‘الميدان’.. فيلم مصري يحكي ‘مطبات ثورة 25 يناير’ وما بعدها

حجم الخط
0

القاهرة- من مروة جمال: لم يشفع لـ’ الميدان’، كونه أول فيلم وثائقي مصري، يصل لنهائيات الأوسكار؛ فلم يعرض بالقاهرة حتى اليوم، رغم عرضه بالخارج، وتحقيقه نجاحا كبيرا.
الفيلم الذي يعرض عينة عشوائية من ثوار ‘الميدان’، الذين جمعتهم الثورة، وفرقتهم السياسة، يبدأ مع انقطاع التيار الكهربائي، عن منزل البطل ‘أحمد’، في القاهرة عام 2011، فينهض ليشعل شمعة قائلا: ‘ما ده (هذا) العادي (الطبيعي)..النور (الكهرباء)، قاطع (انطفت)، عن الدنيا كلها’.
ويبدأ أحمد في القص (الحكي)، عن وطنه قبل الثورة، كما كان يراه، بعينيه القاتمة، فيسترجع طفولته التي قضاها، بائعا لليمون، في الشوارع، كي يوفر مصاريف تعليمه، ومن بيع الليمون، يتنقل أحمد بين عدة مهن أخرى، إلى أن أصبح شابا، يخشى أن يسرق منه لصوص الوطن شبابه، كما سرقوا منه طفولته.
هنا تجولت كاميرا المخرجة جيهان نجيم بين أروقة نظام (الرئيس الأسبق حسني) مبارك الحاكم آنذاك، سيارات الأمن المركزي (شرطة مكافحة الشغب)؛ أقسام الشرطة؛ لقطات من تعذيب المواطنين في أمن الدولة (جهاز شرطي)، على تعليق من البطل (مصطفى العطار)، الذي لم يترك لفظا يعبر عن الظلم، والجبروت إلا واستخدمه في تعليقه لوصف هذا النظام.
المخرجة انتقلت بعد ذلك لتوثق أحداث، قصمت ظهر مبارك، وخلعته من الحكم، مثل تعذيب فتيات في مقرات أمن الدولة، ومقتل الشاب خالد سعيد في الإسكندرية (شمالا)، الذي أحيا قلوبا، ألفت الموت تحت حكم الأنظمة المستبدة.
عاد الفيلم لبطله الأول، الذى شارك في أول أيام الثورة، ليجد شبابا، لا يختلفون عنه في شيء، ولكن قوات الأمن تعتنت في تفريقهم؛ وانتقت المخرجة بعناية شديدة المشاهد، التي تعكس طبيعة الاشتباكات، التي شهدتها الأيام الأولى من الثورة.
وفي لقطات طغت فيها الإنسانية على الفن، عكست المخرجة، الروح الخالصة التي سادت الميدان آنذاك، وذابت معها كل الفروق بين المصريين، لدرجة تجعل المشاهد، يشعر أنه أمام استنساخ بشري للروح، قبل الشكل، فأيقن الجميع، أنه لا مغادرة للميدان، قبل أن يدق النصر الأبواب.
هنا بدأت حبكة الفيلم في الظهور بوضوح، حينما اختار المخرج 3 نماذج عشوائية من الشباب، ليوثق من تجاربهم الشخصية، حكاية الثورة ؛ فها هو أحمد البطل الأول، يقابل مجدي العطار، البطل الثاني، في الميدان (ميدان التحرير وسط القاهرة) فتوحدهما، الأهداف الثورية بعيدا عن الانتماءات السياسية المتباينة، وكلاهما توحد مع خالد عبد الله، البطل الثالث، الذي قطع غربته للمشاركة في الثورة، التي أعادته لوطنه، أو ربما أعادت وطنه إليه.
تمر الأحداث سريعا إلى أن تقف عند لحظة التنحي (رحيل مبارك 11 شباط/فبراير 2011)، وتلك السعادة الغامرة، التي طافت جنبات الميدان، وغمرت كل من فيه بنفحاتها، هنا يصعب على أي كاميرا توثيق كل ما شهده الميدان، آنذاك من دموع ذرفت، وصلوات أقيمت، وحلوى وزعت، وزغاريد علت، لتعلن أن هذا الشعب لن يغلق فمه بعد اليوم، ولتكن مصر كلها بقعة من ميدان التحرير.
لكن من خلال مشاهد الفيلم، تدرك أن هذه المثالية الثورية لم تدم طويلا، فسرعان ما تولى المجلس العسكري الحكم، واكتشف بعض الثوار، أنه ساند الثورة، لرغبته في القضاء على مشروع التوريث، وإنهاء الحكم العسكري، وتأسيس دولة مدنية.
ومنذ هذا الحين بدأ الثوار معركة جديدة ضد قيادات الجيش، وعادوا للاعتصام في ميدان التحرير، لكن لم تمنع متاريسهم المتراصة على مشارف الميدان لتأمينه، قوات الجيش والشرطة بمعاونة بلطجية، من فض الاعتصام بالقوة يوم 9 آذار/ مارس 2011 وفقا لرواية ‘عايدة’ إحدى أبطال الفيلم.
دقائق قليلة، ويتضح للمشاهد، أن أحمد بطل الفيلم، أصيب في الأحداث، بينما اعتقل رامي عصام، مطرب الثورة، وفور خروجه، استعرضت الكاميرا، آثار التعذيب على ظهره، موثقة روايته بأن قوات من الجيش اعتقلت عددا كبيرا من المعتصمين، وأدخلتهم المتحف المصري (بميدان التحرير)، وقامت بالتعدي عليهم بالضرب المبرح، بقطع خشبية، وحديدية، وجردتهم من ملابسهم، وحلقت شعورهم.
وفي جلسة على أحد مقاهي الميدان تعاتب فيها رفقاء الثورة، على ما اعتبروه خطأهم الأكبر في حق الثورة، بتركهم الميدان عقب التنحي، ولم يصمدوا فيه حتى تتطهر كل مؤسسات الدولة من نظام مبارك ورجاله؛ وشبهوا فعلتهم بالطالب الذي أجاب بإتقان على امتحان ما، إلا أنه نسي تدوين اسمه على ورقة الإجابة!
‘الميدان’ رصد لحالة السخط التي عاشتها فئات ثورية، على قيادات (جماعة) الإخوان (المسلمين)، واتهامهم بعقد صفقة مع العسكر؛ بينما كان مجدي العطار بطل الفيلم يطالب هؤلاء بالفصل بين أعضاء الجماعة الذين لم يفارقوا الميدان من اليوم الأول للثورة، وبين بعض قادتها الذين ارتكبوا أخطاء بحق الثورة، خاصة حينما طالبوا من يخرج عن تعليماتهم، وينزل للمظاهرات ضد العسكر، بعدم الإفصاح عن انتمائه لهم.
وبعد 10 شهور من بداية الثورة تقع أحداث ماسبيرو الشهيرة، حينما احتشد المسيحيون أمام المبنى العتيق، رافيع الصلبان، مرددين هتاف ‘أنا مصري’، ولم للفيلم أن يتجاهل توثيق مشهد دهس مدرعة الجيش للمتظاهرين، ولحظات مقتل مينا دانيال أشهر ضحايا أحداث ماسبيرو (وقعت يوم 9 تشرين أول/أكتوبر 2011، وخلفت 28 ضحية).
الجديد في ‘الميدان’ هو توثيقه لرواية راجية عمران المحامية الحقوقية، بأن النيابة اجتهدت في اقناع الأهالي بعدم تشريح الجثث، وهو ما أدى لاشتباك الأهالي معهم وطردهم، وأرجعت الإعلامية بثينة كامل، الرغبة في عدم التشريح، لعدم تثبيت رواية دهس الدبابة للمتظاهرين ما أدى لوفاتهم.
استعرض بعدها الفيلم أحداث ‘محمد محمود’ (شارع متفرع من ميدان التحرير شهد اشتباكات دموية بين متظاهرين وقوات حكومية، في تشرين الأول/ نوفمبر 2011، أسقطت 41 قتيلا وعشرات الجرحى بحسب وزارة الصحة)، وأكثر اللحظات إيلاما في المستشفى الميداني، حينما كان يفرح الثوار بمن لا يفارق الحياة، بعد إصابته، ويصرخون ‘عايش (ما زال على قيد الحياة)..عايش’.
هنا تمرد مجدي العطار تماما على فكر جماعة الإخوان، وقرر المشاركة في تظاهرات محمد محمود، كما أثار فضوله نوعية قنابل الغاز الأسود، الذي تستخدمه ضدهم قوات الأمن، فيصيبهم بحالة تشنج، وخنق شديدة، فيمسك بإحدى فوارغ هذه القنابل ليجد مدونا عليها، ‘صنع في أمريكا’.
مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية فى حزيران/يونيو 2012، كانت أهم المحطات، التي توقف عندها الفيلم، واعتبرها نقطة تحول جديدة، في توتر علاقة الثوار، بالإخوان، فاحتشد الثوار في محيط قصر الاتحادية (ضاحية مصر الجديدة)، لإسقاط رئيس الإخوان على حد وصفهم، فنزل الإخوان للدفاع عن رئيسهم، لتقع أحداث دامية (11 قتيلا وعشرات المصابين).
الفيلم اعتبر أحداث الاتحادية بداية السقوط للرئيس المعزول محمد مرسي، بدأت بعدها توقيع استمارات ‘تمرد’ ضد حكم مرسي، و الدعوة للحشد يوم 30 حزيران/يونيو 2103، الذي اختلف فيه رفقاء الميدان، فبعضهم توجه لميدان التحرير منهم أحمد بطل الفيلم، لأنه لا يرى نجاحا للثورة إلا بإسقاط مرسي حتى ولو كان ثمن ذلك عودة الجيش للحكم.
والبعض الآخر توجه لميدان رابعة العدوية، ومنهم مجدي بطل الفيلم الآخر، لأنه لا يريد عودة الحكم العسكري حتى ولو كان الثمن الصبر على أخطاء مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين.
واستمر الخلاف إلى ما بعد عزل الجيش لمرسي يوم 3 تموز/ يوليو الماضي، حينما وقعت ‘مذبحة الحرس الجمهوري’ (اندلعت اشتباكات يوم 8 تموز/ يوليو 2013 بين قوات الأمن من الجيش والشرطة والمعتصمين أمام دار الحرس الجمهوري من مؤيدي مرسي)، وراح ضحيتها عشرات القتلى، والمصابين فبدأت مواقف الثوار تتباين إلى حد ما.
أحمد شاهد صور الضحايا بألم بين، فهاتف مجدي رفيق ثورته، وأبلغه أنه أبدا لم يرد للإخوان المسلمين أن يقتلوا في الشوارع، والطرقات، طالبا منه أن يسمح له بالتضامن معه في ميدان رابعة العدوية (وسط القاهرة، وشهد اعتصاما لأنصار مرسي منذ 28 حزيران/يونيو – 14 آب/ أغسطس 2013)، قائلا له ‘الثورة جاءت لإعلان المبادئ، وليس للاستهتار بالدم’.
وفي آخر مشاهد للفيلم الذي امتد 102 دقيقة، صورت المخرجة مع ‘مجدي’، داخل ميدان رابعة، الذي شهد مقتله ضمن ضحايا فض الاعتصام؛ بينما استكمل ‘خالد، وأحمد’، نضالهما ضد حكم العسكر، والإخوان معا.
وعلى نغمات أغنية رامي عصام ‘قلناها زمان للمستبد..الحرية جاية (ستأتي) لا بد.. حرية حرية حرية’، جاء تتر النهاية. (الأناضول)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية