد إبراهيم دبي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية