نـُظمِّيء الفلسطينيين وننكر جريمة التمييز

حجم الخط
0

لماذا من الضروري جدا للمؤسسة الاسرائيلية أن تنكر وجود تمييز ماء؟ لأن المؤسسة لا تستطيع مهما اجتهدت أن تلفه بالتعليلات الامنية المعتادة خلافا لأنواع اخرى من التمييز السافر الذي تنتجه اسرائيل، فهنا تكون الدعاية الاسرائيلية وخادماتها من جماعات الضغط الصهيونية في الخارج في مشكلة كبيرة. وقد برهن على ذلك تجرؤ الالماني مارتن شولتس على أن يسأل في الكنيست أصحيحة هي الاشاعة التي تسللت الى أذنه.
إن التمييز المنهجي في تخصيص الماء للفلسطينيين (‘هآرتس’، 16/2) ليس اشاعة آثمة. ولا يتعلق به رفاه الماء عند الاسرائيليين بل يكون مشروع الاستيطان من غيره أبهظ كلفة بكثير، بل قد يكون غير ممكن في أبعاده الحالية والمخطط لها في المستقبل. فما العجب أن يكون حزب المستوطنين البارز وهو البيت اليهودي هو اول من هب وقفز حينما سمع ملاحظة شولتس؟.
إن تمييز الماء وسيلة سلطوية اخرى لاستنزاف الفلسطينيين اجتماعيا وسياسيا. ففي الضفة تهدر عشرات آلاف العائلات زمنا ومالا وطاقة مادية ونفسية لتأمين اشياء مفهومة من تلقاء نفسها كالاستحمام والغسل وغسل البلاط والأواني.
وحينما لا يكون ماء في المرحاض تصبح الزيارات العائلية نادرة. إن عائلات في الغور تجلب ماء الشرب من مسافات بعيدة في حاويات وسراً قبل أن يتبين أمرها للادارة المدنية، وذلك على مبعدة لمسة عن اعمال الحفر الكثيرة لشركة مكوروت التي تنقل الماء للتوابل المعدة للتصدير. وتتعلق غزة في الجانب الآخر من مزرعة شكميم وكيبوتس باري بمنشآت تنقية ماء تلتهم الكهرباء التي تعاني نقصا، وكأنها الهند.
إن الزمن والمال والطاقة تهدر لاجل امور اخرى كان يمكن فعلها في المستويين الشخصي والاجتماعي، كدروس إغناء للاولاد وحواسيب وعطل ومبادرات للتطوير الصناعي والسياحي، والزراعة العضوية والنشاط السياسي والاجتماعي. وبرغم أن الفلسطينيين يعلمون أن اسرائيل هي المسؤولة عن ازمة الماء فانهم يوجهون غضبهم على مستوعب البرق القريب المتناول، أعني السلطة الفلسطينية. ويُتهم موظفو مصلحة المياه الفلسطينية الذين يقضون أيامهم في طريق آلام بيروقراطية الاحتلال الاسرائيلي للحصول على رخصة لكل انبوب ماء، يُتهمون بعدم المبالاة وبعدم الخبرة وبالعجز. ويا لمبلغ الراحة في ذلك.
إن واقع الجيوب الفلسطينية الذي تنشئه اسرائيل يتركب تحت أغطية قانون مختلفة وبحصص مختلفة عن جانبي الخط الاخضر من الاستيلاء على الارض ومصادر الماء وإبطال حرية الحركة. وإن دين الأمن الذي يُسوغ سلب الارض ويُسوغ الحواجز والحصار لم يوجد الى الآن تفسيرا يُبين لماذا يستحق الولد الفلسطيني من الماء أقل مما يستحق الولد اليهودي. ماذا ستقول الدعاية؟ أتقول إن معدل الحصة اليومية للفرد في جنين 38 لترا للاستهلاك المنزلي لأنها هناك حصن للجهاد الاسلامي الذي يهدد دولتنا الصغيرة؟ وأنه لا يوجد إمداد منظم للماء في الصيف لأن ‘الشباك’ قلق من الكشف عن خلايا مسلحة، وأن أكثر من 90 بالمئة من الماء في غزة غير مناسب للشرب لأن رؤساء اركان حماس يخططون لعمليات في الضفة؟.
سيصعب حتى على المجتمعات اليهودية الأكثر اخلاصا لاسرائيل أن تُسوغ هذه الفروق. وهكذا طورت المؤسسة طريقة هجوم مركبة من الخطوات التالية:
1. القصف بمعطيات ناقصة جزئية.
2. الطمس على نقطة الانطلاق وهي أن اسرائيل تسيطر على مصادر الماء. وبالاعتماد على اتفاق اوسلو المؤقت الذي أصبح ثابتا، كان الفلسطينيون قد حُددت لهم كميات الماء التي يجوز لهم استخراجها بصورة مستقلة من تلك المصادر، وحُدد لهم تحسين وتطوير البنية التحتية المائية.
3. الاعتماد على الجبهة الداخلية الاسرائيلية التي تلغي تقارير فلسطينية وتتجاهل نشرات المنظمات مثل تقارير ‘بتسيلم’ أو فيلم ‘الغور الغائب’ الذي أنتجته ‘رقابة الحواجز’، وبحوث منظمات مثل البنك الدولي وإمنستي الدولية.
4. الاعتماد على أن أكثر الاسرائيليين لن يجهدوا أنفسهم بالفحص عن الواقع على الارض بحسب مشهد بسيط. وحينما يفحصون ويتبين لهم أن التمييز واضح كالشمس سيقولون: لماذا اذا؟.

هآرتس 18/2/2014

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية