أكراد سوريا على خطى أكراد العراق

حجم الخط
0

‘هذه دولتنا ونحن سنقاتل عليها’، يقول الشاب الكردي المسلح ببندقية كلاشينكوف للمراسل الاجنبي الذي جاء ليعد فيلما وثائقيا عن اقليم الحكم الذاتي الكردي في سوريا. ويتحدث الرجلان قرب حاجز طرق اعد على عجل، تقف فيه حارسات شابات، يلبسن البزات ويتسلحن هن ايضا ببنادق رشاشة. وفي الفيلم تظهر المقاتلة الكردية وهي تفتش سيارة وتنظر في هويات المسافرين. وعلى قبعتها شارة الوحدة التي تنتمي اليها، ‘السايس’ سرايا الدفاع المدني، التي اقامها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المسيطر في الاقليم. ‘بعد ذلك ستقتل في معركة مع الجهاديين’، كما ينذر المراسل.
عندما يتحدث الشباب الكردي في شمالي سوريا عن ‘وطننا’ فانهم لا يقصدون بالضرورة سوريا، بل الاقليم الكردي الذي يحمل اسم ‘رجابة’ (المغرب، او غروب الشمس). هذا ليس تعبيرا شعريا، بل سياسي. ‘المغرب معناه غربي كردستان، خلافا لشمال كردستان حيث يوجد الاقليم الكردي الذي في تركيا، جنوبي كردستان، الا وهو الاقليم الكردي في العراق، وشرقي كردستان، الاقليم الكردي في ايران. ومعا يخلقون جميعهم دولة الاكراد المنشودة. الاقليم الكردي في العراق هو أول ما اقيم فيه حكم ذاتي كردي، والان انضم اليه ايضا الاقليم الكردي السوري، الذي اعلن في 21 كانون الثاني، عشية انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، عن استقلاله.
الاقليم الكردي السوري، حيث تسكن اغلبية المواطنين الاكراد في الدولة، نحو 2.2 مليون نسمة، ينقسم هو ايضا الى ثلاث مناطق ذات حكم ذاتي، كوباني، افرين وجزيرة، لكل واحدة منها حكومة خاصة بها ومجلس منتخب. هذه المحافظات الثلاثة ستشكل اتحادا فيدراليا، لا تريد حاليا على الاقل الانقطاع تماما عن الدولة. والمقصود هو تبني النموذج العراقي، حيث اقليم الحكم الذاتي الكردي هو جزء من الدولة الفيدرالية التي تتمتع سواء بالمداخيل المحلية من النفط أم من ميزانية الدولة بحجم 17 في المئة من مداخيلها.
المشكلة هي أنه من أجل ان يتمكن الاقليم الكردي السوري من أن يؤدي مهامه كشقيقه في العراق، فانه يحتاج الى اعتراف ثلاثي من النظام السوري، من القيادة الكردية في العراق ومن الاسرة الدولية. حتى الان لم تعترف اي جهة دولة أو محلية باستقلاله. ومع أن نظام الاسد يمتنع عن مهاجمة الاقليم، الذي يمنع تسلل العناصر الاسلامية ولا سيما من تركيا، لكن الاسد بعيد حاليا عن ان يوافق على شق دولته الى كانتونات. رئيس الاقليم الكردي في العراق هو الاخر، مسعود برزاني، صرح الاسبوع الماضي بانه لن يعترف بالاقليم السوري ولن يتعاون معه. والسبب في ذلك هو حزبي. فحزب الاتحاد الكردي في سوريا مقرب جدا من حزب العمال الكردي، الخصم الشديد للبرزاني، الذي يخاف من سيطرته على الاقليم السوري الامر الذي يضعف نفوذه ويقضي على حلمه في أن يكون رئيس الدولة الكردية في المستقبل.
بيد أنه في هذا الموضوع يصطدم البرزاني بالمعارضة في اقليمه هو. خصومه، ولا سيما حزب الاتحاد الكردستاني، برئاسة جلال طالباني المريض، حزب التغيير الكردي، غوران، الذي جمع قوة سياسية كبيرة في الانتخابات الاخيرة والحزب الاسلامي الكردي اعترفت رسميا باستقلال الاقليم. وهؤلاء ايضا كانوا الشركاء الذين سيتولون المناصب في الحكومة الكردية المحلية في الاقليم العراقي. ومن المثير أن نعرف كيف سيؤثر الانشقاق في مسألة الاقليم السورين على اداء هذه الحكومة.
تركيا، التي تخشى كل مظهر من مظاهر الاستقلال الكردي، في العراق أو في سوريا، تعارض بالطبع الحكم الذاتي الكردي الجديد، الذي من شأنه ان يولد دولة بسيطرة حزب العمال الكردي في حدودها، بينما الولايات المتحدة لا تزال تتبنى الدولة السورية الموحدة، وعارضت حتى تمثل كردي منفصل في مؤتمر جنيف الثاني. ودون مخرج عبر تركيا، او عبر الاقليم الكردي العراقي، من الصعب رؤية كيف يمكن للاقليم الكردي في سوريا أن يعيل نفسه اقتصاديا.
وبمقابل هذا التوقع يدعي زعماء الاقليم الكردي السوري بانهم يسيطرون على مخزونات النفط الكبرى في سوريا، واذا ما نجحوا في تطويرها فمن المتوقع لهم الاقليم الاغنى في الدولة. وكدليل مساعد يأتون بالاقليم الكردي في العراق، الذي بدأ بلا شيء، وهو اليوم يصدر النفط الى تركيا، وتحفر الشركات الامريكية في اراضيه وهو ايضا الاقليم الاكثر أمنا في العراق.
في الاقليم الكردي السوري ايضا لا يتأثرون بضغوط زعماء الاقليم الكردي او بغياب الاعتراف الغربي. فهناك يعدون منذ الان لدستور؛ في منطقة جزيرة ستقوم محكمة دستورية تضم سبعة قضاة، لجان خاصة ستعد الانتخابات للسلطة التنفيذية. رئيس اللجنة القضائية المعين، حكم حلو، شرح الاسبوع الماضي للصحفيين، بان الانتخابات سيكون ممكنا عقدها فقط في اجزاء الاقليم التي تسيطر فيها وحدات الحرس الشعبي التي اقامها حزب الاتحاد. وفي هذه الاثناء فان باقي اجزاء الاقليم السوري ايضا اقامت لنفسها حكومات. في رأس احداها، في منطقة أفرين، تقف امرأة، هاوي ابراهيم. وابراهيم اعطت منذ الان مقابلات للصحافة الكردية وعدت فيها بان ‘النساء الكرديات سيقدن كل النساء في العالم’.
ومع أنه يمكن بالطبع الاستخفاف باعلان الحكم الذاتي الكردي في سوريا، ولكن حتى لو نجح الاكراد في أن يقيموا مجرد محافظة هادئة وآمنة نسبيا في سوريا المشتعلة فسيكون في ذلك انجاز لا بأس به.

هآرتس 18/2/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية