روسيا وأكذوبة تغيير السيسي تحالفات مصر

حجم الخط
2

ربما أسوأ ما في ثقافتنا المصرية هو ‘التهليل’ لكل شيء، وما يمكن أن نسميها بـ’الهوجة’ و’ركوب الموجة’ أو’سلوك القطيع’ بمفاهيم علم الاجتماع، وهذا مرده لنقص الوعي وغياب العقل النقدي الذي لا يتوقف عند الوقائع والحقائق وخلفياتها ويحللها بروية، ليصل إلى نتيجة منطقية وحكم موضوعي على الأشياء من دون تهوين أو تهويل.
وهذه السمات المتفشية في حياة المصريين، تستغلها دعاية الجنرال السيسي جيدا، ومهندسها راعي الديكتاتوريات هيكل، منذ 30 يونيو/حزيران، وحتى الآن في تسويق الجنرال، وإظهار كل خطوة يقوم بها، كما لو كانت انجازا تاريخيا، وكما لو كان رسولاً من الله لإنقاذ مصر، حسب تعبير أحد أساتذة الأزهر مؤخرا، وجعلها ‘أم الدنيا’، خلافا للحقائق على الأرض، وسوء الأوضاع، وتعقد الأزمات الداخلية والخارجية، من دون اقتراب جدي منها لمعالجتها، وبرهنة فعلية على أن شيئا ما يحدث يعود على الناس ويلمسونه في حياتهم اليومية.
ومن أكبر الأكاذيب التي تتكرر باستمرار، حتى تترسخ في الأذهان، وفق نظريات الدعاية النازية، المقاربة المستمرة بين قائد الجيش الذي استولى على السلطة، بحجة تحقيق مطالب الجماهير في التخلص من حكم الفاشية الدينية، وإنقاذ مصر من الضياع، والزعيم الخالد عبد الناصر الذي لا تزال انجازاته وانحيازاته ومواقفه ومبادئه، وحتى تحديد حلفائه وأعدائه، شاهدة على عظمة هذا الرجل، ودوره الوطني المخلص وانتمائه للأغلبية الساحقة من فقراء الأمة، وليس إلى فئة النصف في المئة من أصحاب المصالح الفاسدة. فبمجرد سفر السيسي من مطار الماظة، واستحضار’صورة في ذات المكان لعبد الناصر، يتم الربط بين الجنرال والزعيم، رغم انه من المعروف أن هذا المطار مخصص للرحلات الخاصة، وسبق استخدامه مئات، إن لم يكن آلاف المرات لرحلات مماثلة في عهود سابقة.
وحتى زيارة موسكو، يتم الإيحاء بأنها تاريخية وذات أبعاد إستراتيجية، كما كانت رحلات ناصر، وكما لو كانت العلاقات المصرية الروسية متوترة ومقطوعة، وأتى السيسي ليعيدها، في ما سبقه إليها مبارك ومرسي، وبنظرة تاريخية، فإنه حتى بعد قطع العلاقات بين القاهرة وموسكو في عهد السادات، وطرد الخبراء الروس، حاربت مصر في أكتوبر/تشرين الاول 1973 بسلاح سوفييتي، وتم تزويد مصر بكل ما تحتاجه قبيل الحرب من معدات وقطع غيار، بوساطة جزائرية، وتدخلت موسكو سياسيا، وهددت بدخول الحرب إلى جانب مصر حين اختلت موازين القوى لصالح الكيان الصهيوني، كي تتدخل واشنطن لوقف إطلاق النار، وليس لدعم تل أبيب أكثر، وخسارة مصر كل نتائج الحرب.
وثمة زيارة شهيرة قام بها مبارك لموسكو في التسعينات، وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية عديدة، وتطورت العلاقات أكثر في العقود الأخيرة، وشملت دخول استثمارات روسية لمصر، والإسهام في صيانة معدات عسكرية مصرية، وصيانة تروبينات السد العالي، مقابل تعاون استخباراتي، خاصة مع إعلان موسكو الحرب على الإرهاب، وتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية لدورها في دعم الانفصاليين الشيشان، إلى جانب أن مصر المستورد الأول للقمح في العالم.
فهل كان مبارك ‘الأب الروحي للسيسي، وقائده الأعلى’ يتحدى الأمريكان ويعيد بناء التحالفات، أم أنها علاقات سياسية واقتصادية وأمنية معتادة كتلك التي مع فرنسا أو بريطانيا؟ وهل كان مرسي الذي سبق وقام بجولة لموسكو، وسعى مناصروه لتسويق الزيارة أنها تحول في سياسة مصر الخارجية، بإمكانه أن يشق عصا الطاعة الأمريكية، أم أنها كانت زيارة دعائية في الأساس، وبحثا عن قروض وتسهيلات في استيراد القمح وغيره؟
من يدعي أن السيسي عبد الناصر، أو انه ضد ثوابت السياسة المصرية التي وضعها السادات التي تشمل التبعية الأمريكية وأمن الصهاينة والرأسمالية المستغلة، التي تستند الى شبكات الفساد والاستبداد، وتحالف بين رأس المال والسلطة ورجال الدين، أن يقدم لنا دليلا وحيدا عمليا، وليس شعارات ودعاية مكذوبة، عن طريق قطع العلاقات مع واشنطن وتل أبيب وتمزيق اتفاقية ‘كامب ديفيد’ التي هي في واقع الأمر اتفاقية عار واستسلام وانتقاص من السيادة الوطنية، والتخلص من ‘تركة السادات/ مبارك’ وانتهاج نهج اقتصادي اشتراكي مثلا، وتقويض نموذج الرأسمالية الجشعة، ساعتها سنرفع له القبعة ونؤيده، في ما عدا ذلك، كل ما يحدث من خطاب أو ممارسة، بما فيها زيارة موسكو، لا تعدو إلا أن تكون ورقة دعائية موجهة للاستهلاك المحلي، وتشتيتا للانتباه عن حقيقة الأوضاع، واستمرار سياسة التبعية، ولا قيمة إستراتيجية لها على أي مستوى، وان كان الروس من الذكاء بمكان لاقتناص الفرصة، وتعظيم مكاسبهم في المنطقة، خاصة على صعيد التعاون الاستخباراتي، وصفقات السلاح الممولة من’ رجال أمريكا في الخليج، الذين سبق ووقعوا اتفاقات عديدة لشراء أسلحة، ولم يقل احد أو يجرؤ على ادعاء أنهم قاموا بتحويل تحالفاتهم أو خرجوا على طاعة أسيادهم الأمريكان.
روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي، وليس لديها ما تعطيه بالمجان لمصر، وتدرك جيدا أن مصر ليست حليفا لها، وغير منتظر أن تعود حليفا بعد أن صارت رهينة لواشنطن، لكنها تستثمر في علاقات مريحة وغير مكلفة، وتأخذ أكثر ما تستطيع، من دون أن تخسر شيئا. والسيسي الذي تربى عسكريا، وصعد نجمه في إطار ‘كامب ديفيد’ و’المنح الأمريكية’ التي كانت الاستفادة من الجنرالات ركناً أساسياً لتدجينهم، لم ولن يكون عبد الناصر الذي كان عدوا صريحا للأمريكان والصهاينة، ويعامل في الوقت نفسه الروس بندية، ويفرض شروطه عليهم، من منطق القوة وليس الضعف، لإدراك حجم وثقل دور مصر وكيف أنها بوابة العالم العربي وأفريقيا وقائدة هذين المحيطين، وخصما عنيدا للمعسكر المناوئ لموسكو، وهو الأمر الذي فقدته مصر ما بعد عبد الناصر، فضلا عن انتهاء الحرب الباردة وآثارها، واستبدالها بلعبة تبادل الأدوار، وتقاسم النفوذ وكلفة الصراعات بين الروس والأمريكان في المناطق الملتهبة.

‘ كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مصطفى على/مصرى يعمل بالكويت:

    نعم السيسي بطل مصر القومى وكل الشعب المصرى وراءه , شاء ام ابى الاخوان

  2. يقول احمد بسيونى بشارة مصر دمنهور:

    سوف اؤؤيد الرئيس الذى يحرر مصر من التبعبية الامريكية والروسية ويكون قادر على جعل مصر تنتج السلاح والغذاء والدواء ولاتستورده

إشترك في قائمتنا البريدية