في حلب البراميل المتفجرة أفرغت الأحياء من سكانها.. شعور بالشلل والعبثية

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’ كتب إيان بلاك محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة ‘الغارديان’ عن مخاوف إسرائيل من تفكك سوريا لدويلات. وفي هذا يردد ما يدور في أروقة صناعة القرار الإسرائيلي وما ينشر في مراكز البحث الإسرائيلية التي تتحدث عن تفكك سوريا، وكان آخرها ما نشره مركز بحث مرتبط برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو ‘مركز يورشاليم لدراسة المجتمع والدولة’ وأوصت ورقة الولايات المتحدة بالضغط من أجل إقامة حكم فدرالي في سوريا.
ويقول بلاك إنه بعد ثلاثة أعوام من الحرب في سوريا أصبحت إسرائيل تتعامل مع الواقع الذي تحولت فيه الجارة الشمالية لها وهي سوريا بطريقة يصعب التعرف عليها، حيث يتواصل الربيع العربي الأكثر دموية بدون منظور للتوقف.
وعلى خلاف الدول الأخرى الجارة لسوريا مثل الأردن ولبنان والعراق وتركيا فلم يتدفق لإسرائيل أي من اللاجئين السوريين، لأن البلدين يعيشان حالة حرب منذ 65 عاما، فقط استقبلت إسرائيل عددا من الجرحى في مستشفياتها عادوا بعد ذلك لقراهم في جنوب سوريا.

خوف من الجهاديين

ولكن إسرائيل تشعر بالخوف كما يقول بلاك على مصير سوريا وتفككها في ظل صعود مستمر للجماعات الجهادية والتي تخشى أن يتحولو لقتالها بعد رحيل بشار الأسد. ويضيف بلاك إنه في الجانب المحتل من مرتفعات الجولان السورية تقوم القوات الإسرائيلية باستقبال الجرحى السوريين، حيث سمحت إسرائيل للصحافة المحلية والدولية بتغطيتها وإن بشكل محدود حتى تظهر الجانب الإنساني. فيما قامت حسب تقارير بالتحقيق مع المقاتلين الجرحى الذي استقبلتهم من أجل البحث في قدرة وعتاد الكتائب الإسلامية التي ترى فيها معلومات لا غنى عنها للاعبين الجدد في المنطقة.
ويقول الكاتب إن المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم الأمنيين يحذرون ولأشهر من صعود قوة جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام.
وقد أخاف دور الجهاديين الغرب من تحول الموجة إليه عبر المقاتلين المتطوعين في الثورة السورية إلى جانب الجماعات السورية.
وبالنسبة لإسرائيل يقول الكاتب إنها تتحدث عن ‘الجهاد العالمي’ في سياق الضفة الغربية وقطاع غزة وهي نسخة محلية ‘للحرب على الإرهاب’ التي تؤطر إسرائيل موقفها من أحداث المنطقة وتدفع الضغوط عليها لتقديم تنازلات للفلسطينيين.
ويقول الكاتب إن سوريا تلوم كل من قطر وتركيا على دعمهما للمقاتلين السوريين، ولكنها اتهمت إسرائيل بالمشاركة في الحرب الأهلية.
وذكر بما قاله له فيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري من أن القوات السورية قتلت ‘عملاء الموساد’ وهم يعملون داخل الحدود السورية الجنوبية. ولم يقدم مقداد أي تفاصيل.
ومن غير المستغرب أن لا تقوم إسرائيل بمراقبة أو على الأقل التأثير على الأحداث على المناطق الحدودية، من خلال المشاركة في المعلومات الأمنية أو تزويد أسلحة لجماعات مختارة من المقاتلين.

مثل جنوب لبنان

ويرى الكاتب أن الأوضاع على الأرض تشبه الأوضاع في جنوب لبنان في السبعينات من القرن الماضي عندما قامت إسرائيل بعقد علاقات مع الميليشيات المسيحية للقيام بحرب بالوكالة ضد الفصائل الفلسطينية المسلحة.
ومع ذلك يقول إنه لا توجد أدلة قوية عن محاولات إسرائيلية للإطاحة بنظام بشار الأسد.
فالحماس الغربي الأول للإنتفاضة التي ترجمتها مطالب الرئيس باراك أوباما بضرورة تنحي الأسد عن السلطة لم تلق دعما من إسرائيل. وإن كان هناك شيء تخشاه إسرائيل فهو غياب رمز ألفته وتعرفه.
فبشار مثل والده حافظ يعتبر بالنسبة لإسرائيل ‘الشيطان الذي تعرفه’، فحتى عام 2011 ظلت مرتفعات الجولات وخطوط وقف إطلاق النار التي تراقبها قوات الأمم المتحدة، نموذجا للهدوء منذ عام 1974. ولم تنجح مفاوضات الثماني سنوات لتحقيق السلام بين البلدين حول مرتفعات الجولان وبحيرة طبرية قبل أن تتوقف عام 1999، وعادة ما سخرت المعارضة من الأسد التي تتهمه بقتل شعبه بدلا من قتال العدو الصهيوني.
ويرى الكاتب أن اسرائيل استفادت كثيرا من الحرب الدائرة في سوريا حيث أضعفت الجيش السوري الذي كان عدوها الرئيسي في المنطقة منذ المعاهدة المصرية ـ الإسرائيلية في عام 1979. وفي أيلول/سبتمبر حرم الإتفاق الأمريكي- الروسي سوريا من سلاح ردع كانت تمتلكه وهو سلاحها الكيميائي والذي كان الرد السوري على أسلحة إسرائيل النووية. ونقل الكاتب عن مسؤول إسرائيلي بارز قوله ‘نعم، كان من مصلحتنا ان أضعف الجيش السوري’.
ويشير الكاتب هنا إلى أن إسرائيل توقفت عن توزيع أقنعة الغاز للمدنيين بعد اتفاق الأسلحة الكيميائية. ومع كل هذا اتسمت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بالحذر عندما يتعلق الأمر بمصير الأسد، خاصة بعد توقعات وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك بسقوط الأسد ‘ في فترة أسابيع’.
وكانت تصريحات تعبر عن خطأ في التقدير وعكست ‘أماني معسولة’، لأن تغيير النظام في دمشق سيكون ضربة قوية لإيران وحزب الله. ويختم بالقول إن الآمال باستبدال النظام الحالي بنظام ديمقراطي يحفظ سوريا ككيان واحد تتلاشى، وهناك قلة تتوقع نجاح مؤتمر جنيف-2 أو أن يحقق شيئا.
وفي النهاية يقول إن مشاركة إسرائيل في الحرب الأهلية السورية تكمن بشكل رئيسي في منعها وصول أسلحة متقدمة لحزب الله عبر الأراضي السورية، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بسلسلة من الغارات على مواقع وقوافل عسكرية في دمشق ومناطق أخرى في سوريا. وإذا كان المثل يقول ‘عدو عدوي صديقي’ ففي الحالة السورية فإن البديل عن الأسد أسوأ منه.

قتل بالجملة

ومع تواصل الجولة الثانية في جنيف-2 يتواصل سقوط الضحايا، فقد قتل 230 شخصا منذ 22 كانون الثاني/يناير الماضي حيث التقى وفدي الحكومة والمعارضة في مونترو السويسرية. ولم تتوقف البراميل المتفجرة من السقوط على مدينة حلب.
وفي تقرير لصحيفة ‘لوس أنجليس تايمز’ أشارت إلى ‘إحساس بالشلل’ أمام البراميل المتفجرة.
وتنقل عن عمر ناصر قوله إنه عندما يريد النوم يحاول أن يكون قريبا قدر الإمكان من جبهة القتال بين المقاتلين والحكومة السورية، فكلما ابتعد في الحي الذي يعيش فيه ويقع تحت سيطرة المعارضة فخطر التعرض للبراميل المتفجرة أكبر حيث تتساقط البراميل مع قذائف أخرى يمطرها النظام على الأحياء في حملته المستمرة.
ويقول ‘بيننا وبين قوات النظام مسافة 100 متر ولهذا لا يقومون بإرسال البراميل المتفجرة ولا يخاطرون بضرب مواقعهم’. ويقول ناصر وهو ناشط سابق أنه مع البراميل المتفجرة يشعر الإنسان بالشلل التام. ومع أن الكثير من سكان الأحياء في مناطق المعارضة أقسموا على عدم مغادرة أحيائهم منذ بدء حملة البراميل المتفجرة قبل شهرين لكن استمرارها في النزول يوميا بمعدل 30 برميل يوميا أدى بالناس للهروب حسب ناشطين.
ويقول ناشط في جماعة أنصار الحق ‘عدد قليل جدا جدا ظل في الأحياء’ وتقدر نسبة السكان بما بين 10-30 بالمئة ومعظهم مقاتلون أو ناشطون أو عمال في الإغاثة. ويقدر ناشطون عدد الذين قتلوا منذ بداية كانون الثاني / يناير بما بين 800 ـ 2000 شخص، فيما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان إن عدد القتلى الذين سقطوا في حلب حوالي 400 منهم 109 أطفال.

أحياء مقفرة

وتقول الصحيفة إن حلب التي كانت تعج بالحياة والتجارة ويسكنها ملايين أصبحت أحياؤها مقفرة حيث فر الكثيرون منهم للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة، الأرياف أو إلى تركيا. وفي مقابلات أجرتها الصحيفة قال البعض إنه لم يعد باستطاعتهم تحمل حملة الحكومة والبراميل المتفجرة، وكذا المواجهات المستمرة بين المقاتلين من الجبهة الإسلامية والجهاديين.
ويقول الناشطون إن الهجمات ولأسابيع ضربت البيوت والمساجد والمدارس. وقتل يوم الأربعاء وحده حوالي 38 شخصا، ونقلت عن ناشطين قولهم وأفراد في الدفاع المدني إنهم لا يتوقفون عن انتشال الجثث من تحت الأنقاض. ويقول رياض حسين وهو ناشط من مركز حلب الإعلامي إن بعض الأحياء أفرغت من سكانها وتبدو مثل ‘الأفلام حيث تشاهد هذه المناطق مثل ركام من الحجارة والغبار ومقفرة من السكان’ وهذا ما تبدو عليه بعض أجزاء المدينة اليوم.
ويقول في واحد من أسوأ الأيام سقطت 130 قذيفة وقتل أكثر من 200 شخص. ويضيف التقرير إن الحكومة أغلقت يوم الإثنين المعبر الوحيد بين مناطق المعارضة والحكومة حيث كان الكثير من السكان ينتظرون ولأيام في الشوارع ينتظرون عبور المعبر، وقبل إغلاقه كان بإمكان السكان العبور منه إلى مناطق الحكومة حيث كان يلتجؤون إلى المدارس والأماكن العامة على الرغم من الجو البارد.
ونقلت عن بتول، وهي عاملة في مؤسسة إغاثة ولها أقارب في مناطق الحكومة أن القادمين من المعارضة لا يسمح لهم بالحصول على المساكن. وتضيف ‘لا تغادر الطائرات السماء فوقنا إلا نادرا’.
وغادر سوريا هذا العام الى تركيا أكثر من 20 ألف شخص. وتقول ميليسيا فلمينغ من مكتب إغاثة اللاجئين التابع للأمم المتحدة أن ما بين 500 ـ 2.000 يصلون للمعبر الحدودي يوميا. وعادة ما لا يجد الذين يعبرون الحدود لتركيا فرصة جيدة حيث يتوزع السوريون في بلدات الجنوب التركي وهم يبحثون عن ملجأ، ونقل عن بشير صالح، المتحدث باسم كتيبة التوحيد ‘هذه هي أسوأ كارثة إنسانية نشهدها منذ الإنتفاضة’.

جهاديون مرة أخرى

يأتي هذا الوضع في وقت كثفت فيه أجهزة الإستخبارات البريطانية من جهودها لمراقبة الجهاديين البريطانيين المشاركين في القتال في سوريا، وحذرت من ما سمته ‘كادر’ جديد تلقى تدريباته في معسكرات الجهاديين في سوريا والباكستان والصومال وأفغانستان.
وتقول الصحيفة إن الكادر الجديد الذي يخضع لرقابة جهاز الإستخبارات الخارجية (أم آي-6) يتمتعون بموقع بارز يؤهلهم من تجنيد أعداد من المتطوعين الشباب في بريطانيا. وبحسب المخابرات البريطانية والغربية التي أرسلت أعدادا من عملائها لمراقبة الحدود التركية- السورية فالجهاديون البريطانيون وزملاءهم الأوروبيون يتلقون تدريبات في معسكرات تابعة للجماعات المتطرفة شمال سوريا حيث يقومون من خلالها بالتخطيط لعمليات خارج سوريا.
ويعتقد المسؤولون البريطانيون إن القاعدة في سوريا تقوم باستخدام المتطوعين من بريطانيا واستغلال لغتهم الإنكليزية لتوسيع مجال رسالتها في أوروبا. وتقول إن عدد البريطانيين الذين يسافرون لسوريا في تزايد مستمر.
وبحسب أندرو باركر، مدير جهاز الأمن الداخلي (أم أي فايف) الذي قال إن العدد لا يتجاوز مئات قليلة. وتتراوح أعمارهم ما بين 20-30 عاما ويمثلون عرقيات واثنيات مختلفة.
جهاديون سياح

لكن ليس كل الجهاديون العابرون لسوريا هم من الباحثين عن القتال بل هناك نزعة ‘للتفاخر’ والسياحة يظهرها الأجانب ففي تحقيق لمجلة ‘نيوزويك’ الأمريكية تحدثت فيه استخدام المتطوعين الأجانب لوسائل التواصل الإجتماعي.
وأشارت إلى جهادي هولندي اسمه تشيشكلير وثق ‘سياحته’ الجهادية للمعجبين به على وسائل التواصل الإجتماعي عبر تغريدات وصور تظهره وهو على ظهر جمل. معلقة ‘هو واقع الجهاد المعاصر، حيث يسجل المؤمنون ردهم على القضية في نفس الوقت الذي تجري فيه المعارك، لكن مشكلة تشيشكلير وغيره أنهم يعشون فتنازيا ‘نداء الواجب’ على حساب حياة السوريين’، في إشارة إلى أن معظم الذين يقاتلون في سوريا هم مع الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهي الجماعة التي تقوم بفرض تفسير قاس للشريعة وتعذب السكان وتقطع رؤوسهم، ويقوم المقاتلون الغربيون بإرسال تغريدات وصور شخصية من داخل هذا الدمار.
وتعتقد مولي كرابابل معدة التقرير أن المعركة في سوريا لتوسيع مناطق السيطرة تتزاوج مع المعركة حول معانيها والتي تشن عبر الإنترنت أيا كان لون الفصائل والأطراف المشاركة فيها. وتضيف إلى أن الصحافي أريس روسينوس من موقع ‘فايس.كوم’ نشر صورا لجهاديين بريطانيين وهم يلوحون ببنادقهم، مثل رامبو. وفي صفحات الفيسبوك الخاصة بروسينوس هناك من تفاخر ‘بجهاد الخمسة نجوم’ مجهز بحمامات سباحة وشوكولاتة وتدريب على السلاح وفلل فارهة. ويقوم الجهاديون الغربيون باستخدام التويتر وإرسال صور وهم يحملون بنادق إي كي-47 ويقدمون أراءهم لمشاهدين مكونين من مئات الألوف. وأن حربهم ملهمة ويشجعون الشباب وأحيانا البنات مع محارمهن للإنضمام لهم. وتطرقت للنقاشات التي تدور على وسائل التواصل الإجتماعي والأسئلة التي تطرح عن ضرورة الجهاد من شباب جهاديين قبل أن يشطب من ‘انستاغرام’ بسبب وضعه صور لجثث برز تششكلير وكأنه مدون على الموضة، حيث وضع صور شخصية له لحية مترفة وهاشتاغ.
ونقلت عن لاجئين سوريين تحدثوا عن ممارسات داعش وقال أحدهم إن أفرادها يقومون بوضع يدهم على أي شيء، فتاة، سيارة أو بيت ويقولون 3 مرات ‘ الله أكبر’ فيصبحون مالكين له. وتنقل عن عبدالكريم الحريري من الرقة الذي درس الأدب الإنكليزي قوله ‘بصراحة اشمئز من غير السوريين الذين يحضرون للقتال في سوريا سواء إلى جانب النظام أم المعارضة، هذه الثورة هي ثورتنا ضد النظام الظالم، وليست جهادا’.
في الوقت نفسه أرسل أبو القعقاع تغريدة تقول ‘كل النساء في الرقة يرتدين النقاب، فضل من الله’.
ويقول أحد الناشطين إن المتطوعين الأجانب ينتظرون على الحدود السورية مع تركيا ثم يجتازون الحدود للأراضي التركية عندما تشتد المواجهات، مشيرا إلى أنهم في سوريا ‘لا يفعلون شيئا سوى التجول في الشوارع حاملين الكلاشينكوف في بلد يعاني من فراغ في السلطة، سكانه جوعى ويائسون’.
وعلى الرغم من أن موقف السوريين للمقاتلين كونهم أجانب إلا أن هؤلاء يرون أنفسهم مسلمين يقومون بأداء واجب الجهاد. وتقول تغريدات ‘بعد انتهاء الجهاد هنا سأبحث عن بلد آخر لأواصل فيه الجهاد’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية